لعب على المكشوف بين الجزائر والمغرب حول أنبوب الغاز النيجيري.. فما نهاية هذا التوتر المتصاعد؟

عدد القراءات
1,033
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/22 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/22 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
العاهل المغربي محمد السادس والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون

يبدو أن الصراع الإقليمي بين المغرب والجزائر يتصاعد، فبعد نجاح المغرب في الضغط على برلين ومدريد لتغيير موقفهما من قضية الصحراء، ودعم المقترح المغربي للحكم الذاتي، مرت الجزائر إلى السرعة القصوى، وبدأت تُكيّف سياساتها الخارجية، وتجعل ملف الصحراء محدِّداً حاسماً فيها.

الجزائر التي أقدمت على تعليق اتفاقية الصداقة والتعاون مع مدريد، وجمَّدت التبادل التجاري بين البلدين، خطت خطوة ثالثة في اتجاه تجميد التعاون السياحي، فقد أصدرت وزارة السياحة والصناعات التقليدية بالجزائر توجيهات لمسيّري وكالات السياحة والسفر في البلاد، بتعليق جميع علاقات العمل مع هذا البلد بشكل فوري.

الجزائر، التي أعفت وزير ماليتها، دون تعليل للأسباب التي دفعتها لذلك، سبق لدبلوماسيتها أن أعلنت عن نفيها إصدار أي أوامر بوقف التعامل التجاري بين البلدين، لكن واقع الحال يؤكد توالي صدور الأوامر لمختلف القطاعات الوزارية لتعليق التعامل مع مدريد.

الجزائر منذ قرارها بوقف العلاقة الدبلوماسية مع المغرب، وتعليق إمداد الطاقة إلى أوروبا عبر الأنبوب المغاربي، فتحت جبهة واسعة من تدبير الصراع الإقليمي مع المغرب، واضطرت بفعل تسارع التطورات إلى إحداث تغييرات كبيرة في سياستها الدبلوماسية.

في البدء، عملت على ثلاثة ملفات مغاربية أساسية: تحسين العلاقة مع تونس (زيارة الرئيس الجزائري لتونس وإعلانه عن دعم مالي لها)، ومحاولة الاضطلاع بدور مركزي في ليبيا، وتوثيق العلاقة مع موريتانيا، وساعدتها التحولات الإقليمية في منطقة الساحل جنوب الصحراء، في تكييف سياستها، ومحاولة تكثيف تعاونها مع روسيا لاستعادة جزء من نفوذها في المنطقة، بعد إيقاف السلطات المالية لاتفاقية الدفاع مع باريس، وبعد قرار فرنسا سحب قواتها من مالي، كما حاولت أن تنتهز ظروف تنظيمها للقمة العربية، لاستعادة دورها العربي، ومحاولة محاصرة المغرب.

التحولات التي حصلت في الشهور القليلة الماضية أفسدت بشكل كبير عناصر الدبلوماسية الجزائرية، فقد ساعد التقارب الإماراتي التركي في وأد أي دور جزائري محتمل في ليبيا، كما توترت العلاقات الجزائرية التونسية بعد التصريح الذي أدلى به الرئيس الجزائري في إيطاليا، والذي أشار فيه أن الجزائر مستعدة فيه لمساعدة تونس على استعادة مؤسساتها الديمقراطية، وهو ما أزعج السلطة السياسية بقصر قرطاج.

أما موريتانيا، فقد بذلت الجزائر جهوداً كبيرة في توثيق العلاقة معها، وأثمرت زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني إلى الجزائر التصديق على مذكرة تفاهم، تقضي بإنجاز خطى مشروع الطريق الصحراوي الرابط بين مدينتي تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية.

لكن التطورات اللاحقة التي مست أساساً منطقة الساحل جنوب الصحراء أثرت على هذه التفاهمات، ودفعت نواكشوط إلى إعادة قراءة حساباتها، لاسيما بعد دخول الحلف الأطلسي على الخط. فمباشرةً بعد زيارة الرئيس المالي لموسكو، زار قائد الأركان العامة للجيوش الموريتانية، المغرب، وأجرى مع الوزير المنتدب بوزارة الدفاع المغربي عبد اللطيف الوديي مباحثات ركزت على ضرورة التنسيق لمواجهة التهديدات والتحديات الأمنية في المنطقة، كما أجرى الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والأمنية بالحلف، خافيير كولومينا، مباحثات في نواكشوط مع الرئيس الموريتاني، ركزت على الموضوع نفسه، أي  التنسيق والتعاون والوضعية الأمنية في منطقة الساحل، ووصف موريتانيا بأنها دولة محورية في المنطقة، وشريك رئيسي للحلف، ووعد باتخاذ إجراءات خلال أشهر لتكثيف التعاون معها.

ما يعكس تعمق التوتر بين الجزائر وموريتانيا، هو إقدام موريتانيا مباشرة بعد تعليق الجزائر لاتفاقية الصداقة مع إسبانيا في منتصف الشهر الجاري، على المصادقة على مشروع قانون يسمح بالموافقة على معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون بين حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية وحكومة مملكة إسبانيا، الموقعة في مدريد سنة 2008.

وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية، رأت في هذه الخطوة استفزازاً موريتانيا للجزائر، ونكاية بها على موقفها من مدريد، خصوصاً أن 14 سنة مضت لم تصادق فيها الحكومة الموريتانية على الاتفاقية، وأنها قامت بذلك بشكل سريع مباشرة بعد قرار الجزائر تعليق هذه الاتفاقية مع إسبانيا.

جانب آخر من جوانب التوتر الإقليمي الذي ظهرت مؤشراته قبل أيام، وهو التنافس على مشروع أنبوب الغاز النيجيري إلى أوروبا، فمباشرة بعد مصادقة المجلس التنفيذي الفيدرالي لنيجيريا، على دخول شركة البترول الوطنية النيجيرية في اتفاقية مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، من أجل بناء خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، وتجاوز هذا المشروع مرحلة الدراسات (دراسة الجدوى)، ودخل مرحلة التصميم الهندسي، وأبدت عدة دول، ومنها روسيا، الاهتمام بتمويل هذا المشروع. مباشرة بعد حصول هذه التطورات توجه وزير الطاقة والمناجم، السيد محمد عرقاب، إلى أبوجا في بداية هذا الأسبوع، للمشاركة في اجتماع ثلاثي يضم الجزائر والنيجر ونيجيريا حول مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء TSGP.

نيجيريا أعلنت في أكثر من مناسبة أنها ليست معنية بإذكاء الصراع الإقليمي بين المغرب والجزائر، ولذلك فتحت المجال للمشروعين معاً المغربي والجزائري، لكن على مستوى عملياتي يبدو أنها تسير في الاتجاه المغربي، وتعتبر أنه الأكثر جدية.

فمباشرةً بعد زيارة الملك محمد السادس لأبوجا سنة 2016، تمت المصادقة على اتفاقية تعاون بين البلدين بهذا الشأن سنة 2017، ثم عمل المغرب على إبرام اتفاق مع صندوق (أوبك) للتنمية الدولية، لتمويل جزء من الشطر الثاني من الدراسات القبلية المفصلة لمشروع خط أنبوب الغاز بقيمة 14.3 مليون دولار، كما أقنع البنك الإسلامي للتنمية للمساهمة في تمويل جزء مهم من هذه الدراسة، ومضت أجندة تنفيذ المشروع بشكل مطرد إلى أن أقنع السلطات النيجيرية بجدية المشروع، فصادقت الأسبوع الماضي.

أما المشروع الجزائري (خط أنابيب الغاز العابر للصحراء)، والذي يرتكز على حجة أنه الأكثر أماناً وجدوى اقتصادية من المشروع الذي يخطط المغرب لتنفيذه، فالمعطيات التي تتعلق بسياق تبلور المشروع تؤكد جانباً من التردد لدى الطرفين في إنجازه، فقد تم التوقيع بين البلدين (مؤسسة البترول الوطنية النيجيرية وسوناطراك الجزائرية) على مذكرة تفاهم للتحضير لهذا المشروع منذ سنة 2002، ووقع عقد إنجاز دراسة جدوى للمشروع سنة 2005، وتم الاتفاق بين الشركتين على المضي في تنفيذ المشروع سنة 2009، أي بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، تأتي زيارة السيد محمد عرقاب لأبوجا، للاتفاق على مواصلة المشاورات بإعداد البنود والدراسات التقنية والمالية ودراسات الجدوى، المتعلقة بتجسيد مشروع خط أنابيب الغاز العابر للصحراء.

المؤشرات المتوفرة ترجح أن أوراق الجزائر لكسب هذا المشروع أضحت أكثر محدودية، وذك لثلاثة أسباب أساسية، أولها عدم وثوق الحكومة النيجيرية بجدية الجزائر في هذا المشروع، وأنها فقط تتصرف بوازع من تدبير صراعها الإقليمي مع المغرب، وما يعزز هذا التردد من جهة أبوجا أن علاقتها مع الجزائر كانت استراتيجية، وكانت تشاركها في محور إفريقي قوي يجمعهما معاً بجنوب إفريقيا، وأن المشروع طرح في سنة 2002، ولم يتم تنفيذه بعد مرور عقدين من الزمن.

والثاني، أن أسلوب الجزائر في تدبير صراعها الدبلوماسي مع مدريد، والذي استعملت فيه ورقة قطع تعليق التبادل التجاري، وتحاول اليوم استعمال ورقة الغاز، سيجعل أي محاولة لدخول الجزائر في هذا المشروع مرفوضة أوربيّاً، لأن من شأن ذلك أن يقوي من نفوذ الجزائر على مصادر الطاقة ويزيد من ارتهان أوروبا لها.

وأما السبب الثالث، ويتعلق بالاعتبارات الأمنية، فالاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأمريكية، والحلف الأطلسي، فضلاً عن دول غرب إفريقيا، صارت تنظر للجزائر بريبة كبيرة، بسبب دورها في التمكين للنفوذ الروسي في منطقة الساحل، جنوب الصحراء، ومن ثم فأي ورقة يمكن أن تضاف لرصيد الجزائر في الضغط على أوروبا لن تكون فقط مرفوضة أوروبياً وأمريكياً، بل مرفوضة حتى من طرف الحلف الأطلسي.

التطورات الأمنية والعسكرية الجارية في المنطقة تؤكد هذه المخاوف، فالزيارات المطردة بين المسؤولين العسكريين لموريتانيا والسنغال إلى المغرب، فضلاً عن الزخم الكبير الذي أخذته مناورات للأسد الإفريقي هذه السنة (بمشاركة 10 دول و20 ملاحظاً عسكرياً)، والتي تجري في جزء منها بإقليم الصحراء، وذلك للمرة الثانية، تؤكد أن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية تبعثان في الزمن المناسب رسالة رافضة للمشروع الجزائري.

نيجيريا تتصرف ببراغماتية شديدة، فهي لا تريد دخول مربع الصراع الإقليمي المغربي الجزائري، وهي تدرك أن السياق الدولي والإقليمي سيعيق المشروع الجزائري، وتدرك قبل هذا وذاك أن النفس الجزائري محدود في المشاريع الهيكلية الكبرى، فمشروع طريق الزويرات لربط الجزائر بموريتانيا، مثله مثل مشروع الأنبوب العابر للصحراء، هي مشاريع هيكلية مر على طرحها سنوات متفاوتة، لكن حتى الآن لم تستطع الجزائر أن تنفذ شيئاً منها، وإنما تبرم مذكرات التفاهم وتنساها، ثم تتداعى لإحياء هذه المشاريع في سياق استراتيجية تصريف التوتر الإقليمي مع المغرب.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد