بعد أن أدلت متحدثة باسم الحزب الحاكم في الهند بتصريحات مهينة للنبي محمد ﷺ خلال مناظرة تلفزيونية حديثة، نزل المتظاهرون إلى الشوارع في مدينة كانبور الشمالية، ورشقوا الحجارة واشتبكوا مع الشرطة. وكانت مجرد بداية لجدل ستكون له تداعيات عالمية.
فسرعان ما أزيلت المنتجات الهندية من الأرفف في الخليج العربي بعد أن دعا رجال دين مسلمون رفيعو المستوى إلى المقاطعة. وبدأت الهاشتاغات التي تعبر عن الغضب من رئيس الوزراء ناريندرا مودي تتجه على موقع تويتر باللغة العربية. واستدعت ثلاث دول ذات أغلبية مسلمة- قطر والكويت وإيران- سفراءها الهنود للتعبير عن استيائهم. وأدانت حكومات السعودية وإندونيسيا وأفغانستان المتحدثة نوبور شارما وكذلك منظمة التعاون الإسلامي.
وغالباً ما تتصدر التعليقات الملتهبة من قبل الناشطين اليمينيين والزعماء السياسيين في الهند عناوين الصحف وتثير غضباً على وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن نادراً ما يثيرون هذا النوع من الاهتمام الذي لفتته شارما في الأيام الأخيرة، مما دفع حزبها السياسي- ودبلوماسيي الهند- إلى السعي لاحتواء أزمة العلاقات العامة الدولية. وفي تصريحات منفصلة، قال قادة الحزب إنهم "استنكروا بشدة" الإهانات ضد أي دين أو شخصية دينية.
ويسلط هذا الجدل الضوء على أحد التحديات التي تواجه السياسة الخارجية الهندية في وقت يسعى فيه مودي إلى لعب دور أكبر على الساحة العالمية؛ على الرغم من أن حكومته أقامت علاقات دبلوماسية قوية مع العديد من الدول الإسلامية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإيران، فإن حزبه تعرض لانتقادات متزايدة بسبب معاملته للأقلية المسلمة في الهند. وتتهمه جماعات حقوقية بتأجيج المشاعر القومية الهندوسية وغض الطرف عن العنف الديني.
كما تحدث قادة من راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS)، وهي منظمة قومية هندوسية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحزب بهاراتيا جاناتا، عن الحاجة إلى خفض درجات اشتعال الشارع. وحث العديد من كبار المسؤولين في المنظمة الأعضاء والمنتسبين على اتخاذ إجراءات صارمة ضد خطاب الكراهية- بما في ذلك الدعوات إلى قتل المسلمين- ووقف الحفريات في المساجد، والتي ينظر إليها على أنها تمهد الطريق لعمليات الهدم.
ولكن هذه الجهود طغى عليها الجدل حول تصريحات شارما، التي اندلعت في الوقت الذي وصل فيه فينكياه نايدو نائب الرئيس الهندي إلى قطر في رحلة تستغرق ثلاثة أيام، حيث التقى بمسؤولين قطريين رفيعي المستوى لكنه ألغى مؤتمراً صحفياً كان مقرراً في السابق. وفي الوقت نفسه، نأى السفير الهندي في الدوحة، ديباك ميتال، بالحكومة، عن المتحدثة باسم حزب بهاراتيا جاناتا، وقالت سفارته في بيان: "هذه هي آراء العناصر الهامشية".
ومع ذلك، فإن التحرك نحو "تعليق عضوية" و"طرد" الموظفين الذين أهانوا النبي ﷺ، والجهود المبذولة لإبعاد الحكومة عن تعليقاتهم، لم يُرضِ أي شخص داخل الهند أو خارجها، ولأسباب وجيهة، فبادئ ذي بدء، لا يمكن وصف شارما وجندال بأنهما "عنصران هامشيان" داخل الحزب. وقبل كل شيء، فقد شغل كلاهما مناصب رفيعة في حزب بهاراتيا جاناتا، عبر مواقف سمحت لهما بالتحدث باسم الحزب الحاكم وإيصال سياساته واستراتيجياته إلى الأمة.
ثانياً، وربما الأهم من ذلك، من الصعب القول إن وجهات نظرهما المعادية للإسلام لا تمثل حكومة الهند عندما لا يخرج أي من قادة حزب بهاراتيا جاناتا لإصدار اعتذار قوي، وإن سياسات الحزب وأفعاله وتصريحاته المعادية للإسلام موثقة جيداً بالفعل.
في الواقع، لطالما كانت الإسلاموفوبيا جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية حكم حزب بهاراتيا جاناتا. ففي الماضي غير البعيد، على سبيل المثال، حاول زعيم حزب بهاراتيا جاناتا، رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إقامة صلات بين شخصيات مسلمة من تاريخ الهند البعيد و"الإرهاب والتطرف الديني" في الوقت الحاضر، في خطابين من خطاباته العامة، مما يعني ضمناً أن مسلمي الهند يجب أن يتحملوا المسؤولية ويعاقبوا على الجرائم المزعومة التي ارتكبها "أسلافهم". ولم يتلقَّ أي معارضة من الحزب لهذه التعليقات الصارخة المعادية للإسلام.
كما ألقى يوغي أديتياناث، رئيس وزراء ولاية أوتار براديش المنتسب لحزب بهاراتيا جاناتا، خطابات مناهضة للمسلمين خلال انتخابات مجلس الولاية الأخيرة. وفي أحد هذه الخطابات، سخر من المسلمين وقال إنه يرى انتخابات الولاية معركة بين 80% (نسبة الهندوس في الولاية) و20% (نسبة المسلمين).
ورئيس وزراء ولاية آسام هيمانتا بيسوا سارما التابع لحزب بهاراتيا جاناتا أكثر وقاحة منه في خطاباته. وفي العام الماضي، وصف مقتل مسلمين، أحدهما قاصر، على يد ضباط الشرطة خلال حملة إخلاء قسري في ولاية آسام بأنه "عمل انتقامي" بسبب "استشهاد" الهندوس في الماضي.
وفي ضوء كل هذا، من الواضح أن ادعاءات حكومة حزب بهاراتيا جاناتا بأن التعليقات المسيئة من قبل شارما وجندال لا تمثل وجهات نظرها مخادعة للغاية. ولم تكن هذه التصريحات زلات من قبل "العناصر الهامشية" داخل الحزب الحاكم أو أخطاء من قبل عدد قليل من الموظفين ذوي الرتب المنخفضة، ولكنها كانت انعكاساً دقيقاً لوجهات نظر حزب بهاراتيا جاناتا ومواقفه تجاه المسلمين والإسلام.
وربما تم تفسير هذه الحقيقة بشكل أفضل من قبل منظمة التعاون الإسلامي ومقرها المملكة العربية السعودية في بيان صدر حول الجدل الأخير، حين لم تكتفِ منظمة التعاون الإسلامي بإدانة التصريحات المسيئة التي أدلى بها موظفو حزب بهاراتيا جاناتا في بيانها الرسمي، بل أكدت أنها جاءت في "سياق من تكثيف الكراهية وسوء المعاملة تجاه الإسلام في الهند والممارسات المنهجية ضد المسلمين".
ومن الواضح أن بيان منظمة المؤتمر الإسلامي ضرب على وتر حساس، حيث رفضته الحكومة الهندية بسرعة وبحدة، واصفة الانتقادات بأنها "غير مبررة" و"ضيقة الأفق". "ومن المؤسف أن الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي اختارت مرة أخرى الإدلاء بتعليقات محفزة ومضللة ومؤذية. هذا يكشف فقط عن أجندتها المثيرة للانقسام التي يتم اتباعها بناء على طلب من المصالح الخاصة".
وردت الحكومة الهندية بقسوة على بيان منظمة المؤتمر الإسلامي لأنها أشارت إلى أن الهند، في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا، أصبحت دولة معادية للإسلام حيث تنتشر الهجمات والشتائم ضد المسلمين. وفي الوقت الذي يتفاعل فيه العالم مع الجدل الأخير حول الإسلاموفوبيا في الهند، يجب له أن يضع ذلك في الاعتبار وألا يشتري قصة حزب بهاراتيا جاناتا القائلة إن التصريحات المسيئة كانت مجرد انفجارات عاطفية من قبل بعض الأفراد الضالين الذين لا تمثل آراؤهم الحزب الحاكم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.