"مدد يا رب".. بهذه الجملة التي أخيراً تم استبدالها وتصحيحها؛ حيث طلب العون من الله فقط، وبمشاهده التي تخلو من أي اشمئزاز أو خجل، أطل علينا حمادة هلال بالجزء الثاني من مسلسل المداح.
المسلسل الذي حقق نجاحاً كبيراً في جزئه الأول، استثمر أبطاله هذا النجاح في عمل جزء ثانٍ، كان في رمضان، والذي بدوره حقق نجاحاً منقطع النظير.
ولعل أسباب نجاحه، من وجهة نظري المتواضعة، هي التأكيد على أن الجمهور "مش عايز كده"، مثل ما يقال عن أي عمل رديء يقدم، تلك الجملة "الجمهور عايز كده" التي دائماً ما تقال عن نجاح أي عمل لا يليق بالذوق العام، خارج عن المألوف، يهدف لإثارة الجدل وخلق "تريند" حوله، والأمثلة كثيرة أمامنا.
إذ ربما تلك الجملة "الجمهور عايز كده" هي لأن الجمهور لم يجد البديل، فاضطر لمشاهدة المتاح من أجل النقد وتوجيه اللوم على صانعيه.
ولنعُد إلى مسلسل المدَّاح؛ إذ انتهيت منذ أيام قليلة من متابعة ومشاهدة مسلسل المداح "أسطورة الوادي"، وهو من بطولة حمادة هلال، هبة مجدي، خالد سرحان، دنيا عبد العزيز، بجانب نخبة من ألمع النجوم، ومن تأليف أمين جمال ووليد أبو المجد وشريف يسري، وإخراج أحمد سمير فرج، وذلك لأني ضد متابعة أي عمل فني في شهر القرآن.
لماذا أكتب هذا الآن؟ لأن الموسم انتهى والضجيج صار أهدأ، والآن قد يدخل الناس لإعادة مشاهدة الأعمال، ويريدون ما يسليهم، فأكون قد وفرت عليهم مشقة البحث ودللتهم إلى مسلسل المداح، مع عرض رأيي في الأمر بشكل عام.
فلعل سبب كتابتي لهذا المقال هو التأكيد على أننا جمهور، واعٍ، مدرك، وعلى دراية بكل ما يُقدم، وذو رأي رشيد.
ومن خلال متابعتي لأحداث المسلسل، وقصته التي تدور حول عالم الجن والشياطين، أحب أن أشيد بجميع فريق العمل، بالمؤلف أولاً، والمخرج، ثم أداء الأبطال الخرافي في مقدمتهم الفنان والمطرب حمادة هلال، وصاحب مقولة: "الله وكيل إحنا عايشين مع بهايم" الفنان المتميز صبحي خليل.
وهذا ليس بجديد على هلال، فالمتابع لمشواره الفني في الدراما أو حتى في السينما، يلاحظ أنه دائماً يحرص على عدم الظهور بشكل غير لائق ومشاهد تجرح النظر، أعماله إما للأطفال أو لجميع الأعمار، أو تخص فئة معينة نظراً لقوة الموضوع وليس لخدش الحياء، مثل أحداث مسلسل المداح الذي يتضمن مشاهد حرق وظهور جن ومس شيطاني وخلافه.
أما عن المشاهد التي يزعمون طوال الوقت أنها تخدم الدراما، وفي السياق، ولا بدَّ منها لتحقيق المصداقية من أجل الجمهور "عشان يصدق يعني، وإنه عايز كده"، فهي قليلة في الأعمال التي يشارك فيها حمادة هلال، وآخرها مسلسله الأخير الذي وأخيراً أظهر لنا فيه العباءة واللحية، والرجل "المتدين" بهذه السمات، على أنه شخص متسامح، يحب الآخرين، يخدم المحتاجين من دون مقابل، يعمل لوجه الله، محبوب من البشر.
ليس قاتلاً، ليس داعشياً، ليس متطرفاً، ليس نسوانجيّاً ومتزوج 4 سيدات، شخص طبيعي مسلم متدين معتدل حباه الله "وفقاً للدراما والحبكة"، ببعض المميزات جعلته قادراً على فك السحر، وعلى دراية بالرقية الشرعية وتحصين الناس من الجن.
الجميل في المسلسل هو التركيز أيضاً على إظهار الصراع الداخلي بين الإنسان والشيطان، بإنسه وجنه، فالصراعات التي تدور داخل النفس البشرية وتقودها لفعل المنكرات، وأذية البشر، والطمع وحب السلطة والمال والنفوذ، موجودة، وهي أساس اختبارنا في هذه الدنيا.
موجودة بالفعل، سواء بين البشر وبعضهم البعض من أصحاب النفوس المريضة، أو قد يصل لبشر أن يسخر من العالم الآخر عالم الشياطين والجن، ما يؤذي به صديقه أو قريبه.
الغل والحقد والكراهية، وغيرها من أمراض النفوس، عندما تتملك وتتمكن من قلب أي إنسان، تقوده إلى الأذية وتجبره على الشر وتعطي له المبررات أيضاً كي يرتكب الكثير من الحماقات دون أي شعور بالذنب.
حمادة هلال أثبت للكثيرين من القائمين على صناع السينما والدراما وما يعرض على الشاشة الصغيرة أو الكبيرة، أن نجاح الأعمال الفنية غير مقترن بالألفاظ الخارجة، بالعلاقات الشاذة، بالعري والمشاهد الساخنة، بزجاجات الخمرة ولعب القمار، بطرح أفكار مثيرة للجدل، بمناقشة زنا المحارم، والخيانات المتكررة بين الأزواج، بقعدة صحاب على عزومة عشاء وكشف الأسرار على شكل لعبة سخيفة، بتعريب الأعمال الأجنبية وتقديمها كما هي في استخفاف واضح لعادات وتقاليد وقيم المجتمعات العربية.
مسلسل المداح ورغم وجود مشاهد رومانسية وقصص حب، فإنه أوصلها للمشاهد من دون حتى لمسة يد أو حضن لزوم السياق الدرامي كما يبررون، بل تفاعل معها الجمهور المشاهد وأحبها، ووصل بكل هذه المشاهد الراقية التي لم تخدش الحياء، إلى التريند وحقق نجاحاً ملحوظاً بين مسلسلات رمضان 2022. وما زال يواصل نجاحه بالمشاهدات اليومية.
أما عن مناقشته وإبحاره في عالم الجن والشياطين، فهي موجودة بالفعل في عالمنا، كما أن السحر مذكور في القرآن، ويستخدمه أصحاب النفوس المريضة لإلحاق الأذى والضرر لغيرهم.
نعم الدراما دخلت في الموضوع، فهو عمل درامي في الأساس، ولا بد من حبكة، وعقدة، ثم حل، وذلك لمزيد من الإثارة والتشويق، لكن هي الطريقة في الطرح، هو الرقي في التمثيل، هي الاحترافية في الأداء وتوصيل المعلومة من دون زيادة أو نقصان، ومن دون تزييف للحقائق أو طمس للواقع.
والأجمل في مسلسل المداح أيضاً، هي تلك الأناشيد والابتهالات التي تغنى بها حمادة هلال وأمتع الجمهور بها.
فشكراً لجميع القائمين على صناع العمل، وأتمنى أن ينتهي على جزئين فقط، كي يحافظ على نجاحه في هذه الصورة، وخوفاً من الفشل واختلاق قصة جديدة في الجزء الثالث؛ إذ ربما لا تنجح النجاح الذي حققه الأول واستكمله الثاني، فآخر مشهد في المداح "أسطورة الوادي" يشير إلى جزء ثالث، وهو مشهد غير مرضٍ بالنسبة لي؛ حيث الخوف من الدخول في سكة "أمير الجماعة" واستغلال شخصية صابر، في أمور طرحها الكثيرون في أعمال درامية فشلت ولاقت استخفافاً من الجمهور ونقداً لاذعاً قد يدمر ويقلل من نجاح المسلسل بجزئيه الأول والثاني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.