الصراع على الطاقة قد يفجّر المنطقة.. هل يتسبب ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان في إشعال الشرق الأوسط؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/17 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/17 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
توتر على الحدود بين لبنان وإسرائيل/Reuters

أظهرت الحرب الأوكرانية عدم قدرة أوروبا على الوقوف بالشكل المطلوب أمام روسيا؛ وذلك بسبب الاعتماد الأوروبي الكبير على الغاز الروسي، والذي وضع أوروبا تحت رحمة موسكو، وهذا ما دفعها للبحث عن مصادر جديدة للطاقة، والمستفيد الأكبر هم دول البحر المتوسط الذي يمتلك كمية كبيرة من الغاز ستكون البديل الأمثل للغاز الروسي.

هذا ما دفع الكيان الإسرائيلي إلى التحرك سريعاً للاستفادة من جميع الحقول التي تقع ضمن الأراضي المحتلة من قبله، ومن ضمن هذه الحقول حقول الغاز التي تقع بحدود الأراضي المحتلة ولبنان؛ ما أدى الى إعادة فتح ملف ترسيم الحدود من جديد بين الجانبين.

تاريخ الصراع بين الإخفاقات اللبنانية والطمع الإسرائيلي

يخوض لبنان معركة ترسيم الحدود البحرية مع الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته عام 1948، ودخل لبنان في صراع مع العدو الإسرائيلي بشكل مباشر بعد غزو العدو الإسرائيلي للبنان عام 1982، ومنذ ذلك الحين شهد لبنان صراعات مسلحة دموية عديدة آخرها كان عام 2006، الذي خرج لبنان منه بمعادلة الحرب منتصراً.

في عام 2007، بعد عام على خوض المواجهة الأخيرة مع العدو الإسرائيلي، ومع تطور الحاجة الدولية وخاصةً أوروبا للغاز؛ اتجهت دول البحر المتوسط إلى عقد اتفاقيات لترسيم الحدود البحرية، ليوقع لبنان اتفاقية مع قبرص لترسيم حدوده دون الأخذ بعين الاعتبار المعايير العلمية، ليكون الخط رقم 1 هو الحدود المعترف بها من قبل الدولة اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وبسبب عدم قانونية هذا الخط جاءت الحكومة اللبنانية الجديدة عام 2008 لتعدل الحدود اللبنانية البحرية إلى خط 23، بحسب رأي لجنة مختصة؛ حيث تم اعتماد هذا الخط من قبل لبنان في الأمم المتحدة.

وبحسب قانون البحار اعتمد لبنان في الخط 23 على نقطة جغرافية داخل البحر للانطلاق منها، وفي عام 2011، وبعد أن أعطى البرلمان اللبناني الحكومة اللبنانية إمكانية تحديد الحدود بمرسوم، خرج تقرير مؤسسة دولية موكلة من الجانب اللبناني بترسيم الحدود عام 2010، أكدت ضعف الموقف القانوني للخط 1 و23، وأنه وبحسب المعايير العلمية يمكن أن تمتد الحدود البحرية اللبنانية حوالي 1430 كلم بعيداً عن خط 23، ورسمت خطاً جديداً يحمل الرقم 29.

ويتقاطع الخط 23 مع خط الغاز قانا، كما يتقاطع الخط 29 مع خط كاريش، بسبب أهمية هذين الحقلين. فأصبحت المفاوضات التي بدأت عام 2020 أكثر صعوبة بسبب تمسك الطرف الإسرائيلي بالخط 1 الذي اعتمده لبنان مع قبرص، ومن جهة أخرى اعتمد الجانب اللبناني الخط 23 خط الحدود، وخط 29 هو خط تفاوض، كما أنه استبعد من التفاوض الخط الذي رسمه المفاوض الأمريكي هوكشتاين، ويقع هذا الخط بين الخطين 1 و23.

بعد توقف المفاوضات قرر الكيان الإسرائيلي البدء بالتنقيب داخل حقل كاريش، والذي بدوره يعتبر ترسيم لبنان داخل منطقة النزاع؛ حيث إنه يقع ضمن خط 29، وأعلن لبنان للمفاوض الأمريكي جهوزية لبنان لإكمال المفاوضات، وأعطى عرضه أنه سيتخلى عن حقوقه في حقل كاريش مقابل حقل قانا بالكامل.

الحاجة الأوروبية للطاقة وصراع الحدود اللبنانية الإسرائيلية

بعد الحرب الأوكرانية الأخيرة اقتنعت أوروبا أن دخولها في أي صراع مع روسيا سيكون غير متكافئ؛ بسبب أن أوروبا تستورد من روسيا معظم حاجاتها من الغاز الطبيعي والنفط، وكما رأينا فإن دولاً عدة داخل الاتحاد الأوروبي خضعت لشروط روسيا بالدفع بالعملة الروسية مقابل الغاز والنفط الروسي، لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي حلت بروسيا جراء الحرب الأوكرانية، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية قاسية عليها.

وتوجه الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي إلى دول عديدة؛ منها دول حوض البحر المتوسط، والتي تمتلك كمية من الغاز ستساعد أوروبا على تقليل اعتمادها على الغاز الروسي مع الوقت، ومع توقيع مصر والكيان الإسرائيلي اتفاقية لتصدير الغاز إلى أوروبا، وتخصيص الاتحاد الأوروبي 103 ملايين يورو لدعم المنطقة؛ أصبح واضحاً أن أوروبا اتجهت بشكل رئيسي إلى دول البحر المتوسط كبديل لمواردها من الطاقة.

وتظهر هنا الحاجة الإسرائيلية الملحة للاستفادة من جميع حقولها من الغاز؛ ما دفعها لإرسال سفينة التنقيب إلى حقل كاريش الذي يمتلك كمية كبيرة من الغاز، ويضمن الاحتلال الإسرائيلي الدعم الأوروبي بأية مواجهة محتملة مع لبنان، للمصلحة المشتركة، ولكن على الصعيد الآخر يمتلك لبنان ورقة ضغط يمكنه أن يستخدمها في التفاوض؛ حيث إن الكيان الإسرائيلي أكثر حاجة للبدء بالتنقيب وإقفال ملف الترسيم رغم الحاجة اللبنانية أيضاً بسبب الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه اللبنانيون.

لذلك فإن مسألة ترسيم الحدود بين لبنان والكيان الإسرائيلي لم تعد مسألة تخص طرفي الصراع فحسب، بل إنها أصبحت تتعلق بشكل مباشر بالصراع الدولي على الطاقة وخاصة الأمن الأوروبي.

لهذا على السياسيين اللبنانيين أن يعلموا جيداً أهمية المرحلة وإدراكهم لنقاط القوة التي يمكن أن يستغلها لبنان لحصوله على القدر الأكبر من المكاسب دون الرجوع إلى الحسابات السياسية والشخصية الضيقة، وتغليب المصلحة الوطنية، والعمل على الحفاظ على حق لبنان واللبنانيين بحقوقهم وثرواتهم الطبيعية.

وهنا يأتي السؤال: هل أنهى لبنان دراسته لحقل قانا؟ وهل الكمية الموجودة داخل الحقل كفيلة بتعويض ما سيخسره لبنان من حقل كاريش؟ وإذا رفض الجانب الإسرائيلي العرض اللبناني إلى أين سيتجه الصراع؟ هل سيستخدم لبنان القوة لحماية انتهاك حقوقه؟ هذه الإجابات جميعها ستظهر مع الوقت، ولكن على الجانب اللبناني الرجوع بشكل دائم إلى الرأي العملي، وألا ينسى أن هذا الكيان لديه تاريخ طويل من الخداع والتلاعب بالحقائق العلمية والتاريخية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالله جهجاه
باحث لبناني في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
باحث لبناني في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
تحميل المزيد