تابعنا في الأيام الأخيرة الكثير من الأحداث التي آلمت قلوبنا، وعجزت عقولنا عن استيعابها، والتي غالبية أسبابها كانت التربية الخطأ للذكور، التي نتج عنها بعض الاضطرابات النفسية وبعض الاضطرابات الشخصية، فيتحمل في النهاية نتائج تلك الأخطاء التربوية بعض الأبرياء من الإناث، سواء كان له عليها السلطة؛ كالأخت والزوجة والابنة، أم لم يملك عليها سلطة إلا أنه يتوهم أحقيته للحصول عليها كأنها سلعة، فهو لا يفكر بالتوابع ولا تحريم ذلك؛ لكن يفكر فقط في إشباع الغرائز التي أنشأها المجتمع داخله، دون إشراف تربوي وديني صحيح.
وأنا هنا لدعم كل أم وأب لديهم ذكور يريدون أن يجعلوا منهم رجالاً حقيقيين، قبل أن أبدأ أدرك تماماً صعوبة التربية، إلا أنني أريدك أن تدرك ما قالته لي إحدى الأمهات في إحدى الجلسات: "أعلم جيداً يا رانيا أنه حصّالة المستقبل"، قد تكون قالتها من باب التعبير اللاواعي، لكن حينها تخيلت أنني أفتح حصالتي في يوم ما، وأجد فيها ما نفعله دون إدراك لخطورته، كانتباهه للهاتف وتجاهله لي، ضرب، معاملة سيئة، سب، صراخ، تفضيل الآلات والأعمال على حقوقي كإنسان، عدم الاعتذار، فالرجل يفعل ما يشاء، وهناك من أفعالنا الكثير مما سنحصده في المستقبل.
لذلك استوقفتني تلك العبارة وقررت أن أساعدك في ملء حصالة المستقبل بما تحبين، واعلمي أن كل التربية مجهود، فنجتهد بما ينفعنا وينفع المجتمع أفضل من أن نُجهد بالضرب والصراخ.
مبدئياً هناك ضوابط للرجولة في القرآن الكريم
أولاً: الطهارة الظاهرة والباطنة: (لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا ۚ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ۚ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ۚ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة: ١٠٨].
ثانياً: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، فكل رجل ذكر، وليس كل ذكر رجلاً، فالرجل لا يكذب ولا يبدل الحقائق.
ثالثاً: فالرجولة هي تحمل المسؤولية: (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص: 20].
رابعاً: قوة القول، والصدع بالحق، وكلمة حق عند سلطان جائر: (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر: 28].
خامساً: الصمود أمام المغريات والتغلب على الشهوات: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَار) [النور: 37].
رابعاً: الرجل صاحب كلمة طيبة، ورأي سديد، ومروءة، وشهامة، وتعاون: (قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 23].
سادساً: الصدق مع الله والثبات على العقيدة، قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلً) [الأحزاب: 23]، نعم الرجل هو الذي يصدق مع الله أولاً، فمن صدق الله صدق مع الجميع؛ لذلك فالرجولة ليست إطالة شارب، أو صياحاً، أو عرض قوة، أو عضلات، أو تلفظ بألفاظ بذيئة؛ فالرجال لا يتربون إلا بالعقائد الراسخة، والفضائل الثابتة، والأخلاق الحسنة، تحت ظل الأديان السماوية التي أتمها الله وأكملها بالإسلام.
ولو لاحظنا فقد ذكر الله تعالى كلمة رجل في المواطن المحببة له في القرآن، وكلمة ذكر في المواطن الدنيوية كالإرث والخلق، لذلك كان رسل الله كلهم رجالاً؛ قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [يوسف: 109].
والآن نبدأ بخطواتنا التربوية للعمل على مساعدته بتقدير ذاته وتقدير من حوله.
1- التعبير عن مشاعره بطريقة صحيحة؛ فالبكاء لا يعني الضعف، ولا تختص به النساء للتعبير عن الحزن. النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع…"، فلا تقولي لولدك: أنت رجل، والرجال لا يبكون، فأنت الآن تحولينه من صاحب مشاعر إلى جماد شديد القسوة لا يمتلك مشاعر التعبير عن الحب بالقول والفعل؛ فهو أحد أسس تعلم الحنان والعطف ورقة القلب.
2- المساعدة في الأعمال المنزلية؛ فهو فرد من الأسرة، وليس سيدها؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُرقع ثوبه.
3- النظافة الشخصية: قص الأظافر، ونظافة الملابس، والتزين، وتنظيف الأسنان، وكما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم نتف الإبط وحلق العانة.
4- الاحتضان وتقبيل الخد، والجبين واليد، فالحنان على رجلك الصغير حق له؛ فهو بشر، واليوم هو الضعيف، وغداً أنت الأضعف، اليوم أنت القدوة؛ فافعل ما تريد أن تلقاه حين تتبدل الأدوار.
5- الاهتمام بمواهبه مهما كانت، لا تقتصر المواهب على الفتيات، وأعتقد أن الانفتاح الآن أظهر مهارات الرجال في المطبخ ومجالات لم تكن موجودة من قبل، فأرجوك وظفي مواهبه فيما يجعله أقوى وأكثر رجولة.
6- أدركي معه المعاني الحقيقية للبطولة، فالبطل ليس سوبرمان ولا سبايدرمان، البطل هو الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم لا تغضب فلم يغضب، كان صادقاً، يفي بوعده، يبتعد عن الحرام، يتقي الشبهات، أميناً، يدافع عن الحق، يغض بصره، صاحب أخلاق حميدة.
7- الاعتذار والاعتراف بالخطأ؛ فهو بشر وله الحق أن يخطئ، ولا يقلل الاعتذار منه شيئاً، بل يجعل رجولته أقوى، فهو متصالح مع ذاته البشرية غير المنزهة عن الخطأ.
8- علميه أن المرأة هي أنت وأخته وابنته وجدته، المرأة ليست عدوته، وهي إنسان مكرم مثله، فيجب أن يحترمها.
9- تحدث عن أهمية اختيار الصديق؛ فيقال في الأمثال: الصديق قبل الطريق، وناقشي معه صفات الصديق الجيد وادعمي تلك المناقشة بقصص الصداقة.
10- إلغاء الإهانة من قاموس التربية لديك، وعدم إجبار الطفل على عمل شيء لا يريده، وثقي في قدراته وساعديه في أن يثق بذاته، واعلمي أنه يشعر ولديه عقل يفهم مثلك تماماً، فأرجوك لا تعامليه على أنه لا يعقل؛ فهو منذ أن كان جنيناً، وهو يفهمك، فما بالك بعد أن يأخذ بعض الخبرات القليلة في هذه الحياة!
12- شاركيه بعض الآراء في الأشياء التي حوله، مثل: ما رأيك في أن نقوم بكذا أو كذا؟ اتركيه يختار ما يحتاج من ملابس أو حلوى، وأن يحاسب البائع بنفسه. شاركيه بعض المسؤوليات التي تناسبه ما دامت لا تضره جسدياً ولا تضر أحداً.
13- عدم الاستجابة لجميع مطالبه، لكن ارفضي بمهارة، واجعلي قائمة لطلباته تكتبونها معاً، وتلبَّى على فترات. أذكر ذات يوم أن طلب طفلي مني أن نشتري لعبة، وحينها لم يكن في جدولنا شراء لعبة، فجلست أمامه قائلةً: حبيبي، اليوم لن أستطيع، فالمال لا يكفي، ولكن سنكتبها في القائمة مثل قائمة طلبات المنزل، وأشتريها في وقت لاحق. رغم حزنه أنه لم يحصل عليها، كان لديه شعور بالسعادة أنه سيصبح لديه قائمة كالكبار، ومنذ ذلك الوقت ونحن نكتب ما نريد.
14- توعيته بالعفة، وأنها لا تقتصر على المرأة فقط، وقصي عليه قصة يوسف عليه السلام وامرأة العزيز.
15- شاركيه أوقاته المحببة، كوقت اللعب ووقت القراءة ورواية قصة النوم التي يغفو عليها مطمئناً بصوتك، نبض قلبك وأنفاسك يعني له الكثير من الأمان.
16- حين ترفض سلوكاً أو فعلاً له ناقشه أنك لا ترفضه لكن ترفض السلوك نفسه.
17- حديثك الدائم معه عن حبك غير المشروط له يعزز تقبل الذات لديه.
18- أشغلي وقته بما يفيده ويزيد قدراته ومهاراته، لا تتركي له وقت فراغ يؤرقكم.
وأخيراً، قيل في الأثر: لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وآخه سبعاً، ثم ألق حبله على غاربه. أي السبع الأُول للعب لا التعذيب، والإجبار على المذاكرة المملة له، والسكون والصمت، ثم التأديب، وهو تأديب قائم على الحوار والتوجيه، فإن أتقنت السبع الأُول أدركت يسير التأديب، فكانت الثالثة هي ثمرتك الناضجة التي حُقت لك، وإن وزعتها على العباد في كل البلاد جنت لك الدعوات، وكان لك هو الولد الصالح الذي يستمر به عملك بعد وفاتك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.