ترسيم الحدود
أما وقد سلَّم لبنان موقفه في ملف ترسيم الحدود البحرية، وأبلغ المبعوث الأمريكي لشؤون أمن الطاقة، آموس هوكشتاين، بموقف واحد وموحد، لأول مرة، حول حقوق لبنان وحدوده البحرية الخالصة في الجنوب اللبناني، فهذا يعني أن كرة التوصل لاتفاق باتت في ملعب الوسيط، الذي وعد بأن يأتي بالموقف الإسرائيلي في غضون أيام قليلة، وعليه فإن هذا الملف بات في عهدة الأسرة الدولية، ويحتاج لمناقشات طويلة وعميقة بين هوكشتاين وبين الجانب الإسرائيلي، فيما بات ملف الترسيم لبنانياً في أدراج الانتظار من الآن وحتى عودة الوسيط الأمريكي.
وبالمقابل فإن من اطّلعَ على محاضر الجلسات الرسمية التي عقدها الوسيط الزائر بات موقناً أن الرجل لم يقدّم أي ضمانات أو تصورات نهائية خاصة بالمرحلة القادمة، وما هي الآليات التي من الممكن اللجوء إليها حول أزمة الحقول الغازية إلى أن تجري مناقشة الطرف الإسرائيلي ويستوفي الرد من المسؤولين في تل أبيب، ولكن في الوقت نفسه كان الرجل يبدي كل درجات التفهم للهواجس اللبنانية ولمطالب لبنان الموحدة، فأيّاً كان موقفه الشخصي مما يجري على مسار المفاوضات فإنه لا يمكن أن يتجاهل القوانين الدولية وما تفرضه من أصول في رعاية مثل هذه المفاوضات، والتجارب السابقة التي شارك فيها غير خافية على كُثر، وتحديداً في الصومال وكينيا.
وهوكشتاين لم يخفِ على القيادة اللبنانية وكل مسؤول التقاه أن المنطقة في أزمة طاقة نتيجة الحرب في أوكرانيا، لذا من الضروري الاستفادة من الأزمة للذهاب نحو عمل إقليمي مشترك، يضمن أمن الطاقة ويكون لبنان جزءاً منه، في المقابل فإن الرجل كان واضحاً في التصريح عن معادلة تقول إن إسرائيل أكثر الأطراف المراهنة على سرعة الإنجاز في عمليات الاستخراج لتصدير الغاز إلى أوروبا، وخاصة أن زيارة المبعوث للبنان تزامنت مع توقيع الحكومة الإسرائيلية اتفاقاً لتصدير الغاز الطبيعي إلى دول الاتحاد الأوروبي ولمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، وذلك من خلال أنبوب موجود في مصر، حيث سيتم تسييله قبل نقله إلى الأوروبيين.
وهذا الواقع المتسارع بات يفرض معادلة الاستقرار والأمن في المنطقة، ما يؤسس لمرحلة التسويات التي تكرس الأمن والهدوء في المرحلة المقبلة، رغم التعثر الذي يشهده الملف النووي بين طهران وواشنطن، لذا فإن من التهديدات التي أطلقها أمين عام حزب الله حسن نصر الله، بات واضحاً أن هدفه الرئيسي هو رفع سقوف تُحصّل للبنان شروطاً تفاوضية أفضل، وهذا بدا من خلال سؤال الزائر الأمريكي عن موقف حزب الله، وعما إذا أعطى موافقة على معادلة الاستخراج من كاريش يوازيه التنقيب في لبنان، ولا سيما في حقل قانا.
زيارة بايدن للمنطقة
ولا يمكن إغفال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة، وتحديداً إلى السعودية، وما اضطره من تعديل منسوب لهجته التصعيدية تجاه المملكة، فالرجل ما كان ليقوم بزيارة الإقليم، وتحديداً إلى السعودية بعد أزمة مفتوحة بين الجانبين منذ مدة، لولا أزمة الطاقة، فهو كان قد ردّد أنه يريد جعل السعودية دولة منبوذة، لكن ارتفاع أسعار النفط زاد من أزمات السوق الأمريكي، واضطر الإدارة الديمقراطية إلى إدخال تعديلات جوهرية على الخطط والمشاريع والتحديات.
والسعي لمغازلة المملكة جعل الأمر واضحاً أنه سيلتقي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما يعني أن تغييراً طال سياسة الإدارة الديمقراطية لا يتعلق فقط بالسعي لرفع مستوى إنتاج النفط السعودي لخفض أسعار الطاقة، بل أيضاً يهدف إلى خفض المداخيل التي لا تزال تَجنيها روسيا جرّاء تصديرها النفط، وهو ما يخفّف عنها تأثير العقوبات المفروضة عليها، ويجعلها قادرة على الاستمرار في تمويل حربها على كييف وتهديد الأمن الأوروبي.
لذا يسعى حزب الله إلى فرض معادلة استراتيجية لبنانياً، انطلاقاً من تطورات المنطقة والتسارع الذي تشهده في تكوين جبهة مواجهة المحور المرتبط به، من خلال مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي، وهو مشروع مشترك بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ويهدف إلى إنشاء تحالف جوي مشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض دول الخليج، بالإضافة لمصر، ومساعٍ لضم الأتراك والقطريين إليه.
ذلك مع العلم أن كل القوى الإقليمية باتت تشير إلى رفضها إحداث أي خلل في توازن الأمن والهدوء في المنطقة، خاصة أن التصعيد العسكري أو الأمني يؤدي إلى وقف نشاط إسرائيل في استخراج الغاز الذي سيصدر إلى أوروبا، وهذا ما أظهرته الحركة الأوروبية تجاه إيران عبر فرنسا والنرويج، بالإضافة للحراك القطري والعماني، لمنع أي صدام محتمل. وبالتالي ليس في مصلحة الجانب الإسرائيلي فتح أي ثغرة للتصعيد مع حزب الله، في توازٍ مع موقف نائب قائد الحرس الثوري الإيراني، وقوله إن الظروف الحالية ليست ظروف اندلاع حرب.
تكليف رئيس للحكومة
في إطار منفصل ينكب لبنان بطبيعة الحال على مقاربة الاستحقاقات المحلية، وأهمها تكليف رئيس جديد لحكومة ما بعد الانتخابات، بعد دعوة عون إلى استشارات ملزمة منتصف الأسبوع المقبل، وحتى اللحظة يبدو المرشح الأبرز لهذه المهمة الشاقة هو رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي يحظى ترشيحه بموافقة أمريكية ودعم فرنسي وإحاطة مصرية-قطرية، لكنه لم يحصل بعد على موقف سعودي واضح، علماً أن الرياض تتجنب حتى اللحظة الحديث في الأمر، ويبدو أنها لن تطلق أي موقف داعم لأي شخص، إلا في حال اتفقت القوى الحليفة لها في لبنان على اسم واضح، وتحديداً حزبي القوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، فيما زيارة النائبين وائل أبو فاعور وبيار أبي عاصي للرياض لم تأتِ بالجواب الشافي على السؤال حول هوية المرشح لرئاسة الحكومة المدعوم سعودياً.
بالمقابل، يميل رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومعه النواب السنة المحسوبون على فلول تيار المستقبل وبعض المستقلين لإعادة تسمية ميقاتي، في ظل الحرب التي افتتحها رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل على فكرة إعادة طرح ميقاتي، إذ إن باسيل أبلغ حزب الله أنه ليس وارداً تسمية ميقاتي من جديد، وأنه يدرس احتمال تسمية مرشح آخر في حال ظهر توافق على بديل، أو يلجأ إلى ما فعله سابقاً عندما رفض تسمية ميقاتي، لكنه عاد ومنح حكومته الثقة بعد حصوله على مقاعد في الحكومة.
فيما أنهت كتلة نواب التغيير ما سمّته ورقة المعايير لحسم موقفها من اسم الشخصية المكلفة بتشكيل الحكومة في الاستشارات النيابية، وعلى رأسها أن يكون الشخص المكلف من خارج قوى السلطة، وينطلق من ثوابت ثورة 17 تشرين، فيما حزب الله يميل لإعادة تسمية ميقاتي، انطلاقاً من مبدأ تكريس التوازن السياسي، وتحديداً لدى المكون السني، في ظل الدعم الذي يحظى به ميقاتي في تقاطع إيراني- فرنسي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.