“التشبّه الطبقي” في المجتمع.. لماذا قد يقلد الأثرياء الفقراء، ويقلد الفقراء الأثرياء؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/11 الساعة 09:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/11 الساعة 10:13 بتوقيت غرينتش
التشبه الطبقي في المجتمع/ تعبيرية - shutterstock

التشبّه الطبقي، من الأسفل نحو الأعلى، والعكس! السبب مبطون! الظاهر هو: إن من يملك القوة، يُقنّن الجمال.

تساءل العديد من علماء الاجتماع والنفس عن الغاية التي تجبر الناس على تقليد بعضهم بعضاً في الملابس (الموضة) وعلى تقليد بعضهم بعضاً حتى في الأمور البيولوجية، بحثاً عن التطابق التام في الشّعر السّبط، أنف أقنى، جسد رياضيّ أو مملوء، الطول، وغيرها من الأنماط التي تشير إلى طبقة ما.

وبعد تحليلٍ مُطوّل، لدينا أكثر من إجابة وتحليل على نفس الفعل، فعل التماثل بالآخر، من جهة، يرى العديد الأشخاص أن لطبقة النُبلاء والأشراف بعض الصفات الخارجية الموحّدة، ففي مُعظم التماثيل والصور، نجدُ أن شعرهم أملس سبط، أنف طويل أو محدّب، قامة متوسّطة أو فارعة، مع لباس يتماشى مع طبقتهم، اللباس والمظاهر المادية، تعكس القدرة الشرائية، أو القوّة الشرائية للفرد، فهي تبعث برسالة للآخر (المرأة، في حالة الرجل، والعكس) أنك تملك القدرة على إشباع رغبات الآخر بسهولة، بذلك، يجعلكَ خياره الآمن.

الفرد الذي يلعب على وتر المظاهر يُريد أن يكون الخيار الآمن وخيار الضمان البيولوجي لحياة صحيّة وسعيدة. لكن كثيراً من الناس، لا يملكون الإمكانيات المعنوية لبلوغ ثروة الطبقات العليا، فيبقى لهم الامتثال لما يستطيعون فعله، بذلك، يحاولون تقليد نفس تسريحاتهم، العمل على بلوغ نفس الصورة الجسدية التي يملكها الآخرون جينياً. وكمثال، نرى أن الممثلين في هوليوود يلعبون على هذا الوتر كثيراً، فالتمثيل في ذاته محاكاة للطبقيّة، والمُمثّل يلعب دور الوسيط بين المواطن البسيط الذي يريد أن يكون نبيلاً وشريفاً، وبين نبلاء وأشراف التاريخ القديم، أو الحاضر! فلا يتبقّى للبسطاء سوى تقليد ما يمكن تقليده، لذلك يُهرول العامة إلى تلوين وتشكيل وتغيير كل ما يُمكن تغييره لبلوغ ذلك الخيال الذي يلاحقهم.

لكن انتظروا! هناك تماثل آخر لا يتحدّث عنه الكثيرون، فهو غير مرئيّ، أو لأن البعض لا يراهُ تماثلاً أصلاً، ألا وهو تشبّه الطبقات العليا بالطبقات الدنيا! مؤخراً، أي آخر 100 سنة، ومع تصاعد الفكر اليساري الذي يلعب دور البساطة والدفاع عن المجتمعات وحقوقهم، أصبحنا نرى نفاقاً طبقياً، فالأثرياء اليوم يتشبّهون بالفقراء والبسطاء، وهذا يكاد يستقل عن النوع الأول في الغاية والسبب، بل هو مبحث في ذاته. إن الثّريّ الذي يبني ثروته بسواعد البسطاء، سيجد نفسه ملزماً بالتشبّه بهم كي يستعطفهم ويستدرجهم ويجلبهم إليه، فالبسطاء يملكون نظرة نقدية تلقائية عن السيّد، السيّد البورجوازي المتسلّط، فهو بذلك سيعمل على إهمال شعره ولحيته وهندامه أمامهم، تفادي المصطلحات الصعبة، والحديث بالدارجة ما أمكنه، لكيلا يُقصى من مجموعتهم، ولكي يبقى في حيّزهم ويستفيد من قربتهم، مادّياً ومعنوياً، لأن الإقصاء من الجماعة يعادل الموت.

فنحنُ نرى أن التماثل يعمل من الأعلى نحو الأسفل، ومن الأسفل صوب الأعلى، والهدف من هذه المحاكاة الوهمية التعايش، والاندماج، والشعور بالألفة والحنين والتناغم مع المحيط، فليس أمرّ على البسيط من أن يعيش بفكرة أنه من سلالة البسطاء، قد يتوهّم قبول ذلك، لكن ظاهرياً يعمل على إغشاء الأبصار ببعض المؤثرات البصريّة، كذلك يفعل النبيل الذي يريد أن يكون محبوب "الزواولة"، فيعمل على إظهار نفسه بسيطاً قدر الإمكان، الضحك مع الجميع، مصافحتهم وربما تلطيخ نفسه بما يشتغلون، ورغم الحساسية الدائمة بين الطبقات، إلا أنها تستعينُ ببعضها البعض للعيش بقَبول وراحة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عماد الدين زناف
كاتب جزائري
كاتب جزائري
تحميل المزيد