نيرة ثم سلمى والأبشع لم يأتِ بعد.. لهذا لم أعد أندهش مما يحدث في مصر

عدد القراءات
2,506
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/21 الساعة 10:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/08/10 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
نيرة أشرف ضحية المنصورة، وسلمى بهجت ضحية الزقازيق

"رجل يذبح فتاة في وسط الشارع!".. ربما في كل بقعة من بقاع الأرض سيكون خبراً مثيراً ومقززاً في الوقت نفسه، خبر تقرأ تفاصيله لكن ينتفض جسدك لرؤية محتواه، إلا هنا، في مصر؛ خبر عادي جداً، بل مألوف، ربما لو مَثل بجثتها كنت سأنتفض وأشعر بالاشمئزاز مما حدث، هذا لأن مثل هذه الأخبار روتينية للغاية في الشارع المصري.

قبل أقل من سنة، دخل أحد الرجال شارعاً حيوياً في الإسماعيلية، وخرج منه حاملاً رأس رجل في حقيبة، ومر أمام الناس كأنه أحد الأبطال الخارقين.

الأمور لا تندثر، بل تتفاقم، وتتفاقم بطريقة تجعل كل هذه الأمور، وما هو أسوأ منها؛ خبراً مألوفاً، تمر عليه كأنك تقرأ عن ارتفاع سعر الطماطم.

ربما قَرَأتْ ضحيةُ المنصورة ذات يوم خبر رجل الإسماعيلية في ذعر وخوف، وتمنت ألا ترى الصور وألا يتحدث أحد أمامها في وقائع القصة، ولم تكن تدري أنها التالية…

ولعل ضحية الزقازيق الجديدة سلمى بهجت قرأت ذات يومٍ قريب خبر ذبح نيرة أشرف وتفاعلت معه، ولم تكن تعلم أنها التالية…

لماذا محمد رمضان بالتحديد؟

كانت السينما المصرية دائماً تستعرض أدوار الفقر على أنها أدوار درامية، أدوار لا بد منها لمعالجة عمل فني ضخم، لا بدَّ من وجود فقير فيه مثلما يستوجب وجود الغني؛ لينشأ الصراع التقليدي بينهما ثم ينتصر الفقر في نهاية الأمر.

مع مرور الوقت، تحولت الأدوار المذكورة إلى أدوار مبتذلة، الفقير الضعيف، الذي لا حول له ولا قوة، تطور في عصرنا الحالي، وبدلاً من أن تقف أمينة رزق، السيدة المصرية الطيبة لتتحدث عن نعم الفقر، الآن تقف غيرها لتتحدث عن جحيمه ونقمته، وكيفية الخروج منه، مهما تكلف الأمر من عناء.

تطورت السينما، لأنها تُحاكي ما يُدر عليها الكثير والكثير من المال والجمهور، الجمهور الذي بدوره، هو الآخر، يريد نشوة القوة، يريد أن يرى بطلاً فقيراً يخرج من أبسط الأحياء التي تشبه تلك التي يعيشون بها، ليُجسد ما يتمنون رؤيته.. وإلى حد هنا، كل هذا جميل.

لكن من بعدها، فهم محمد رمضان كيف يمكن أن ينجح، وكيف يمكن أن يصل إلى أفقر الطبقات المصرية على الإطلاق، بتصوير حياتهم والتركيز عليها، بل وتقمص إلى حد المعايشة أكثر منها إلى التمثيل، لكن ليس بتصوير الفقير مجتهداً يغادر فقره، ولكن بجعله مجرماً محبوباً ينتقم من الجميع.

واتخذ رمضان من بعض الإجرام الموجود مرجعاً قوياً لعرضه وتعميمه على شاشات السينما والتلفاز، الفقير الذي دائماً تجور الدنيا عليه، الفقير الذي ينهبون حقه، الفقير الذي، بين عشية وضحاها، سيجد نفسه خلف قضبان السجن يتذكر شريط حياته كأنه فيلم قصير يمر أمام عينيه. ثم ماذا؟ ثم يتوحش، لا بدَّ أن يتوحش، لا بدَّ من هذه الحبكة الدرامية، التي من تكرارها يتحول كل شيء فيها إلى قُبح.

إنه يريد أن ينتقم، سيخرج للعالم بعد تغيره، وسيعمل في أية مهنة تمنحه قدراً زهيداً من المال، ثم سيسعى للانتقام، لا بدَّ من الانتقام، ثم يحمل أسلحته ويجوب العالم قاصداً تدمير كل من وقف في وجهه في الماضي.

إن محمد رمضان قد يكون موهوباً حقاً، لكنني أعتبره ذكياً أكثر من موهوب، فالذكاء هو ما أوصله إلى ما هو عليه الآن، الموهبة في كثير من الأحيان لا تكفي، ومحمد رمضان عرف كيف يصل إلى الطبقة التي يُريد أن يصل إليها، وليس هناك أفضل من أن يُشعرهم بأنه واحد منهم.

عصر ما بعد "الأسطورة"

السينما دائماً ما تبحث عن الرائج، والرائج في عصرنا الحالي هو نموذج الأسطورة؛ لذا تخلت السينما عن العديد من الأعمال التقليدية، وبدأت تتجه لصناعة هذا النموذج وتقديسه.

وبعدما رفض الكثير من الفنانين ما يقوم به محمد رمضان، والصورة التي يُصدرها عن السينما، رضخوا أخيراً للمنطق نفسه، وأصبح كبيرهم وصغيرهم يتهافت على هذه الأعمال.

وأصبحت الأعمال السينمائية بالكاد تتحدث عن موضوع مختلف، إلا في روتينها، تتحدث عن نفس النموذج باختلاف البطل والسياق الذي يتغير عند نقطة أو مشهد، لكنه يخاطب نفس الجمهور بنفس الأدوات والأفكار، ونفس الحلول الإجرامية لمشكلاته.

ورأينا الدراما الرمضانية كل موسم، رأينا الكثير من النجوم "المحترمين" كما سمّاهم الناس، يتغير جلدهم كلياً، ويتحولون إلى الرجل الذي يُظلم، ويُسجن، ويقتلون أطفاله ويغتصبون زوجته؛ ليخرج من سجنه للانتقام.

سن المراهقة.. جيل مُشوَّه

أنا أشفق بشدة على الأجيال التي كبرت ورأت هذا الزخم أمامها، الأجيال التي وجدت هذا النموذج على شاشة التلفاز؛ فراحت تُقلده، بعد غياب عين الرقيب عليها، ولم يكن غريباً –بالنسبة لي على الأقل- أن هذا الجيل سيكبر على ما نشأ عليه، بنفس الأفكار.

أكبر من فهمهم ومن تجاربهم، تتحدث مع الواحد منهم كأنك تخاطب آلة قتل صغيرة تقف أمامك، منتهى التعجرف والغرور، يظنون أن الحياة هي ما يُصدره لهم هذا النموذج، ويعتقدون أن لا سلطة لأحد عليهم، وأنهم أفضل من أي شخص، مهما كان اسمه ورتبته ومكانته العلمية.

على التيك توك، يمكنك أن ترى ما هو أسوأ

ما هو الأسوأ؟ المهرجانات

هذه القنبلة النووية التي حلَّت على رؤوس الشعب، والتي تصف كل ما يُمنع عرضه وقوله، في كثير منها، وتحتوي على ملايين الإيحاءات التي، إن غابت عنها؛ سيفسد العمل وتحتضر أركانه.

يمكنك أن تسمع ما يُقال فيها فتُصدم، من اعتداد بالنفس لدرجة مرضية وغرور وانتشاء بالقوة والإجبار والفردانية، ثم تتحول صدمتك إلى لا مبالاة حينما ترى الكثير من الفتيات والشباب على كافة مواقع التواصل يتناقلونها على أنها أمور عادية للغاية.

عصر الظلام.. والقادم أسوأ

ربما لو كان ما نراه حديثاً؛ كنا سننتفض، لكنه طبيعي للغاية لمجتمع تُزج فيه تلك الأفكار والمعتقدات، هؤلاء شكلوا وعي هؤلاء، ونحن نقف لنشاهد، تماماً مثلما شاهد الناس الرجل في الإسماعيلية يفصل رأس الضحية عن جسده.

وكما شاهد الناس في المنصورة الرجل يفصل رأس الضحية عن جسدها، إنها مشاهد سينمائية يرونها في تلك الأعمال، يرونها بصورة مستمرة، الفارق الوحيد الآن أنهم يرونها بدون حواجز، مشاهد حقيقية تماماً، فيها جانٍ ومجني عليه.

فيها ضحية وليس دوبلير، فيها آلات حقيقية وليست أدوات تصوير، فيها الأسطورة الحقيقي وليس الذي يتقمصه، الآن، الآن فقط.. يمكنهم أن يُقيموا ما يرونه على الشاشة ويعرفوا بشاعة ما يُقدم.

الآن يمكنهم أن يتأكدوا، أن حالات الخطف للأطفال والفتيات، كل يوم، ليست مجرد أخبار كاذبة، الآن يمكنهم أن يتأكدوا أن الأسطورة نموذج حقيقي يعيش بينهم، وإذا أراد فإنه سيفعل ما يفعله على رؤوس الأشهاد، وفي وضح النهار، ودون أن يقترب منه أحد أو يتجرأ على ذلك؛ لأنه يعرف ما سيصيبه.

وربما أيضاً، تكون مصر قد دخلت عصر الظلام منذ زمن، لكن الناس في كل مرة يتفاجأون من أنهم يعيشون فيه، وأن الضحية التي رحلت، تاركة في دنيانا نواقيس خطر صوتها مزعج جداً، قد تكون تقصد أن تُنبهنا، أن أحدنا، قد يكون التالي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد