منزل خشبي صغير على النهر مباشرةً.. هكذا حققت لي البوسنة أجمل أحلام طفولتي، وهذه نصائحي لك لزيارتها

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/17 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/17 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش
السياحة في البوسنة والهرسك/ shutterstock

منزل صغير على النهر، لليلة!

حلم آخر من أحلام الطفولة كدت أن أحققه ولو لسويعات، لكنني، بذاكرتي الذهبية وذكائي الألمعي، نسيت أهم أداتين معينتين عليه، فلله درّي!

لطالما حلمت بأن أجلس في شرفة منزل على النهر أو البحر، لا يهم أي مسطح مائي، لكن المهم أن أصطاد سمكاً من البلكونة رأساً، بينما أستمع للموسيقى المفضلة لديّ!

ظل هذا حلماً حبيساً في مخيلتي ولم أفصح به سابقاً إلا لخاصة الخاصة، لكنني أفشيه الآن بعدما بدا لي أنني حققته بحمد الله، أو كدت.

فقاهريٌّ من الطبقة المتوسطة يعني أن يتبدد هذا الحلم من قبل ولادتك أصلاً؛ لأنّ تملُّك إحدى الدهبيات (منازل عائمة) في النيل قد مضى زمنه وولى، ولن أتحدث عن تملك شقق النيل الفاخرة، تلك التي تشرف مباشرة على صفحة النهر العظيم، فكان لا بد أن تولد 100 عام قبل الآن عساه كان أيسر بأن تقترب من هذا الحلم، أو لتخرج من هذه المدينة المكتظة بملايينها لبلاد بكر مثلما فعلت لشواطئ الساحل الشرقي في تسعينيات القرن المنصرم، الغردقة مثلاً وما حولها، فتملك عيناً على البحر.

كان هذا شيئاً في المتناول جداً آنذاك، ولأنني رجل "سعيد الحظ جداً في أمور المال والأعمال"، قررت أن أفعل هذا وأعوض الفرص الضائعة ولو مؤقتاً، باستئجار بيت بماركات قليلة في متناول اليد لليلة واحدة! نعم ليلة واحدة، فـ"خاير بك" كان سلطاناً لمصر كلها لليلة واحدة حتى أشبع رغبته في أواخر الدولة المملوكية، قبل أن يتنازل عن عرش السلطنة، ويترك القلعة مضطراً قبل أن يتمكن مرة ثانية من العرش بمساعدة بني عثمان.

والنزل هنا هو وسط بين منزل Manison أو لنتواضع ولنقل كوخاً Hut في البراري أو الغابة، على أحد أنهار البوسنة.

وكما ترى هو منزل خشبي مريح وسط غابات كثيفة الأشجار على نهر ڤرباس Vrbas/Врбас، منقطع عن العالمين، لا تسمع فيه لغواً ولا تأثيماً، فقط أحاديث الطيور صباحاً، وأسمار الحشرات والبوم ليلاً، وخرير ماء النهر طيلة الوقت بلا انقطاع، وقد تستطيع أخيراً صيد أسماك الفوريلّه (سلمون الماء العذب الأرقط) Forelle، والذي أعشق لحمه الشهي مشوياً كان أم مدخناً، من النهر، بينما أجلس في حديقة المنيزيل أو حتى من حمام السباحة هذا، خصوصاً أن درجة حرارة الماء 24 ملائمة جداً في نهاية شهر مايو/أيار، كل هذا رائع بروعة ماكينة القهوة الفول أوتوماتيك تلك، والإنترنت السريع في هذا المكان.

لكني اكتشفت نسياني للباس البحر (المايوه)، وكذلك لصنارة صيد السمك التليسكوبية المعدة لمثل هذا الغرض، ولم أستطع استخدامها في ألمانيا حتى الآن، مادمت لم أجتز امتحانات رخصة الصيد ودفع الرسوم والاشتراكات القانونية، أما هنا فلا توجد تلاكيك الألمان هذه، وأن يحاسبك أحدهم إن كانت السمكة أقل من الطول المحدد قانوناً، أوَهناك أطوال محددة؟ نعم سيدي؛ فبفرض أنك تحمل رخصة الصيد وتدفع اشتراكك، ومواطن صالح يسمع الكلام، إن غمزت صنارتك بسمكة فوريلّه بحرية Seeforelle طولها 59,5 سنتيمتراً (أقل من الستين سنتيمتراً المحددة قانوناً)، أو كان اليوم 29 فبراير/شباط في سنة كبيسة، والذي يحدث كل 4 أعوام؛ فأنت خالفت القانون الألماني وقواعد الصيد التي امتحنت فيها للحصول على ترخيصك؛ لأن صيدها مسموح فقط من أول أكتوبر/تشرين الأول وحتى 28 فبراير/شباط، وكأن نظام التبويض لديها يتبع روزنامة التقويم الجريجوري، لكنها قوانين الألمان يا صديقي!

أما هنا على أطراف الغابة، على نهر بجنوب القارة العجوز، فلا يراك إلا الله، ولا تحكمك إلا قوانين الطبيعة وضميرك الداخلي، لا قوانين الإنسان، فلن تجد مفتشي الصيد الذين يتصيدون للناس أخطاءهم، ويحررون لهم المخالفات ليدفعوها عن يد وهم من الصاغرين، فاليوم تمردت راضياً على القواعد، وأتماشى مع قوانين الغابة.

حيث قررت أن أستحم في حمام السباحة بشبيه لباس البحر، على أن أعلقه على تابلوه السيارة في شمس مايو/أيار كي يجف، وأن اكتفي بمراقبة الأسماك الكثيرة تسبح في سلام في النهر الجاري أمام عيني، قط كسول لا يود أن يبلل فراءه في جنبات النهر، وسأطلب إفطاري من قائمة الطعام المتروكة على منضدة المطبخ بالداخل كإنسان أفسدته المدنية. 

كانت هذه رحلتي في تحقيق أمنية منذ صغري، لكن عموماً من أجلك، هذه نصائح إذا رغبت في السياحة في البوسنة.

نصائح لزيارة البوسنة

– السياحة في البوسنة تختلف كلاً وجزءاً عن السياحة في تركيا مثلاً، ثقافة ولغة وأسلوباً وأشياء أخرى كثيرة قد تلمسها في مقالاتنا الأخرى عن البوسنة.

– البوسنة هي وسط في التكلفة بين سلوڤينيا وكرواتيا الأعلى سعراً، وصربيا وأخواتها مثل الجبل الأسود وهي الأرخص تكلفة، وكل الجمهوريات اليوغسلافية الست الجميلة، وتستحق الزيارة جميعها. 

– أفضل كارت بيانات حالياً هو DOPUNA به 15 جيجا بأربعة ماركات (2€ تقريباً)، اشتريته ووضعته في الروتر المحمول، وتدخل عليه بكل أجهزتك بمختلف تطبيقاتك، وأظنه أرخص إنترنت حصلت عليه حتى الآن في 76 دولة!

– الشطافات في كل مكان الحمد لله؛ فهم ليسوا مسلمين فحسب، ولكنهم أكثر شعب يستخدم الماء ويغسل يديه في الحمام في أوروبا وفق الإحصاءات، (والأقل كانت هولندا)!

– فقط في قصة المأكل والمشرب تيقن أين تأكل، فنظرياً البوشناق يمثلون 50% من السكان، لكن مع الوقت كثير من شباب الصرب والكروات ممن لم يعيشوا الحرب يهاجرون لصربيا وكرواتيا أو أوروبا، فتعود نسبة المسلمين في البوسنة للزيادة في أرضهم ثانية.

– المارك القابل للاستبدال، هكذا اسمه، ويختصر لـKM (konvertibilna marka/ конвертибилна марка)، وهو ذاته المارك الألماني السابق Deutsche Mark (DM)، لكنه يطبع بأشكال وشخصيات بوسنية للبوسنة وصربية لصربسكا بالتوازي تماماً، كما كان يحدث في كوسوڤا، لكن كوسوڤا تحولت لليورو، وهنا لا زال المارك هو العملة الرسمية وبسعر التحويل نفسه بين المارك واليورو، (€= 1,95583 KM)، أي كلما هبط اليورو كلما تيسرت زيارة البوسنة لو كنت من خارج منطقة اليورو، أما لو كنت من أوروبا فسهل التعامل مع العملة، فقط تقسم على اثنين بالتقريب.

– من أفضل ما تأخذه كهدايا من هنا هو العسل الرخيص بدرجة لافتة للنظر، حتى تشكك البعض في جودته، لكن حين تعرف أن السكر والعسل تقريباً بالثمن نفسه هنا فلا يوجد أي مصلحة في غشه أصلاً، فضلاً عن وجود هذه الطبيعة الرائعة التي تمكنهم من إنتاجه بسهولة، سواء من الزهور أم من الأكاسيا والغابة وغيرها، وكذلك بعض المنسوجات "تشيليم" (الكليم) للأسرّة والحوائط أو الأرضية، وكذلك مصنوعات نحاسية، كنكة القهوة الشهيرة بصينيتها، وحُق اللوكوم (الملبن) الذي يأتي موافقاً لكل قهوة بوسنية/تركية/يونانية، ومعذرة إن لم أرَ أي فارق بين أي منها.

– قد يحدثك الكثيرون عن التشيڤاپ تشيتشي Ćevapčići (الكباب البوسنوي)؛ فقد جربته في ألمانيا وصربيا وأخيراً هنا، لكني مازلت أرى أن الخروف المشوي لديهم أفضل منه، والقضية أذواق طبعاً، لكن إن جربت أحدهما فلا يفوتنك الآخر.

– موضوع أهرامات البوسنة طبعاً أعلم أنه "افتكاسة" غير علمية بالمرة؛ فهي مجرد افتراضات Hypotheses لم ترقَ حتى للنظرية Theory؛ حيث قام بعض النمساويين والأستراليين بأعمال حفر، وشارك فيها بعض الآثاريين ولم يجدوا أية قلة مكسورة حتى، لكنها وجدت صدى لدى جماعة الإيزوتيرك والطاقة وبعض الناس، لكن لا ضير إن استطاع أحدهم أن ينشئ سياحة من وراء مثل هذه الدعايا؛ فكم من حواديت وأساطير نسجت حول أماكن سواء دينية أم لا دينية تجعل السائحين يأتونها أفواجاً من قصص الظهورات في فاتيما البرتغال ولورد فرنسا، لمولد أبي حصيرة في البحيرة في مصر، وغيرها الكثير مما يسبب الرواج الاقتصادي للمكان ووضعه على خريطة السياحة. لكن من أراد الأهرامات فعليه بمصر والسودان والمكسيك وجواتيمالا، ولا خامس لها. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى فاروق
رحالة مصريّ، زار 73 دولة و342 مدينة ويتحدث 8 لغات
رحالة ومحلل نظم ولد بالقاهرة ودرس المصريات وإدارة الأعمال، ثم نظم المعلوماتية في جامعة مونستر بألمانيا وماجستير إدارة الأعمال MBA في هانوفر، عمل مرشداً سياحياً، وزار 73 دولة بجوازات سفره الثلاث، ويتحدث ثماني لغات العربية والألمانية والإنجليزية والفلمنكية والإيطالية بجانب الإسبانية والروسية والعبرانية، ويقرأ نصوصاً بالمصرية القديمة (الهيروغليفية).
تحميل المزيد