لفت انتباهي في بعض مساجد الموصل القديمة، وجود نقوش على بعض الأبواب وأطر الشبابيك، ونجمة داوود (عليه السلام) السداسية، مما يعطي انطباعاً بأن هذه النجمة كانت موضع تقدير واحترام لدى المسلمين، إلى أن تم وضعها على العلم الإسرائيلي، بعد نكبة فلسطين وقيام دولة إسرائيل، وما صاحب ذلك من قتل وتهجير لسكان فلسطين، فصار الناس يفرون منها كرد فعل طبيعي.
وسنستعرض هنا كيف ينظر المسلمون إلى داوود (عليه السلام) كنبي مرسل ومَلِك في آنٍ واحد، وما تقوله التوراة بحقه، حيث إنها لا تتوانى في اتهامه بالزنا والقتل المفرط لأعدائه والرقص عارياً، مما لا يتخيله عقل، وتربط التوراة هذه الأحداث بنظرة قومية خالصة كونه ثاني الملوك (1011-975 ق.م) بعد عهد القضاة، وهو الذي استولى على أورشليم عاصمة اليبوسيين واتخذها عاصمة لدولته الناشئة.
والحقيقة أن القرآن الكريم قد نوه إلى أن كتبة التوراة قد تلاعبوا بالنصوص الأصلية لها، تغطية لما مروا به من نكبات وشتات بقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (البقرة: 79)، حتى إن الرئيس الأسبق لإسرائيل عزرا وايزمن (ت2005م)، يقول "أنا أكره داوود؛ لأنه صار سبباً في موت الملك شاول، وسكن مع الفلسطينيين".
وقد انتبه لهذه المسألة علماء كبار أمثال عالم اللاهوت الشهير سبينوزا (1632-1677م)، في كتابه الشهير "بين اللاهوت والسياسة"، بقوله "إذا استباح المرء لنفسه أن يفسر صيغ نصوص الكتاب –التوراة– المقدسة على طريقة أحبار اليهود، فلن يبقى لدينا نص واحد لا يمكن الشك في معناه الحقيقي"، ويقول كذلك "إننا نجهل تماماً مؤلفي هذه الأسفار، بالإضافة إلى أنها كتبت خلال فترة امتدت لألف عام ولا يعلم أحد لغتها الأصلية!"، وهذا يقودنا إلى موضوع شائك ومعقد حول مصداقية التوراة ككتاب تاريخي يمكن الوثوق به.
وسنستعرض هنا بصورة موجزة تاريخ فترة داوود (عليه السلام) حسبما جاء في التوراة؛ لأنها المصدر الوحيد للمسألة، وما صاحب ذلك من نصوص لا تليق به كنبي مرسل، ولا حتى بقائد قومي!
تقول تلك النصوص إنه بعد توجه موسى (عليه السلام) إلى الأرض المقدسة من مصر مع أسباط بني إسرائيل حوالي (1290ق.م)، ولم يدخلها هو؛ لأنه مات قبل أن يرى الأرض المقدسة، لم تكن لبني إسرائيل دولة بالمعنى الحقيقي، فقد كانوا بدواً رحلاً ويحكمهم قضاة ولكل سبط قاضيه وهم أنبياء صغار لهم سلطة دينية ودنيوية على أتباعهم، ويُبلغون أتباعهم أوامر الرب، حسبما يدعون، ثم اتحدوا تحت حكم قاضٍ واحد، وقد دامت فترتهم بين عامي (1125-1025 ق.م)، وآخر القضاة وأشهرهم هو صموئيل الذي أراد تأسيس مملكة على غرار الممالك المحاذية، ثم نصب (طالوت) ملكاً وهو أول ملك على بني إسرائيل.
وتقول التوراة "فأخذ صموئيل قارورة الزيت وصبَّها على رأس شاول وقبَّله، وقال له: الرب مسحك رئيساً على شعب إسرائيل، 15، 9، ص الأول"، (ص: اختصاراً لكلمة صموئيل؛ لأنها ستتكرر)، ثم أوصاه بقوله "فاذهب الآن وأضرب بني عماليق –فئة من الشعب الفلسطيني– وأهلِك جميع مالهم ولا تعفُ عنهم، بل اقتل الرجال والنساء والأطفال والرضع والبقر والغنم والجمال الحمير، 3، 5، ص الأول".
فقد كان الإسرائيليون في حروب دائمة مع سكان فلسطين الأصليين، ومنهم العماليق، وعندما قال الله تعالى (ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ)، كان القصد منها العيش فيها وتبليغ التوحيد، لا القتل والدمار.
ورغم انتصارات شاول في حروبه مع الفلسطينيين وانتكاساته في أخرى، فإن الرب لم يسامحه عندما أخطأ في توزيع الغنائم في إحدى غزواته، فقال الرب لصموئيل: "ندِمتُ على إقامتي شاول ملكاً لأنه مال عني ولم يسمع كلامي، 10، 15، ص الأول"، ورغم توسلات شاول بصموئيل وتعلقه بلحيته ثم تمزيقه لرداء صموئيل وهو يتوسل به، فإن صموئيل أصر على تنفيذ حكم الرب بشاول، الذي رد على شاول بقوله "سيشق الرب مملكة إسرائيل عنك ويعطيها لمن هو خير منك، 28، 15، ص الأول"!
وهنا تمر فترة رئاسة بني إسرائيل بمرحلة انتقالية، حيث يبقى شاول ملكاً مؤقتاً، ويبدأ صموئيل بالبحث عن ملك جديد فيوجهه الرب إلى بيت لحم ليختار داوود بن يسي وهو أصغر ثمانية أخوة وكان راعياً للغنم، علماً أن عوبيد جد داوود، كان ابناً لبوعز الذي كانت تنحدر أُمه "راعوث" من بني موآب، وهم قوم وصفتهم التوراة بأنهم جاءوا من زنا لوط (عليه السلام) –والعياذ بالله– بإحدى بنتيه بعد أن سكر وفقد رشده (سفر التكوين، الإصحاح 19).
ومع ذلك تبدأ مراسيم تقليد داوود للملوكية، حيث قال الرب لصموئيل "قُم امسحه ملكاً فهذا هو، فأخذ صموئيل قرن الزيت ومسحه ملكاً بين إخوته، فحلَّ روح الرب على داوود من ذلك اليوم فصاعداً، 13 -16، ص الأول".
والحقيقة أن المفهوم من سياق الروايات أن شاول لم يقبل بحكم صموئيل إلا على مضض، وبقي يتصرف على أنه الملك على بني إسرائيل في المناطق الشمالية من فلسطين (إسرائيل)، وداوود ملكاً على القسم الجنوبي من فلسطين (يهوذا).
ومن غرائب روايات التوراة أن روحاً شريراً من الرب صارت تزعج شاول، فجلبوا له داوود فأحبه كثيراً؛ لأن داوود كان يعزف على العود فيستريح شاول وينتعش (سفر صموئيل الأول – الإصحاح 16)، والحقيقة أنه كان يضمر له الحقد ويريد قتله والانتقام منه.
ثم ينضم داوود (عليه السلام) لجيش شاول ويقتل جليات (جالوت) في القصة المشهورة، فتستعر الغيرة والحقد في نفسية شاول أكثر فيزداد تصميمه على قتل داوود، حيث عرض عليه تزويجه من ابنته الكبرى "ميرب" وقال بنفسه "هكذا لا يُقتل داوود بيدي، بل بيد الفلسطينيين، 17-18، ص الأول"، ولكن هذا الزواج لم يتم، ولما رأى أن ابنته الثانية "ميكال"، تحب داوود، فقال في نفسه، "أعطيها له فتكون له شِركاً ويقتله الفلسطينيون، 21، 18، ص الاول"، أما المهر فكان غريباً جداً، وأخبر شاول داوود بواسطة حاشيته "هذا ما تقولون لداوود: لا يرغب الملك في المهر، ولكنه يريد 100 غُلفة من الفلسطينيين انتقاماً من أعدائه، 25، 18، ص الأول"، وكان شاول ينوي أن يرميه بين أيدي الفلسطينيين.
"وهكذا يذهب داوود فيقتل من الفلسطينيين 200 رجل (أي ضعف الطلب)، وجاء بغلفهم إلى الملك ليكون له صهراً، فزوجه ميكال ابنته، 27، 18، ص الأول"، وهذه أدلة على عدم تنازل شاول عن الملوكية إلا ظاهرياً، وأنه لم يقبل بحكم الرب الذي بلغه به صموئيل.
وظل العداء كامناً بين الرجلين، وكان شاول يشعر بأنه أُهين بسلب المُلك منه وإعطائه لشاب من عامة الناس.
في هذه الأثناء توفي القاضي صموئيل الذي لم يتدخل في الصراع بين الرجلين، على الرغم من أنه خلع شاول ونصب داوود ملكاً، وهو أمر غريب جداً؛ لأنه الناطق باسم الرب.
ولما استشعر داوود عدم صدق شاول، قال في نفسه "سأهلك يوماً بيد شاول، فخير لي أن أهرب إلى أرض الفلسطينيين فييأس مني ولا يعود يبحث عني في أرض إسرائيل وأنجو بنفسي من يده، 1، 27، ص الأول".
"وسكن داوود في بلاد الفلسطينيين سنة و4 أشهر مع 600 من رجاله في منطقة جت، ويغزو سكان البلاد الأصليين (حسب روايات التوراة)"، …"فلا يبقي على رجل ولا امرأة ويأخذ الغنم والبقر والحمير والجمال والثياب ويرجع إلى أخيش ملك جت، … ولم يكن داوود يأتي بأناس أحياء إلى جت لئلا يخبروا ويقولوا: فعل داوود كذا وكانت هذه عادته مدة إقامته في أراضي الفلسطينيين، 9، 27، ص الأول"، أي إنه كان يظهر الود للفلسطينيين ويحاربهم في مناطق أخرى.
في الوقت نفسه استمر شاول بحرب الفلسطينيين الذين قتلوا أبناءه الثلاثة، وأما هو فقد ألقى بنفسه على سيفه وانتحر، وبذلك تخلص داوود من عدوه اللدود (سفر ص الأول، الأصحاح 31)، ويُعاد تنصيبه ملكاً من قبل القاضي ناثان ورجاله.
وهكذا صار داوود ملكاً على إسرائيل ويهوذا تحت عنوان "إسرائيل"، "ثم سار مع رجاله إلى أورشليم لمحاربة اليبوسيين سكانها الأصليين واستطاع أن يستولي على المدينة وجلب تابوت العهد معه، وكان داوود وجميع بني إسرائيل يرقصون أمام تابوت العهد بكل قواهم، وينشدون على أنغام القيثارات والرباب والدفوف والجنوك والصنوج، 5، 6، ص الأول"، ونظراً لكون داوود بطلاً أقام دولة، فإن اليهود يؤمنون بمسيح منتظر يعيد أمجادهم، ويكون من نسل داوود، وهو ما يؤمن به النصارى بأن المسيح يعود أصله لداوود لأن مريم (عليها السلام) من نسل داوود.
"ولما دخل التابوت أورشليم نظرت ميكال ابنة شاول من الطاقة ورأت الملك يقفز ويرقص أمام الرب فاحتقرته في قلبها، … ورجع داوود إلى بيته فخرجت ميكال ابنة شاول للقائه وقالت في سخرية كم كان ملك إسرائيل وقوراً اليوم حين تعرى أمام جواري رجاله كما يتعرى السفهاء، … الإصحاح 7، ص الثاني".
واستمر داوود في حروبه على الفلسطينيين حلفاء الأمس "وأذلهم وأخذ السلطة من أيديهم، وتغلب على الموآبيين ومدد أسراهم على الأرض وقاسهم بالحبل، فقتل منهم ثلثين وأبقى على الثلث، وصار الموآبيون عبيداً له يؤدون الجزية، 1-2، 8، ص الثاني".
ويستمر داوود في القتل والإبادة "وزاد شهرة عند رجوعه، بعدما قتل ثمانية عشر ألف من الآدوميين في وادي الملح، 13، 8، ص الثاني"، وهذه النصوص منقولة من التوراة (العهد القديم) بنصها.
وبعيداً عن القتل والحروب تتهم التوراة داوود (عليه السلام) بالزنا بقولها "عند المساء قام داوود عن سريره وتمشى على سطح القصر، فرأى على السطح امرأة تستحم، وكانت جميلة جداً وهي بتشابع زوجة أوريا الحثي أحد قواده، فجلبها عنده ودخل عليها ونام معها ثم رجعت إلى بيتها، وحين أحست أنها حبلى أعلمته بذلك، … ثم يعطي داوود الأوامر بترك أوريا في الأماكن التي يكون القتال فيها شديداً ويتركوه ليلاقي حتفه وهو ما حصل، وقد استاء الرب مما فعله داوود، الإصحاح 11، ص الثاني"، ثم يتزوج بتشابع والتي تكون لاحقاً والدة ابنه سليمان!. والعياذ بالله من كل هذا وحاشا لنبي الله من افتراءاتهم.
وعن اعتراف التوراة وتبريرها لعدم قيام داوود ببناء الهيكل تقول "قال له الرب سفكت دماً كثيراً وحاربت حروباً كثيرة، لذلك لن تبني هيكلاً لاسمي، وسيولد لك ابن يكون رجل سلام وهو الذي يبني هيكلاً لاسمي ويكون لي ابنا وأكون له أباً، 8-15، 22، أخبار الأيام الأول"، وهكذا نرى أن عقيدة الأبوة والربوبية المسيحية لها أصل في التوراة.
وحتى عندما اقتربت وفاة داوود لم يسلم من الافتراءات بحقه فتقول التوراة "…، وشاخ داوود وكبر في السن وكانوا يكثرون عليه الأغطية فلا يدفأ، فقال رجال حاشيته: دعنا نبحث لسيدنا الملك عن فتاة عذراء تخدمه وتؤانسه وبين ذراعيه تنام فيدفأ، فبحثوا عن فتاة جميلة في جميع أرض إسرائيل، فوجدوا أبيشج الشونمية فجاؤوا بها إليه، وكانت الفتاة رائعة الجمال فكانت تؤانسه وتخدمه لكنه لم ينم معها، 1-4، 11، الملوك الأول"!
من كل ذلك، وعذراً على ما رأيتم بحق نبينا الكريم داوود -عليه السلام-، لقد رأينا أن التوراة لم تتردد في إلصاق التهم بداوود (عليه السلام) من الزنا والتعري والرقص والإفراط بالقتل، وعلى عكس نهج القرآن في عصمة الأنبياء، وهي عصمة دينية مطلقة ولا تليق بأخلاق الأنبياء.
وكذلك فإن النهج القرآني عموماً لا يهتم إلا بأخذ العبرة من سيرهم والتأكيد على التوحيد ونبذ الشرك، وفي سيرة داوود (عليه السلام)، فإن ذكره يتعلق بشجاعته عندما كان في جيش طالوت "شاول"، ثم قتْلِهِ لأحد أئمة الكفر "جالوت"، {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة: 251).
ويلاحظ من هذه الآية أن القرآن لم يصف داوود (عليه السلام) بالقسوة والبطش، وإنما جازاه الله تعالى بجعله ملِكاً مؤيداً بالحكمة والعلم، وهو ما لم يرد ذكره في قصته بالتوراة كما رأينا.
ويختص القرآن داوود (عليه السلام) بأشياء لم يختص بها غيره من الأنبياء، بأن تسابيحه (عليه السلام) كانت ترددها معه الجبال والطير لما فيها من خشوع أعطاه الله سبحانه وتعالى له {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (سبأ: 10).
ليعود القرآن ويؤكد على هذه المسألة {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴿٧٩﴾ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ} (الأنبياء: 79 – 80)، وكما جاء في السُنة أنه كان يأكل من صنع يديه في عمل الدروع.
وتتكرر هذه المعجزة في الآيات (17-20) من سورة (ص)، والتي لم تتحقق لأي نبي آخر.
ويلتفت القرآن إلى مسألة وجود المحراب في زمن داوود (عليه السلام) مما ينفي فكرة الهيكل الذي أراد بناءه، والتي أثبتت الدراسات الجادة بأن الهيكل الذي بناه سليمان (عليه السلام) حسب ادعاءاتهم كان مشابهاً للمعابد الوثنية في الشام آنذاك، فيقول القرآن الكريم {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ﴿٢١﴾ إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ سَوَاءِ الصِّرَاطِ} (ص: 21 – 22)، وفي تكملة هذه الآيات يصف القرآن الكريم استعجاله في الحكم في قصة الأخوين اللذين يملك أحدهما تسعاً وتسعين نعجة وللآخر نعجة واحدة فقط، أنه عندما شعر داوود (عليه السلام) بأنه حكم ولم يستمع للخصمين فتأتي الآية {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ ﴿٢٤﴾ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ} (ص: 24 – 25).
ويصف القرآن الكريم داوود (عليه السلام) بأنه صاحب رسالة وأنه كان نبياً مرسلاً بقوله {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (النساء: 163)، وأنه فُضل على كثير من الأنبياء بقوله تعالى {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} (الإسراء: 55).
والزبور كتاب داوود (عليه السلام) من الكتب المقدسة، والذي يضم أحكاماً وحكماً بقوله تعالى {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء: 105).
من هذا العرض السريع بين مواقف التوراة ومواقف القرآن حول داوود (عليه السلام)، نرى مواقف التوراة بأنها تضع الأنبياء والرسل على عادتها في مواقف متدنية جداً، على عكس القرآن، فالذين كتبوا التوراة كانوا مصابين بعقدة الأرض وعقدتي السبي والشتات، فانعكست هذه العقد حتى على أنبيائهم، وهي من الأمور الغريبة في كل المعتقدات والأديان، وبالتالي تمثل انعكاساً لنفسياتهم وتصرفاتهم مع أهل الأرض.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.