مهووس بـ”ركوب التريند” وآراؤه مثيرة للجدل.. من أين جاء مبروك عطية وكيف أصبح نجماً؟

عدد القراءات
3,338
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/23 الساعة 12:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/24 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش
مبروك عطية - وسائل التواصل الاجتماعي

الرجل السائر خلف التريندات!

منذ يومين وقعت جريمة قتل أمام جامعة المنصورة، جريمة قتل كاملة وقعت ضحيتها طالبة جامعية كانت الحياة أمامها بكل تجاربها الجميلة والممتعة قبل أن يقرر القاتل أن يسلبها حياتها!

في أي مكان آخر كان من الممكن أن تنقلب البلاد وتصدر الأوامر والبيانات التي تدين الحادث، وتعلن القبض على القاتل، كان من الواجب أن يحزن كل الناس باختلاف طبقاتهم وميولهم وأجناسهم، ولكننا في مصر فقط وجدنا من يحاولون إيجاد دوافع للقاتل لتبرير جريمته.

ولم يتوقف الأمر المثير للغثيان والغضب معاً عند هذا الحد، ولكننا وجدنا من يلوم على القاتل قتله للفتاة بدلاً من اغتصابها! 

مبروك عطية

لماذا أقول وجدنا وأنا كاتب هذا المقال! لأنني هُرعت لمحادثة المقربين مني للاطمئنان عليهم، قلة قليلة أعرفهم يؤذيهم ما قد يصيب الإنسان في أي مكان في العالم، ولكن حينما تكون الضحية على مقربة منك لهذا الحد، فأنت لا تتمكن من السيطرة على نوبات الهلع التي تصيبك، وحينما يخرج الناس حولك بتبريرات للجاني بدلاً من الحزن على المجني عليه، تدرك أن الضحية القادمة قد تكون أختك أو أمك، خطيبتك أو زوجتك، بنتك أو أي امرأة قد تمر بجوارك في الشارع، وقد تجدها فجأة غارقة في دمائها؛ لأن شخصاً ما رأی أنها تستحق ذلك!

يقول "الشيخ" مبروك عطية مُعقباً على الحادث أن المرأة يجب أن تخرج من بيتها مثل "القفة" حتی لا يتعرَّض لها أحد!

أعيد قراءة الجملة لأكثر من مرة، ولا يحضر في ذهني إلا مبروك العطية، الداعية الذي يتحدث في من يهاتفونه بطريقة ساخرة وأخری عنيفة، كممثل مسرحي ضئيل الموهبة.

مبروك عطية الذي كان مصدر سخرية وضحك للعديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي في البداية قبل أن يمنحه البعض القداسة، ويُلبسونه ثوب العالم الجليل الذي يعرف كل شيء، والذي صار انتقاده أمراً عسيراً؛ لأن مريديه يظنون أن نقد رجل الدين كفر وإلحاد والعياذ بالله؛ لأن عقولهم لا تستوعب أن نقد الخطاب أو نقد قائله لا يعني نقد النص الإلهي؛ لأن كل أزمة الخطاب الديني تكمن في إشكالية النص/ التأويل التي نعاني منها منذ زمن.

مدفوع أنا بالسؤال: من أين أتى مبروك عطية؟ ومتی تحوَّل هذا الرجل من مصدر للتندر حول آرائه وأفعاله على الشاشة، إلی كل هذا الجبروت والخطاب ذي النبرة المتطرفة في خطابه؟

لا يحتاج أي رجل دين في مصر للحصول على الشهرة اللازمة لجعله شخصية عامة إلا تبني آراء شاذة وطريقة إلقاء مميزة تجعله "تريند" بين فينة وأخرى.

ظهر مبروك عطية لأول مرة على قناة دريم الفضائية بنظارة شمس ووردة في معطفه، وردود في غاية السطحية والبساطة، تخلو من أي مضمون قيم، بالرغم من حصوله على ليسانس شريعة وقانون شعبة الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر، بالإضافة لحصوله على دكتوراه مع مرتبة الشرف من جامعة القاهرة!

يبدو تتبع مراحل انتشار ورسوخ مبروك عطية كرجل دين شيئاً مربكاً. الرجل الذي لا يترك أي صغيرة أو كبيرة رائجة إلا ويضع فيها رأيه ويفرد لها من وقته الكثير والكثير لتصدر التريند، يبدو كمهووس بعملية الرواج التي تُحدثها آراؤه السلبية، مُتناسيًا تأثير كل كلمة تحرض على العنف أو تبرر جريمة علی ملايين ممن لم يحصلوا على أدنى مراحل التعليم أو التربية.

يتبنى مبروك عطية آراء مضادة لكل ما هو منطقي وطبيعي، يتخذ من أي رد فعل طبيعي موقفاً معادياً ليخرج على الناس برأي مختلف، وهو موقن من أنه سينتشر كالنار في الهشيم، لا يهتم عطية إذا كان الناس سيأخذونه على محمل الجد، أم سيسخرون منه كعادتهم، المهم أن ينتشر أكثر وأكثر، أن يصل لما يريده.

لا أتذكر له إلا مواقف انتشرت للسخرية من طريقة كلامه حينما كان يرد على متصلة ويقول لها "يا زينبو"! أو حينما كان يحرك الوردة التي في معطفه ويقول أي شيء بصورة كاريكاتورية.

يخرج علينا الآن مبروك عطية في حادثة تشكل مصاباً عظيماً لكل من رآها ولكل من يهمهم أمر المجني عليها ليُشير إلی أن زيّ أي ضحية إذا كان "محزق وملزق" فإنها ستموت على يد (اللي ممعهوش)، وأن الحجاب هو وحده ما يحمي المرأة من القتل على يد المجرمين.

يتعمد مبروك عطية في خطابه الأخير أن يستخدم أسلوباً شديد الابتزال، كما أنه يخرج علينا هذه المرة من خارج الأستوديو؛ لأن ما قاله غير معقول أن يتم بثه على قناة تلفزيونية، كما أن خروجه للتعقيب على الحادث بثياب منزلية ومن بيته أو مكتبه أمر لا يشير إلا إلى رغبته في ركوب التريند، أو إيمانه هو الشخصي بدوره كمجرد رجل من رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين في العادة لا يملكون شيئاً ذا قيمة، ولا يدفعهم شيء للكلام إلا وجود متابعين يتسلون بمتابعتهم، وفي بعض الأحيان تمنح الشهرة خيالات وقيمة غير حقيقية لأصحابها، تُمكنهم من اقتناص ألقاب مثل عالم/ شيخ/ قديس/ فضيل، أو أي لقب لإيصال أفكار مسمومة للعامة.

مبروك عطية.. شعبوية الخطاب الديني

في مراحل متعددة خلال فترة وجيزة تغيَّر خطاب مبروك عطية ليتناسب مع كل مرحلة. بدأ الرجل في فترات ظهوره الأولى بالاعتماد على مخاطبة العقول البسيطة التي تنفر من مصطلحات وكلمات معقدة لشرح أبسط النصوص الدينية، وفي مراحل أخرى حينما امتدت سلطته ونفوذه على عقل المواطن العادي الذي يحتاج لمن يخاطبه بطريقة الشارع المصري، وما يصاحبها من إشارات لفظية وبصرية في استخدام نبرات صوتية تربوية أكثر حدة، بالإضافة للتعرض لكل ما يحدث وتفسيره من منظور ديني/أبوي، بالاستناد إلى أن الدين يشمل كل جوانب الحياة من اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهذا غير صحيح لأننا صرنا في عصر الاختصاص.

بالإضافة لنشأة علوم أكثر قدرة على تفسير كل ما يحدث في كل اختصاص دون الحاجة لصبغ وإلباس كل حدث بعباءة الدين، والتي مازلت تُمثل في مجتمعنا الثالث عباءة القداسة.

لا يمكن نقد الخطاب الذي يقدِّمه مبروك عطية من زاوية واحدة، لأن تشعب وشعبوية هذا الخطاب نبعت من طبقات متراكمة من الأفكار المغلوطة والمتطرفة في الكثير من الأحيان، بالإضافة لامتلاك مبروك عطية نفسه صورة ذهنية خاصة به، نجح في ترويجها كرجل دين يُقدم النصيحة من سلطة أبوية تُمكنه من استخدام الصوت العالي أو التنكيل بمن يخالفه بصورة غير أخلاقية لتحقيق هدف أخلاقي، ما يجعل الأغلبية في حالة تشتت تجاه خطاباته العنيفة تارة والهادئة أخرى.

في أي مكان آخر إذا صرح مثل مبروك عطية بأن من تخرج من بيتها طالقة شعرها لتعبث به الرياح سينبت لها من العدم من يتحرَّش بجسدها أو يقتلها، فإن محاكمته واجبة بحكم القانون؛ لأنه يُصدِّر خطاب كراهية، ولكن في مصر فقط يمكن أن تتم مواجهة أي شخص بقائمة تهم عريضة؛ لأنه تعرض بالسوء لقيم الأسرة المصرية أو سخر من شخصيات بشرية يعتبرها البعض مقدسة.

لمبروك عطية العديد من المؤلفات، ولكنها، وعلی ما يبدو، أنها لم تلقَ الرواج الكافي لنرجسية الرجل الذي يسعی لخطف الأضواء دائماً وهذا ما دفعه للتوجه لبرامج التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار، الأمر الذي حوَّله في النهاية لسلطة راسبوتينية شديدة القدرة علی استخدام طرق متعددة للسيطرة علی العقول التي لا تقرأ، ولا تجتهد، ولا تحتاج لأكثر من تصريح لشخصية عامة لينطلقوا في الأرض فساداً.

متى تتوقف خطابات الكراهية تجاه النساء؟!

نتعرض في هذا العالم المختل لضغوط عديدة، وخطابات كراهية متنوعة، ولصور عديدة من العنصرية والعنف لأي سبب باختلاف أطيافنا، ولكن لا يمكن إنكار تعرض النساء في مجتمعاتنا العربية للكم الأكبر من هذه المساوئ.

يستند ثلة من المعتدين إلی خطابات بعض رجال الدين والإعلاميين، التي قد تُشير – ولو بصورة غير مباشرة- لاستخدام العنف ضد المرأة، والمستمدة بطبيعة الحال من موروثات اجتماعية ودينية، ما يجعل التأويل في بعض الأحيان مقدساً أكثر من النص نفسه القابل التأويل وإعمال العقل ما دمنا أحياء.

وفي الوقت الحالي يخرج علينا العديد ممن لا يمثلون الجهات الدينية الرسمية لتوجيه خطابات تربوية وأبوية للمرأة، مكرسين كل جهودهم للإشارة لتفوق القوة الجسدية للرجل على المرأة، وكما أشار عطية في تصريحاته السابقة: (اللي ريقه بيجري وممعهوش هيدبحك) فإن هذا التصريح ليس فقط وصمة عار في حق من يعيشون في هذه البقعة من الأرض، ولكنه أيضاً قد يكون تصريحاً مُلهماً لكل من يكتمون بداخلهم رغباتهم ودوافعهم للانتقام من النساء لأي سبب.

"مبروك عطية" نتاج سنوات من العطب الذي أصاب تجديد الخطاب الديني الذي لا يتعرض له أحد من منظور عقلي أو بشكل جاد. يمكن قبول مبروك عطية من قبل طبقات متعددة من الشعب المصري؛ لأنه يستخدم طرقاً مبتذلة لخطب ودهم؛ ولأنه يردد ما يرونه هم صحيحاً كما هو قائم في الموروث الشعبي، بالإضافة لتعدد النماذج التي تشبه مبروك عطية والمستمدة من نماذج أخرى منحها الآخرون مكانة الإله نفسه مثل من منحوه لقب إمام الدعاة، بالرغم من أنه كان أول رجل يستخدم هذه الطريقة وهذه الخطابات التحريضية لكسب ود من يقدسونه حتی هذه اللحظة، ويمنعون انتقاده، ويسارعون بتقديم البلاغات ضد من يشير إليه أو لأفكاره المغلوطة بالسوء.

لا يجب أن تدفعنا خطابات التحريض على العنف والكراهية إلی الاختباء، بل إن معركة الوعي الاجتماعي الحقيقية تبدأ من تفكيك الأسباب التي يستند إليها هذا الخطاب، ومن ثم هدمها. ما دفع العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي لنشر ما عرف بـ #بيان_مجموعات_للتوقيع لجمع التوقيعات الرافضة للتعليقات المسيئة للمجني عليها، أو لدعوات العنف ضد النساء التي انتشرت كرد فعل وحشي على حزن الناس لوفاة فتاة مصرية بهذه الطريقة.

تقول صديقتي إن المعركة طويلة الأمد، وإننا نفعل كل ما نفعله من أجل من سيأتون بعدنا، من أجل بنات أخريات نريد أن يعيشن في مجتمع قادر على احترام الجميع، من أجل أن تكبر ابنة أختي في مجتمع غير عدواني تجاه النساء تحديداً ومن أجل أن تكبر ابنتها وتعيش في مجتمع غير وحشي بهذه الصورة، نكتب عن نماذج تروِّج خطاباً دينياً شعبوياً في صورة مبتذلة لتشويه صورة الدين في نظر الجميع لتلائم مخيلة القتلة.

الخطاب الديني المبتذل الذي يقدمه الرجل الذي لا يتوقف عن مطاردة التريند هو أكبر مشوِّه للإسلام في أذهان العامة والبسطاء، وأكبر محرِّض علی العنف، وأكبر دليل علی وجودنا في مجتمع يحتاج لعملية إنقاذ سريع.

عصور الظلام

من تصفح مواقع التواصل الاجتماعي يمكننا معرفة كل شيء، ما حدث وما يحدث لحظة بلحظة. يُشكل رواد مواقع التواصل، بما في ذلك بطل هذا المقال مبروك عطية، بوصلة متعددة الاتجاهات لعرض الأحداث والكوارث، وبناء الرأي وهدمه، وبناء الرأي الآخر وهدمه أيضاً، علی سبيل التسلية أو لمصالح شخصية.

تنقسم مواقع التواصل لمجتمعات منغلقة، يُسلط الأغلبية فيها الضوء على آرائهم لإبرازها على السطح لتكوين "التريند"، السلعة التي أصبحت الأكثر رواجاً في عصرنا الحالي، والتي صارت رغبة أغلب من هم عديمي أو متوسطي الموهبة لاعتلاء ساحات مواقع التواصل الاجتماعي بالسلب أكثر من الإيجاب.

نعيش في عصر الكوارث المنقولة بالصوت وبأعلى جودة صورة ممكنة، وبلا تدقيق أو محاولة لمناقشة أسباب الكارثة أو فتح تحقيقات شاملة للوقوف على أسباب حدوث الكوارث ينجذب بعض أفراد المجتمع دون تفويض لتبرير جريمة الجاني والوقوف بجانبه إذا كانت ضحيته امرأة.

الحقيقة المؤسفة، أيُّ امرأة في مصر معرَّضة لأن تكون الضحية القادمة، معرضة للقتل، وللاغتصاب سراً والتحرش سراً وعلانية، وبالطبع للخطف والعنف الزوجي والأسري، ما دام هذا المجتمع يجد دائماً الآلاف من المبررين، وبعض القادرين على إخراج تأويلات للنصوص الدينية تبرر ضمنياً العنف ضد المرأة، ويجد الملايين ممن يصرخون بأن المجني عليها تستحق ما حصلت عليه فقط لأنها امرأة.

نحن نعيش في عصور الظلام، حيث ما زالت المرأة مجرد جسد في نظر مجتمع كبير جداً قائم على العنف والعنصرية وبُغض بعضه لبعض لأسباب تاريخية تافهة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سيد عبدالحميد
كاتب مقالات وقصص قصيرة
كاتب مقالات وقصص قصيرة
تحميل المزيد