مهتزون مرتبكون خائفون دائماً.. إلى أي مدى شوَّه “العنف في التعليم” أجيالنا الحالية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/04 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/04 الساعة 09:42 بتوقيت غرينتش
العنف في التعليم/ shutterstock

هناك من يبرر لأساليب مثل "المد على القدم" و"الفلَقة أو الفلَكة" بكونها كانت الطريقة الأنجع للتربية في عهد الأجيال السابقة، بينما يغفل عن الجواب عن السؤال الرئيسي: ماذا صنعت هذه الأساليب لدى الأجيال السابقة؟ هل فعلاً أسهمت في بناء الفرد المواطن والحر والمسؤول والنافع، أم أنتجت جيلاً كَلّاً على مولاه، لا يُقدر قيمة الحرية ولا المسؤولية ولا يعرف معنى المواطنة؟

هو سؤال يحتاج فعلاً للجواب عنه إلى دراسة علمية بمخرجات تجعلنا نستخلص نجاعة "الفلقة"، أو لنقل نجاعة ممارسة التعنيف على التلميذ في المدرسة وعلى الطفل وهو في المدرسة أو في المنزل. إن مرحلة أجيال "الفلَكة" تسائلنا عن نجاعتها، وعن إسهامها في تنمية إنسان تلك المرحلة آنذاك وهو يواجه الفلقة في "المسيد (الكُتّاب أو حلقات تحفيظ القرآن)"، والتعنيف في المدرسة، والاستفراد بالسلطة والثروة وانعدام المحاسبة على كل من له مسؤولية عمومية في الشأن العام، ونظام التربية والتكوين المنتهج ضمن السياسات العمومية مع تقلباته وتحوراته المتكررة، ومخططات "التنمية" المتعاقبة التي كنا موضوعاً لها وضحية من ضحاياها حتى عهد "التقويم الهيكلي" وما بعده.

إن "الفلَكة" تسائل النظام العام الذي كانت تسير عليه البلاد أسرياً وتربوياً واقتصادياً وسياسياً، وفعلاً نجحت في إنتاج جيل لا ننكر أن بعضه قد نجا وحفظ كرامته وإنسانيته من الإرادة الممنهجة للتبديد والعبث، لكن لا ننكر أيضاً أن جزءاً كبيراً من هذا الجيل تأسست لديه إرادة اللاإرادة، وحرية اللاحرية، ومسؤولية اللامسؤولية، والرغبة بل الحلم في تسلق منصب عمومي تُمارَس من خلاله كل أنواع السلطوية والمكر والخداع والتزلف والسادية.

الفلكة أنواعٌ، أدناها فلقة الطفل عند المسيد وهي المنطلق والأساس لممارسة الفلقة في مستويات عمومية مرتبطة بمجال الشأن العام وإنتاج جيل، غايته أن يشارك ناهبيه في احتكار السلطة والثروة والتباهي بها.

لقد مورست على جيلنا الفلكة بشتى أنواعها، حتى صرنا نمشي بقاماتنا المنحنية وبأصواتنا الخافتة تجنباً لإزعاج الأسياد، كان الطفل حينما تمارَس عليه الفلقة يأتي مرتعداً إلى "المسيد"، ولا خيار له سوى المجيء، وإلا تعرض لفلقة رب البيت، لا خيار له سوى أن يقبل بأن تمارَس عليه شتى أنواع الترهيب حتى إنه لا يفكر إلا في النجاة بنفسه، وأن "يعيش" آمناً في سربه ضامناً لقوت يومه"، وحين يكون بـ"المسيد" يظل يترقب في قرارة نفسه ساعة انتهاء الحصة، ويترقب أيضاً خلالها عصا الفقيه؛ خوفاً من أن تطاله، يخضع لإملاءاته، لا حق له في الاعتراض أو البكاء احتجاجاً، لكن له الحق أن يبكي تألماً او خوفاً.

أستحلفكم بالله أيها القراء، أليست صورة هذا الطفل مصغرة (en mode miniature) عن صورة "الفرد" وقد بلغ أشده في وطن لا صوت يعلو فيه فوق صوت السلطوية؟ إن الفلقة في الصغر تحضير لتقبُّل الفلقة بشتى أنواعها في السياسات العمومية وفي تدبير الشأن العام في الكبر، ليس لك الحق في الاحتجاج على من "أكل مالك وجلد ظهرك"، ليس لك الحق في المطالبة بتصحيح وضع السلطوية لتنتقل تدريجياً نحو وطن المواطنة والتداول الفعلي على السلطة والتوزيع العادل للثروات.

من يقبل بنظام الفلقة ويدافع عنها لكونها "ربّتنا"، حقَّ له ذلك، لأن التربية أنواع، أحطها أن تكون كَلّاً على مولاك لا تأتي بخير ولا نفع إلا له، وأرقاها التربية على المواطنة وعلى الحرية المسؤولة وعلى المسؤولية الفعلية التي بمقتضاها تتم المحاسبة وينجح التقويم.

إن التنمية البشرية تبدأ من هاهنا، حيث الطفل في مسيده أو فضاء تعليمه الأولي، وتنتهي هناك حيث الفضاء العام بمختلف مؤسسات المجتمع الحرة التي تمارس بالفعل دور التأطير لا التدجين، والتنشئة التحررية لا الاستعباد الممنهج، والرقابة لا التصفيق.

الفلقة بضع مئات شُعَب، أدناها وأخطرها في الوقت نفسه ممارسة الفلكة في الصغر، وأعلاها وأقواها خطراً على التنمية والنهضة الفلَقة السياسية التي تمارسها السلطوية حين تستأسد على البلاد والعباد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بوعشرين
كاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي
ناشط حقوقي وسياسي، وكاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي، من مواليد مدينة مكناس بالمغرب، خريج كلية الحقوق جامعة المولى إسماعيل تخصص اقتصاد، حاصل على الماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الإسلامية، ودبلوم دكتوراه في الفيزياء من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ناشط جمعوي ورئيس سابق لجمعية منبر الحوار للتربية والثقافة والفن.
تحميل المزيد