نصف المدارس الفلسطينية تدرّس منهاجاً إسرائيلياً! كيف يُهوّد الاحتلال الإسرائيلي قطاع التعليم في القدس المحتلة؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/11 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/11 الساعة 08:58 بتوقيت غرينتش
تلميذات فلسطينيات في طريقهن للمدرسة/ shutterstock

تصعّد سلطات الاحتلال محاولات سيطرتها على حياة الفلسطينيين في القدس المحتلة، فتعمل على "أسرلة" قطاعات المجتمع المقدسي المختلفة، وربطها بمؤسسات الاحتلال من الصحة والاقتصاد وصولاً إلى التعليم والمدارس. ففي السنوات الماضية تصاعدت معاناة المقدسيين من استهداف قطاع التعليم، إذ يعمل الاحتلال على فرض سيطرته المباشرة، وتطبيق مناهجه التعليميّة على الطلاب المقدسيين، بشكلٍ تدريجي، عبر تشريعاتٍ وقوانين، تُحوّل التعليم في القدس لأداة في يد الاحتلال. ومع اقتراب العام الدراسي في فلسطين من نهايته نسلط الضوء في هذا المقال على واقع التعليم في القدس المحتلة، وكيف صعد الاحتلال هجمته بحق المدارس في الشطر الشرقي من القدس، وهل استطاع تحقيق مخططاته؟

واقع التعليم في القدس المحتلة

عبر المراحل التاريخية المختلفة التي مرت على المدينة المحتلة، من الاحتلال البريطاني، وصولاً إلى احتلالها عام 67، تنوعت الجهات المشرفة على التعليم في القدس المحتلة، وهي جهات أربعٌ أساسية:

–       المدارس التابعة للأوقاف الإسلامية، تتبع إدارياً وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ولكنها تعمل تحت مظلة وزارة الأوقاف الأردنية، تشمل 49 مدرسة، وتضم نحو 12 ألف طالب وطالبة.

–       المدارس التابعة لسلطات الاحتلال، وتشرف عليها وزارة المعارف في حكومة الاحتلال وبلديته

–       مدارس تتبع للقطاع الخاص، تملكها الكنائس المسيحية، والجمعيات الخيرية والأفراد، تشمل 70 مدرسة، وتضم نحو 39 ألف طالب وطالبة.

–       مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، تشمل 6 مدارس، وتضم نحو 2500 طالب وطالبة.

سمح اختلاف المرجعيات آنف الذكر باستفراد الاحتلال بكل فئة على حدة، ليفرض المزيد من إجراءاته التعسفية لأسرلة التعليم في القدس المحتلة، الذي يعاني من مشكلتين أساسيتين، الأولى هي التسرّب المدرسي، نتيجة الظروف الاقتصاديّة للمقدسيين، واعتداءات الاحتلال على المدارس الفلسطينية والطلاب على حدٍّ سواء، إذ تشير الأرقام إلى أن 32% من الطلاب الفلسطينيين في القدس المحتلة لا يكملون أعوام الدراسة الـ12، في مقابل نحو 1.5% من الطلاب اليهود. وتصل نسبة التسرب المدرسي بين الطلاب المقدسيين إلى أكثر من 13%.

أما الثانية فهي عدم قدرة المدارس الفلسطينية المتمسكة بالمنهاج الفلسطيني على سد العجز القائم بالغرف الصفية، فبحسب جمعيتي عير عميم وحقوق المواطن الإسرائيليتين بلغ النقص في الغرف الصفية في القدس المحتلة نحو 2500 غرفة. وبالمقابل، تغدق سلطات الاحتلال الدعم والتمويل على المدارس التي تنزلق إلى مستنقع المنهاج الإسرائيلي، أو لتلك التي تتبعها مباشرة.

أهداف الاحتلال من "أسرلة" التعليم في القدس المحتلة

تحاول سلطات الاحتلال فرض سيطرتها على كل المدارس في القدس المحتلة، وإن لم تستطع ذلك مباشرة تعمل على إحلال المنهاج الإسرائيلي في تلك المدارس، ومنع أي مناهج أخرى تحمل قيماً وطنية وفكرية وأخلاقية مغايرة، ومع تمسك العديد من المدارس بالمنهاج الفلسطيني، حذف الاحتلال العديد من المضامين الوطنية والتاريخية من كتب اللغة العربية والتاريخ وغيرها، وفي النقاط الآتية أبرز أهداف الاحتلال من أسرلة التعليم:

– فرض رواية الاحتلال حول القدس والمسجد الأقصى، وتقديم مفاهيم تتعلق بـ"الحق" اليهودي التاريخي والديني في المدينة المحتلة وأسطورة "المعبد" المزعوم.

– حرمان الطلاب من المضامين الوطنية المتصلة بأصالة الحق الفلسطيني في القدس، وموقع القدس والأقصى في الوجدانين العربي والإسلامي.

– إخراج جيل فلسطيني يُعلي من قيمة "الدولة" اليهودية، وأهمية "وحدة شعب إسرائيل"، في مقابل طمس الانتماء الوطني الفلسطيني، وعدم إيراد الوجه البشع للاحتلال.

–  محو أي قيم تتعلق بالمقاومة والنضال في وجه الاحتلال، وإحلال قيم بديلة تتعلق بالسلام والتعايش مكانها.

– إنهاء عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، إذ يتركز جزء كبير من عمل الوكالة في القدس على قطاع التعليم.

تصعيد استهداف التعليم منذ عام 2017

لم تتوقف محاولات الاحتلال لاستهداف قطاع التعليم، ولكن عام 2017 شهد إقرار خطة بالغة الخطورة، ففي 28 مايو/أيار 2017، أقرت وزارة التربية والتعليم الإسرائيليّة مجموعة من الإجراءات ضمن خطة تمتد على مدى خمس سنوات قادمة، وكان الوزير حينها نفتالي بينيت، الذي يشغل منصب رئيس وزراء الاحتلال في المرحلة الحالية. وقضت الخطة بـ"توسيع استخدام المنهاج الدراسي الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية" في القدس المحتلة، وزيادة عدد الطلاب الذين يمكنهم الحصول على شهادة "البجروت"، التي توازي شهادة الثانوية العامة "التوجيهي" الفلسطينيّة، من 12% إلى 26%.

وبحسب المعطيات قدمت وزارة تعليم الاحتلال في السنوات الماضية حوافز اقتصاديّة كبيرة للمدارس الفلسطينيّة التي ستعتمد المنهاج الإسرائيلي، من خلال تمويل زيادة حصص التدريس وتوسيع برامج التعليم في المدرسة وتحسين البنية التحتيّة فيها، إضافةً إلى الميزانية الأصلية المخصصة لها. بينما لا تحصل المدارس التي لن تطبق هذه الخطة على زيادة بميزانياتها، أو أي دعم مالي من الجهات التابعة للاحتلال. 

هل بدأ الاحتلال تحقيق ما أراده؟

وعلى إثر انقضاء سنوات الخطة، كشف تقرير نشرته وزارة القدس في حكومة الاحتلال في بداية عام 2022، تضمن معطيات خطيرة حول تغول المنهاج الإسرائيلي، وأظهر أنَّ 51% من المدارس الرسمية في الشطر الشرقي من القدس المحتلة تدرس المنهاج الإسرائيلي، وبحسب التقرير قفزت النسبة بنحو 34% في السنوات الخمس الماضية.

ويأتي هذا التصاعد على إثر الخطة الخمسية التي أقرتها سلطات الاحتلال في عام 2017، وهذا ما أدى إلى ازدياد أعداد الطلاب الذين يلتحقون بمنهاج الاحتلال ثلاثة أضعاف. وكشف التقرير أن 51% من الطلاب يخضعون لامتحانات "البجروت" الإسرائيلية، في مقابل 49% يتقدمون لامتحانات الثانوية العامة للسلطة الفلسطينية. وبحسب اتحاد أولياء أمور طلبة مدارس القدس، ارتفع عدد الطلاب الملتحقين بالمنهاج الإسرائيلي بنسبة 150%، ففي عام 2017 كان عددهم 3000 طالب، أمّا في عام 2021 فقد وصلوا إلى 11 ألف طالب وطالبة.

وبحسب التقرير أدت حزمة إجراءات إلى الوصول لهذه النتيجة، أبرزها:

  • استثمار 445 مليون شيكل (نحو 135.9 مليون دولار)، تتضمن حوافز تربوية وإقامة بنية تحتية.
  • افتتاح 6 مدارس جديدة و65 مدرسة تمهيدية جديدة في الشطر الشرقي من القدس المحتلة.
  • تأجير 9 مبانٍ جديدة للمدارس التي تستخدم المنهاج الإسرائيلي.
  • توصيل هذه المدارس بشبكات إنترنت عالية السرعة، وتلقت نحو 15 ألف جهاز حاسوب محمول، وأطلقت 52 مساراً تكنولوجياً.

أخيراً، تؤشر هذه المعطيات إلى أن قطاع التعليم في القدس المحتلة يتعرض للقضم شيئاً فشيئاً، ويتجه نحو تحقيق الاحتلال مخططاته الرامية إلى تهويد التعليم في القدس المحتلة بشكلٍ كامل، وهذا ما يعني أن الحفاظ على ما بقي من المدارس الفلسطينية، وإنقاذ المدارس المستهدفة بالمنهاج والبرامج الإسرائيلية مسؤولية جماعية، على كل الغيورين في الأمة التصدي لها، ليواجهوا تغول الاحتلال، ويُسهموا في تثبيت الفلسطينيين، لتظل هذه المدارس قادرة على تقديم مناهج تحمل جرعات مكثفة من القيم الوطنية والفكرية والأخلاقية والدينية، وتبني جيلاً قادراً، يقاوم الاحتلال بأشكال المقاومة كافة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي إبراهيم
كاتب فلسطيني
باحث في مؤسسة القدس الدولية
تحميل المزيد