قصة سقوط أحمد حلمي في فخ القُبح والابتذال!

عدد القراءات
4,332
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/15 الساعة 11:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/16 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
الفنان المصري أحمد حلمي / الشبكات الاجتماعية

دائماً ما كنت أراه نموذجاً مميزاً، بلا ذرة غبار، مثاليّ حد الاستفزاز، فنان ناجح، ذكي، محبوب جداً، استطاع بذكاء شديد، وحسن حظ أشد، أن يحصل على كل شيء تقريباً، مادياً ومعنوياً.

على المستوى العملي أفلامه "نظيفة" ومضحكة، وهادفة أيضاً، وفي كل مرة لها فكرة مميزة وجديدة، وعلى المستوى الشخصي زوج رائع وأب مميز، وعلى المستوى العام ذو شخصية عامة، أهّلته كي يكون "سفيراً"، باختصار رجل محبوب وفنان لطيف، حياته، ظاهرياً، بلا مشكلات معلنة أو مشاحنات من أي نوع، لكن فجأة بدا أن هذا كله إلى زوال قريب، إذا ما استمر صاحب القصة في البحث عن "شغفه" بطريقته الحالية.

لماذا أحببنا أحمد حلمي؟

 أحمد حلمي

يميل أحمد حلمي إلى نوعية القصص التي تلمسه هو شخصياً، فيطرحها في أعماله جميعاً، وهي اهتمامات لطالما لامست المشاهدين عند نقطة بعينها، فصار نموذجاً يحبون مشاهدته مرة بعد أخرى؛ لأنها تذكرهم بأنفسهم، أحمد حلمي المولود في نوفمبر 1969 كان شاباً، مفقوداً فيه الأمل، عاجزاً عن الحصول على الثانوية العامة، كثير الحركة والمشكلات، ولا يبدو مستقبله مضيئاً بأي شكل، لكنه سار عكس كل التوقعات، من هذه النقطة تحديداً استقى تيمة أفلامه، فأحمد حلمي هو نفسه "ميدو مشاكل" عام 2003، ذلك الشاب المستهتر الذي يصير بطلاً حين يدخل في اختبار حقيقي، وهو نفسه حسن حنتيرة، في فيلم "صايع بحر"، الشاب الذي يحاول أن يكون أفضل مهما بدت ظروفه سيئة، ومستقبله مظلماً، الفكرة ذاتها تأسست أكثر وأكثر فيلماً بعد آخر، فضعيف البنية يمكن أن يصير حارساً شخصياً، باستخدام عقله لا عضلاته "ذكي شان 2005″، والشخص النكرة يمكن أن يصير رجل أعمال في "جعلتني مجرماً" 2006، والفاشل دائماً لديه فرصة ثانية إذا ما تم منحه الفرصة كاملة مهما شعر باللا جدوى في النهاية.

سيواصل "مطب صناعي" 2006، التيمة راحت تتلون لاحقاً مع محاولات لتطوير الأداء، كانت البداية مع "كدة رضا" عام 2007؛ حيث قدّم وحده ثلاث شخصيات مختلفة في تحدّ شخصي لقدراته، ثم انتقل إلى مرحلة جديدة تماماً عليه في فيلم "آسف على الإزعاج" 2008، والذي عبر عن علاقته بوالده الراحل، حيث بدا أكثر نضجاً وقوة وامتلاكاً لأدواته؛ لهذا حصل عن دوره فيه على جائزة المركز القومي للسينما، وجائزة من المهرجان القومي للسينما المصري، هكذا بدأ رحلة التنوع؛ فمن البحث عن معنى الحياة في فيلمه "1000 مبروك" عام 2009، إلى البحث عن معنى الوطن في "عسل إسود"، إلى البحث عن النفس في "إكس لارج" أقرب أفلامه إلى قلبي، والذي تربع على عرش الإيرادات لفترة، لتبدأ رحلة الانهيار بداية من عام 2013؛ حيث مجموعة أفلام ابتعدت عن الهدف، مثل "على جثتي"، و"صنع في مصر"، و"لف ودوران"، و"خيال مآتة" عام 2019، قبل أن يغيب ليقرر العودة من جديد هذا العام بالفيلم الأسوأ على الإطلاق "واحد تاني".

ماذا حدث لأحمد حلمي؟

"فقدت الشغف، وهذا هو السبب وراء فيلم واحد تاني".. هكذا خرج أحمد حلمي عبر لقاء تلفزيوني ليتحدث عما جرى له خلال السنوات الثلاث الماضية، وكيف فقد شغفه وشعر أنه لم يقدم الكثير في مسيرته، فراح يفتش، كالملسوع، عن طريقة يستعيد بها شغفه وذاته، فقرر تقديم فيلم يحاكي شخصيته وأفكاره وما يرغب حقاً في أن يصير إليه.

على الرغم من النجاحات العديدة لحلمي إلا أن فترة "الكورونا" بدا أنها قد أثرت عليه إلى حد بعيد، بحيث لم يعد اكتشاف علاقته بأبنائه وزوجته فقط، ولكنه فقد بوصلته خلال تلك الفترة أيضاً، فقرر تقديم فيلمه الأخير، والذي يضم شخصيتين "مصطفى العادي" شخص ممل وفاقد للشغف، حياته روتينية بلا أي جديد، و"إكس" الذي قال عنه: "إكس يعتبر تمرداً على نفسي شخصياً، أنا بداخلي إكس حقيقي لكن ما يظهر للناس ويرونه هو مصطفى، وأصلاً أنا أرتدي تي شيرت إكس، لا أحب شخصية مصطفى؛ لأنها تذكرني بمرحلة ما من حياتي، ابتعدت عن العمل والنجاح والناس بسبب فقدان الشغف، أتاني وقت شعرت فيه أنني أتساءل: أين الشغف؟ أين ذهب وأين اختفى؟ صرت أتلذذ بالجلوس صامتاً، أفلام تصدر حولي وأعمال جيدة وأنا أين؟".

كيف سقط أحمد حلمي؟

 أحمد حلمي

حسناً، فهمت من حديثه أنه إكس، ذلك الذي يمكن أن يبقى 3 أيام بلا نوم، يدمر جهازه العصبي للحصول على المجد، سقط حلمي حين وافق على سيناريو يتطلب منه أن يرقد على بطنه، كي تكتمل الحبكة، أتساءل عن الفارق بين الطريقة التي استعاد بها شغفه في الفيلم وبين "الترامادول"، كلاهما يبقيك نشطاً ويقظاً بطريقة مبالغ فيها، لتبدأ رحلة طويلة من العلاقات غير الشرعية والسهر في الملاهي الليلة والعمل في ساعات متأخرة من الليل، فهل هذا هو الشغف الذي يبحث عنه حلمي؟

سقط الممثل المحبوب حين تخلى أخيراً عن أفلامه الخالية من التصنيفات العمرية، ليصير فيلمه الأخير +12، لكنه في الواقع غير صالح للعرض أصلاً، حيث الكثير من الإيحاءات الجنسية، وصلت حد اتهامه بالترويج للمثلية الجنسية، حتى إن محامياً قام بالفعل بتقديم بلاغ للنائب العام المصري لمنع الفيلم واتهمه بـ"الترويج للشذوذ"، وجاء في تفاصيل البلاغ، أن: "فيلم واحد تاني للممثل أحمد حلمي يعتمد على اللبوسة المضيئة التي يأخذها حلمي لتغيير حياته، وكذلك هناك العديد من الإيحاءات الجنسية التي لا هدف لها سوى الترويج للمثلية الجنسية، الفيلم الذي اتخذ مادة السخرية لدعوة الأسوياء إلى مساندة أمور الشذوذ والاعتراف بها وكأنها جزء من ثقافتنا، ولكن نسوا أو تناسوا أن تلك الأفعال محرمة ومجرمة، وهي أفعال مجرمة يعاقب عليها القانون". 

عن يونس وسليم وحلمي 

أحمد حلمي

بعيداً عن الاتهامات، وافتراضاً لحسن النية والبراءة الشديدة، والرغبة في تقديم عمل جيد، أتساءل: هل يقبل أحمد حلمي، الذي تم اختياره ليصبح سفيراً لمشروع الغذاء من أجل التعليم ضمن برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة، أن يشاهد صغيراه سليم ويونس، واللذان ذكر اسميهما في نهاية فيلمه المثير للجدل، مفاضلاً بين الاسمين أيهما أجمل؟ حلمي الذي سبق له التأكيد أنه سوف يزور الأطفال في المدارس لمتابعتهم، وأنه يخطط للقيام بكل ما في وسعه لمساعدة الأطفال، هل يرى فيلمه متسقاً مع جهوده الخيرية والتنموية؟

نعم، حصد أحمد حلمي قرابة 18 مليون مشاهدة لأغنيته الأخيرة، صار مؤدياً بارعاً، يرقص بقوة.

وحصد فيلمه إيرادات كبيرة جاوزت منافسيه، ولكنه نال نقداً لاذعاً أيضاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتوصيفاً للكوميديا المقدمة بـ"القذرة"، لكن السقطة الأكبر كانت حين "حاد" عن الهدف، الشباب العادي الذي كان يستقي القوة والأمل في الغد من أفلام حلمي لم ير نفسه في مشاهد "الديسكو" والمنزل الفاخر في المنطقة الفارهة البالغة الثراء، والذي ظهر في نهاية الفيلم يسكنه البطل وزوجته، باعتباره قد صار "سوبر"، حاد الهدف وصار العمل الفني سبباً في الشعور بالغبن واللا جدوى، ليس ثمة "شغف مضيء"، ولكن هناك "خيبات مضيئة" أصابت كل من شاهد الفيلم في قلبه. 

إيرادات ضخمة وسقوط مروع

أحمد حلمي

لعل أسوأ ما في الأمر على الإطلاق هو دفاع حلمي عما قام به، الفنان الذي حظي بتعاطف واسع عقب إصابته بالسرطان قبل أعوام، والذي لطالما تعرض لهجوم بسبب اختيارات زوجته الفنية باعتباره مسؤولاً عنها أيضاً، صار هو أيضاً في مرمي الغضب.

انتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي بالجملة أثارت الاستغراب، كيف حظي الفيلم بهذا القدر من الهجوم، ثم عاد ليحصد الإيرادات؛ في مقال له بعنوان "واحد تاني.. تاني"، فسر الناقد طارق الشناوي ظاهرة تربع "واحد تاني على قمة الإيرادات، رغم حالة الإجماع على "رداءته"، وهو حكم لا يعود لأسباب أخلاقية، ولكن لأسباب "فنية بحتة"؛ اعتبر الناقد الفني الشهير أن الإيرادات ليس شهادة على قوة الفيلم، ولكن على ضعف منافسيه، وكذلك دقة اختيار موعد عرضه "في عيد الفطر" حيث المشاهدات، فضلاً عن رصيد حلمي القديم، والذي يسمح له بتلك المشاهدات وأكثر.

على المستوى الشخصي لا أعتبر شباك التذاكر مقياساً للجودة؛ فالملايين تمنح مشاهداتها لأكثر المحتوى رداءة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الجودة الحقيقة هناك بداخل ذلك الشخص الذي أجاد طويلاً وسقط مرة؛ أتمنى أن تكون الأخيرة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد