يُقتل بها عشرات الآلاف سنوياً وقد تؤدي لحرب أهلية.. لماذا يُصر الأمريكيون على قوانين “حيازة السلاح”؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/28 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/28 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
حيازة السلاح في أمريكا - رويترز

في إطار الجدل الذي تدور رحاه حول إعادة النظر في العنف المسلح، الذي يستشري في الولايات المتحدة، وقّع الرئيس الأمريكي جو بايدن، السبت 25 يونيو/حزيران 2022، على مشروع قانون جديد يقيد حيازة السلاح في الولايات المتحدة، ويعد هذا المشروع أول إصلاح لقانون حيازة السلاح يلقى قدراً كبيراً من دعم بين الحزبين منذ عقود فقد دأب الحزب الجمهوري تاريخياً على تعطيل مشاريع تقييد حيازة السلاح، ولقي مشروع القانون دعماً من منظمات تُحسب على التيار المحافظ، من بينها "جمعية الشرطة" و"الجمعية الدولية لقادة الشرطة".

فلا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تعد إحدى أكثر دول العالم خطورة من حيث انتشار الجرائم وأعمال العنف المختلفة، ولأسباب مختلفة من أهمها انتشار الأسلحة الشخصية المرخصة، ويحتل الأمريكان، وبحسب بعض المصادر، المرتبة الأولى في معدل حيازة الفرد للأسلحة، وتبلغ معدلات جرائم القتل باستخدام الأسلحة النارية في الولايات المتحدة التي يمتلك مواطنوها ما يتراوح بين 300 و350 مليون قطعة سلاح ناري، أعلى بنحو 25 مرة منها في سائر البلدان مرتفعة الدخل مجتمعة. واعتباراً من 1 يونيو/حزيران 2022، كانت هناك أربع عمليات إطلاق نار جماعي في الولايات المتحدة.

الدستور يُقنن أسباب العنف المسلح

في 22 يونيو/حزيران 2022، قضت المحكمة العليا الأمريكية بتوسيع حقوق حيازة وحمل الأسلحة، وسط نقاش وطني حاد بشأن القضية، ملغية قانوناً في نيويورك يقيّد حق حمل السلاح، ووجدت المحكمة أن قانون نيويورك، الذي يطالب السكان بإثبات "سبب مناسب" لحمل أسلحة نارية في الأماكن العامة، ينتهك دستور الولايات المتحدة.

فتشير دراسة صادرة عام 2018 حول ملكية الأسلحة النارية العالمية إلى وجود أسلحة أكثر من عدد السكان في أمريكا، فهناك أكثر من 393 مليون قطعة سلاح ناري يملكها مدنيون هناك، أي ما يكفي لكل رجل وامرأة وطفل امتلاك قطعة سلاح واحدة، ويتبقى بعد ذلك 67 مليون قطعة سلاح، تأتي هذه الأرقام من إصدار من المسح العالمي للأسلحة الصغيرة، وهو مشروع تابع للمعهد العالي للدراسات الدولية والتنمية في جنيف.

فملكية الأسلحة النارية العالمية تتركز بصورة كبيرة في الولايات المتحدة، ففي عام 2017 على سبيل المثال كان الأمريكيون يشكلون 4% من سكان العالم، لكنهم يمتلكون حوالي 46% من إجمالي المخزون العالمي، البالغ 857 مليون قطعة سلاح ناري مدني، وهو ما يقدر بـ120.5 بندقية لكل 100 مواطن أمريكي.

كانت سنوات أوباما فترة ازدهار بالنسبة لمصنعي الأسلحة في أمريكا، حيث ضاعفوا إنتاجهم السنوي بين عامي 2009 و2013، إذ وجد مسح الأسلحة الصغيرة أنه "في الولايات المتحدة وحدها حصل المدنيون على ما لا يقل عن 122 مليون سلاح ناري جديد أو مستورد، خلال الفترة من 2006-2017".

إحصائيات خطيرة لـ13 عاماً من المجازر في أمريكا

في عام 2020 قتل 43559 أمريكياً، من بينهم 299 طفلاً، أعمارهم أقل من 11 سنة، وهو ما يزيد بـ4021 ضحية مقارنة بعام 2019، الذي شهد 39538 قتيلاً، بحسب توثيق أرشيف عنف الأسلحة النارية، وكانت شهر يوليو/تموز 2021، التي توافقت مع عيد الاستقلال الأمريكي الأكثر دموية خلال العام الجاري بـ14 حادث إطلاق نار جماعي، بينما شهدت ولاية كاليفورنيا التي تعد الأكبر من حيث عدد السكان 1690 جريمة قتل باستعمال السلاح، تلتها ولاية تكساس بـ1409 ضحايا، فيما أتت في المرتبتين الأخيرتين كل من ولاية وومينغ بـ13 ضحية، وفيرمونت بـ11 ضحية.

بين عامي 2009 و2021، قُتل 1569 شخصاً في الولايات المتحدة، وأصيب 1000 آخرون في 278 عملية إطلاق نار جماعي، بمعدل 20 عملية إطلاق نار كل عام، وكان من بين الضحايا ما لا يقل عن 362 طفلاً ومراهقاً قُتلوا، فضلاً عن مقتل 21 من ضباط الشرطة وجرح 35.

هذه الأرقام كارثية، حيث استحوذت مشاهد إطلاق النار الجماعي في الولايات المتحدة على نسبة كبيرة من تغطيات وسائل الإعلام الأمريكية، لأن معدل جرائم القتل بالأسلحة النارية لدى الولايات المتحدة أعلى 26 مرة من البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع، والسبب هو سهولة امتلاك سلاح ناري، حيث إن الولايات الأمريكية ذات قوانين الأسلحة الأضعف ومعدلات امتلاك الأسلحة الأعلى، لذلك فلديها معدلات أعلى من عمليات إطلاق النار الجماعية.

لكن المشكلة لا تنحصر فقط في عمليات إطلاق النار الجماعية، التي تتصدر قمة أزمة العنف المسلح، لأن أكثر من 99% من الوفيات بالأسلحة في الولايات المتحدة ناتجة عن إطلاق النار، فالعنف اليومي بالأسلحة النارية يتسبب في مقتل أكثر من 110 أشخاص كل يوم في الولايات المتحدة.

في جميع عمليات إطلاق النار الجماعية خلال هذه الفترة، كان مُطلق النار رجلاً بالغاً يتصرف بمفرده، حيث انتحر 32% "92 منفذاً"، من الجناة، في حوادث إطلاق النار الجماعية بعد تنفيذ العملية، وقتل 24 من إطلاق النار من قبل الشرطة، وتم القبض على 145، بينما هرب 23 فرداً من منفذ عمليات إطلاق النار الجماعي.

لقد وقعت 61% من حوادث إطلاق النار الجماعي بالكامل في المنزل و30% حدثت بالكامل في الأماكن العامة، مثل المدارس أو مراكز التسوق، والـ9% الباقية الأخرى وقعت جزئياً في منزل، وجزئياً في مكان عام، ومن بين عمليات إطلاق النار الجماعية وقعت الغالبية 59% جزئياً على الأقل في مكان عمل مثل مطعم أو متجر بيع بالتجزئة، و11% حدثت في المدارس، كانت عمليات إطلاق النار الجماعية هذه أكثر فتكاً، فـ39% من حوادث إطلاق النار الجماعية التي وقعت في الأماكن العامة قد أسفرت عن 51% من الوفيات.

"بسبب الكراهية واليمين".. العفو الدولية تحذّر من السفر للولايات المتحدة

أثناء فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زادت معدلات القتل بالأسلحة النارية، حيث شهد عام 2018، 12 حادثة إطلاق نار جماعي داخل أمريكا، ما اضطر منظمة العفو الدولية لإصدار تحذير من السفر إلى الولايات المتحدة، يدعو المسافرين المحتملين والزوار إلى توخي أقصى درجات الحذر عند السفر في جميع أنحاء البلاد، بسبب انتشار العنف بالأسلحة النارية، والذي أصبح سائداً في الولايات المتحدة، إلى حد يمكن اعتباره "يصل إلى حد أزمة حقوق إنسان".

وصرح إرنست كوفرسو، مدير حملة End Gun لمكافحة العنف في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، بأنه من المستحيل ضمان عدم تعرض الزائرين للولايات المتحدة لإطلاق النار، وبحسب تحذير العفو الدولية فإن سبب العنف باستخدام الأسلحة النارية معظمه ناتج عن جرائم الكراهية، بما في ذلك العنصرية والتمييز.

وهذا يرجعنا إلى تقرير خطير، صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عن الجماعات شبه العسكرية اليمينية المتطرفة والانتخابات الأمريكية، حيث يذكر التقرير أنه قد زاد المسلحون اليمينيون المتطرفون نشاطهم بشكل كبير، وأن هذه الجماعات المسلحة يتدربون على حرب المدن والريف، بالإضافة إلى العلاقات العامة والدعاية والعمليات الأمنية، سواء عبر الإنترنت أو خارجه، لإشراك المزيد من المواطنين الأمريكان في الانضمام إليهم، وهناك ميل لهذه الجماعات للتنظيم، وهذا ما يفسر إقبال الأمريكان على شراء الأسلحة.

الاكتئاب والعنف الأسري وحوادث إطلاق النار في أمريكا

تشهد الولايات المتحدة أكبر عدد من حوادث إطلاق النار في المدارس في العالم، حيث تضمنت بعض الدوافع وراء حوادث إطلاق النار في المدارس الاكتئاب والسعي للانتقام والتنمر، ونتيجةً للعدد الكبير من حوادث إطلاق النار في المدارس، أصبح الحديث على السيطرة على حيازة الأسلحة موضوعاً رئيسياً في السياسة الأمريكية، حيث تنتشر هذه الظاهرة في جميع الولايات، ومع ذلك شهدت كاليفورنيا أعلى عدد من حوادث إطلاق النار في مدارس K-12 في الولايات المتحدة منذ عام 1970، ومع ذلك فإن أعنف إطلاق نار في المدرسة (حتى مايو/أيار 2022) كان مذبحة Virginia Tech في عام 2007، وخلفت هذه المأساة 33 قتيلاً و17 جريحاً.

إن معظم عمليات إطلاق النار الجماعية ليست عشوائية على الإطلاق، فيوجد في 53% على الأقل من عمليات إطلاق النار الجماعية، بين الفترة من 2009 وحتى 2020، قام بها الجاني ضد أفراد أسرته، وأسفرت عمليات إطلاق النار الجماعية المرتبطة بالعنف الأسري عن إصابة ما لا يقل عن 632 شخصاً بالرصاص قتل منهم 106، وفي كثير من الأحيان يقع الأطفال والمراهقون ضحاياً لإطلاق النار الجماعي للعنف الأسري، فمن بين 362 طفلاً ومراهقاً قتلوا في جميع عمليات إطلاق النار في السنوات الـ12 الماضية ما يقرب من 72% داخل الأسَر.

هل سينجح بايدن في الحد من العنف المسلح؟

إن توقيع بايدن على مشروع القانون الجديد الذي يقيد حيازة السلاح في الولايات المتحدة، والذي يعد أول إصلاح لقانون حيازة السلاح، ويتضمن التشريع الجديد بنوداً تساعد الولايات في حظر حيازة السلاح على الأشخاص، الذين يمكن اعتبار أنهم يمثلون خطراً على أنفسهم أو على الآخرين، كما يحظر القانون الجديد بيع السلاح للمدانين في حوادث عنف منزلي، ويتضمن وضع ضوابط أشد صرامة فيما يتعلق بالمشترين الشبان للأسلحة، فضلاً عن المزيد من التمويل لمصلحة برامج الصحة النفسية وتأمين المدارس.

لكن هل تكفي هذه الإصلاحات التشريعية للحد من حيازة الأسلحة في منع حوادث العنف المسلح؟ لقد انقسم الأمريكان حول مدى تأثير فرض المزيد من القيود على امتلاك السلاح في الحد من جرائم العنف المسلح، فوفق دراسة قامت بها باحثة في مركز بيو للأبحاث، نشرت في 11 مايو/أيار 2021، تحت عنوان حقائق أساسية عن الأمريكيين والأسلحة، توصلت فيها إلى أن 49% من الأمريكيين البالغين يرون أن فرض المزيد من القيود على حق امتلاك السلاح سيحد من انتشار حوادث القتل العشوائي والجماعي، في حين يعتقد 42% أن الوضع لن يتغير، وتتفق الأغلبية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على منع المصابين بأمراض عقلية من شراء الأسلحة بنسبة 85% من الجمهوريين، و90% من الديمقراطيين، وأن ذلك سيحد من حوادث العنف المسلح، مع أهمية إخضاع الراغبين في شراء الأسلحة لتحقيق وفحص أمني، وهو ما يؤيده 70% من الجمهوريين و92% من الديمقراطيين.

ومما سبق نستنتج أن القيود الجديدة على حيازة الأسلحة ليست بالجدية اللازمة لمنع العنف المسلح، فقد ذكرنا أن عدد الأسلحة التي يمتلكها مدنيون في الولايات المتحدة بالفعل أكبر من عدد السكان، وهذه أزمة في حد ذاتها، لأن التشريعات الجديدة لم تشرع سحب هذه الأسلحة من مالكيها، بالإضافة إلى أن التشريعات الجديدة لا تمنع امتلاك المدنيين للأسلحة، بل تضيق عليها، ومن السهل التحايل على هذه التشريعات، وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك جمعيات في الولايات المتحدة تعارض هذا التشريع، مثل الجمعية الأمريكية للأسلحة، التي وصفته بأنه لن يوقف العنف، فضلاً عن أن معظم الأسلحة التي ارتُكبت بها جرائم قتل في الولايات المتحدة كانت أسلحة غير مرخصة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسلام زعبل
صحفي وباحث سياسي مصري
صحفي وباحث سياسي مصري، تهتم أعمالي البحثية بمجال الجيوبوليتيك، والدراسات الأمنية، ونظريات العلاقات الدولية، وسياسات القوي الكبرى والإقليمية وبالأخص قضايا الشرق الأوسط
تحميل المزيد