دعنا نبدأ دون أي مقدمات، لديّ خبر مفاجئ بالنسبة لك، هو أن ميلان بمجرد انتقال ملكيته إلى ريدبيرد، فقد أبرم صفقة بالفعل من دون أن تعلم.
لقد مللت من الانتظار، أنت تنتظر منذ أشهر أن يُعلن ميلان عن صفقة جديدة، كنت تترقب من سيكون مُلاك ميلان الجدد لفترة، ترسم بمخيلتك مستقبل النادي، تتوقع اللاعبين الذين قد يتم التعاقد معهم، تُتابع كل لاعب تم ربط اسمه بالروسونيري عدة مرات، من فرنسا وإنجلترا وبلجيكا وإيطاليا.
لكن سأخبرك بكل صراحة، جميع الأسماء التي خطرت في ذهنك هي أجوبة خاطئة؛ لأن الصفقة ليست بلاعب، ولا حتى مساعد مدرب، أو رُعاة جدد، بل التعاون مع شركة Zelus Analytics لتحليل البيانات.
خرِّيجون من هارفارد وعملوا سابقاً مع ناسا
نشأت شركة Zelus Analytics بشكل مستقل، هي تقدم بيانات لمختلف الأندية في مختلف الرياضات، ليس فقط في كرة القدم، بل في لعبة كرة السلة وكرة المضرب وغيرها. يرأسها دودج فيرينغ، ويُعاونه لوك بورن، أحد الشخصيات الرائدة في عالم تحليل البيانات في كرة القدم. وتضم نخبة من عالمي البيانات حول العالم، منهم من درس في أفضل الجامعات مثل هارفارد، ومنهم من عمل مع شركات ووكالات مرموقة مثل ناسا.
في صيف 2020؛ بمجرد استحواذ ريدبيرد على نادي تولوز الفرنسي، الذي كان قد هبط بالفعل إلى الدرجة الثانية، قررت المجموعة الاستثمارية بقيادة جيري كاردينالي إنشاء منصة Redbird Fc، والتي سوف تُعنى بشؤون نادي تولوز، وتضع شركة Zelus Analytics تحت مظلتها، وعدداً آخر من الشركات.
خلال موسمين فقط بقيادة مجموعة ريدبيرد الاستثمارية، عاد نادي تولوز الذي يُمثل رابع أكبر مدينة في فرنسا إلى الدرجة الأولى. وليتحقق ذلك، كان على مسؤولي تولوز الجدد أن يُعيدوا ترتيب الأوراق، ويتخذوا قرارات وفقاً لما يتناسب مع خططهم؛ لذلك، كان تعيين داميان كومولي، المدير الرياضي السابق لليفربول، كقائد لمشروع تولوز أحد أول القرارات التي اتُّخذت.
داميان له مسيرة طويلة في الملاعب الأوروبية. قبل العمل مع ليفربول، كان قد شغل دور رئيس قسم الكشافة مع أرسنال لسنوات طويلة، وشغل منصب المدير الرياضي لنادي سانت إيتيان الفرنسي، وأيضاً أدى الدور نفسه مع توتنهام، وكان قد لعب دوراً رئيسياً في صفقات لوكا مودريتش وديميتار برباتوف.
مات كانوبسكي، طبيب عمل سابقاً مع جهاز كلوب في ليفربول، كان قد تحدث في مقابلة مع "ذا أثليتيك" منذ أسبوع بأن الكثير من الفرق تعتمد على البيانات، لكن قلة قليلة هي الفرق التي تعرف أي بيانات ممكن أن تستفيد منها حقاً.
تحويل البيانات إلى قرارات منها استراتيجية هي مسؤولية كبيرة. كلوب متفوق في هذا الموضوع. رانغنيك لمع اسمه في السنوات الماضية كمدير رياضي أو إداري؛ لأنه يُجيد ذلك، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على كومولي.
لماذا نُخبرك كل هذه المعلومات؟ ببساطة لأن أُسس مشروع تولوز الذي يقوده كومولي مبنيّ على تحليل البيانات وكيفية تحويلها إلى قرارات استراتيجية. وهذا هو أحد أهم الأسباب خلف إنشاء مجموعة ريدبيرد منصة ريدبيرد إف سي، وذلك حتى تضم عدداً من شركات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، لتبادل الخبرات والمعرفة وتطوير النماذج الإحصائية المُستخدمة.
رحلة البحث عن الفوز
في مدينة أوستن في تكساس، ثاني أكبر ولاية في الولايات المتحدة الأمريكية، تقع مقر شركة Zelus Analytics. يقول بورن إن النهج المثالي لمساعدة جميع شركائهم لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتصارات هو جمع جميع الخبراء المعنيين كلهم في غرفة معاً وجعلهم يحلون المشكلة الكبيرة المتمثلة في: كيف يُحقق الفريق المزيد من الانتصارات؟
مثال، بما أن ميلان عانى من مشكلة كثرة الإصابات، دعنا نقُل إن هناك فريقاً ما يركز على تقليل عدد الإصابات لديه. سيضطره الأمر على تقليل نسبة اعتماده على لاعبين معينين، وقد يكون نجح فعلاً في التقليل من إمكانية إصابة ذلك اللاعب، لكن في الوقت نفسه، هذا الأمر سيؤثر حتماً على نسبة الفريق بتحقيق الانتصار، خصوصاً إذا كان لاعباً مؤثراً، لأن اللاعبين المؤثرين هم أكثر اللاعبين مُشاركة في المباريات خلال الموسم، والأكثر عرضة للإصابات.
إن شركات مثل Zelus Analytics تلعب دوراً محورياً للمساعدة في حل هذا النوع من المعضلات. هنا يأتي دور جيمي بوفي، الذي عمل سابقاً تحت إمرة فرينيغ، وكان قد أنشأ Reboot Motion المتعاونة مع Zelus Analytics، وهي شركة تُعنى بالميكانيكا الحيوية الرياضية، تعتمد على مناهج متنوعة، أبرزها Motion Cap أو التقاط الحركة، وهي عملية تقوم بتسجيل حركة الأشياء أو الأشخاص، بالاعتماد على حلم الحركة، للمساعدة في البحث عن طرق للحد من إصابات الرياضيين وتحسين مستواهم.
كل نادٍ أو مؤسسة رياضية متعاون مع Zelus Analytics لديها مجموعات مختلفة من البيانات. بالتالي، نتائج تحليل البيانات بمختلف النماذج تختلف بين نادٍ وآخر.
يقول لوك بورن إن الفرق الأكثر استفادة من عروضات Zelus Analytics، هي الفرق الأقل استثماراً بتحليل البيانات. وذلك لأن الشركة بنماذجها الخاصة، بإمكانها أن تجعلهم على قدم المساواة بفترة وجيزة مع الفرق التي تعتمد على أذكى المناهج وأكثرها تطوراً في أوروبا، وفي غضون بضع سنوات تضعهم بالواقع فوق أذكى الفرق مع استثمار ضئيل للغاية، وهذا تماماً ما تفعله فرق مثل برينتفورد وبرايتون.
بيانات حديثة.. يعني تحليلات أكثر تقدماً
كرة القدم هي لعبة المساحات، لعبة امتلاكك للمساحة، هذا ما يُميزها عن بقية الرياضات.
يمكننا استخدام بيانات التتبع الحديثة أو "Tracking Data" لفهم كيفية استحواذ اللاعب للمساحة. واحدة من أسهل الطرق لقياس المساحة هي أن تقول، "إذا أسقطت الكرة في مكان محدد، فمن هو اللاعب الذي سيكون أول من يصل إلى هناك؟" في كل بقعة على أرض الملعب، من هو أول لاعب سيصل إلى الكرة؟ أصبحت هذه الأنواع من التقنيات عنصراً أساسياً في التحليلات الرياضية.
في العام 2019، لوك بورن بمساعدة خافيير فرنانديز، رئيس قسم تحليل البيانات السابق في نادي برشلونة، كتب تقريراً عن قدرة ميسي الخارقة بقراءة المساحة وتحليل المواقف وتوقع مسار اللعب. لقد أجروا تلك الدراسة بالاعتماد على بيانات التتبع، حيث أظهرت أن ميسي يخلق الكثير من المساحة والفرص لزملائه في الفريق حتى عندما يختار عدم التحرك.
الهدف الأساسي من بيانات التتبع هي قياس الأشياء التي لا يُمكن رصدها رقمياً مثل مدى جودة تحركات وتمركزات اللاعبين وكيف تؤثر على شكل الفريق. يُفكر المدربون دائماً في استخدام الحركة لخلق المساحة، في هذه الحالة كان الأمر مثيراً للاهتمام حقاً لأنه سمح للوك وخافيير بالتفكير، "إذا كان الجميع يتحرك من لاعبي فريقك أو لاعبي الخصم، فأنت تتحرك حتى لو كنت واقفاً مكانك".
بورن وماسارا.. إعادة إحياء فترة روما
ربما قلة قليلة جداً من يعلمون أن المدير الرياضي لميلان ريكي ماسارا، والذي حصل على جائزة أفضل مدير رياضي بإيطاليا هذا الموسم، سبق وعمل مع لوك بورن في نادي روما بين عامَي 2016 و2018.
في تلك الفترة، كان بورن هو رئيس قسم تحليل البيانات في روما، بينما كان ماسارا هو المدير الرياضي للنادي. حينها عاش نادي العاصمة أشهر لا تُنسى، وذلك بعد تحقيق المركز الثاني بموسم 2016/17 برصيد 87 نقطة، والوصول إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2018. كما لعب بورن دوراً رئيسياً في إبرام صفقات محمد صلاح، أليسون، وروديغير لروما.
في ميلان، إن القدرة على تقييم "مجال التحسن" للاعب هو ما يبحث عنه مونكادا، رئيس قسم الكشافة في النادي، والذي من المتوقع أن يُجدد عقده تحت قيادة ريدبيرد: "إذا كان لاعب يبلغ من العمر 20 عاماً ويلعب مباراة سيئة، ويحصل على 4 من 10 كتقييم، ولكن لديه إمكانات كبيرة، فهذا أكثر أهمية بالنسبة لي".
يميل الكشافون القدامى إلى التشكيك في علم البيانات وفي بعض الحالات يعادونها؛ يحركون أعينهم استغراباً عندما تظهر إحصائيات مثل "PPDA" و"xG" في المحادثة.
لكن قسم التحليلات في ميلانو، الذي يعمل به مجموعة صغيرة من 20 محللاً ذكياً ويستخدم بيانات شركة ستاتس بومب، يتمتع بمستوى مثالي من التفاهم مع مونكادا.
يقول مونكادا: "في النهاية يكون لدينا تقرير شامل يحتوي على جميع المعلومات والإحصائيات".
ثم يُقدم تقاريره إلى مالديني ويشارك خبراته مع اللجنة الفنية أثناء تقييم الأهداف المحتملة.
يقول بورن: "أكثر ما يُدهشني هو مدى اهتمام الفرق بالبيانات، ولكن مدى ضآلة البيانات في التأثير على عملية صنع القرار. كان هذا ما لاحظته طوال مسيرتي المهنية. يقول مجلس الإدارة لنادٍ ما، 'نعم نحن بحاجة إلى الاستثمار في البيانات' – وقد يجلبون محللاً، ويدفعون مقابل بعض البيانات- ثم في النهاية تأثير هذا الدور يكاد يكون معدوماً. كيف يُمكن لمنظمة ما أن تقول 'نعتقد أن هذا مهم حقاً'، ولكن لا تتخذ قرارات ولو بالاعتماد على جزء ضئيل على تلك البيانات".
قد يكون أفضل مثال على ذلك، هو عندما اقترح المسؤولون في قسم تحليل البيانات في برشلونة وبالاعتماد على البيانات في العام 2017، أن يتعاقد النادي مع مبابي وهالاند. ولكن عوضاً عن ذلك، صرفت الإدارة مبلغ ربع مليار يورو على كوتينهو وديمبيلي، اللذين لم يُقدما ربع ما كان متوقعاً منهما.
عندما تتحدث عن رياضة محترفة، هناك مستويات صغيرة من التمايز- مثلاً هناك لاعب ممكن أن يكون حاسماً ويساعدك على تحقيق الإنتصار في مباراتين، بينما هناك لاعب آخر يضيف أربعة انتصارات- هذا هو الفرق بين اللاعب الذي ستدفع مقابله 10 ملايين يورو مقابل لاعب آخر بمبلغ 20 مليون يورو.
إن دفع 20 مليون يورو للاعب الذي يجب أن يحصل على 10 ملايين يورو فقط- إذا فعلت ذلك مرتين في مؤسسة أو منظومة ما، فستواجه مشكلة كبيرة حقاً. بإمكانك أن تسأل أندية وقعت بهذا الفخ مُسبقاً ومنها ميلان. الأساليب الإحصائية جيدة حقاً في هذا النوع من التقديرات الدقيقة، دعنا نقُل هناك لاعب قيمته بين 8 ملايين يورو و12 مليون يورو سنوياً، لذا بالتأكيد لن تدفع له 20 مليون يورو سنوياً.
لا يُمكن التنبؤ بمستقبل ميلان. ما زالت هناك أمور غامضة منها مستقبل الهيكل الإداري، لكن التعاون مع شركة Zelus Analytics هي خطوة للأمام، فتجربة تولوز أثبتت ذلك إلى الآن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.