تأثر الاقتصاد الإيراني بشدة لعدة سنوات بالعقوبات التي فرضها المجتمع الدولي بسبب البرنامج النووي للبلاد. وبعد عدة أشهر من وصول المفاوضات التي كانت تسعى إلى العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني إلى جولتها النهائية وكان الحل في الأفق، توقفت المحادثات، مع مخاوف من احتمال انهيارها تماماً.
في الوقت نفسه، استمرت العقوبات الدولية؛ حيث يتحمل الإيرانيون العاديون العبء الأكبر لأن الهزات الاقتصادية تجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة لهم. وبعد سنوات من إدراجها على القائمة السوداء مالياً من قبل المجتمع الدولي، تعلمت إيران التأقلم. ومع ذلك، فإن التضخم المطرد، وانخفاض قيمة الريال الإيراني، وانخفاض الناتج المحلي العالمي (GDP) قد بلغ ذروته في الأزمة.
وبات يتعين على العائلات التي لا تستطيع إنفاق الكثير، سوى تغيير ما تضعه في سلة التسوق، فالكثير من الإيرانيين يستهلكون كميات أقل من اللحوم ويشترون عدداً أقل من الأطعمة المتخصصة، بل إنهم قلقون بشأن تكلفة المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والخبز.
وفي حين أن إيران لا تواجه أزمة جوع صريحة، فإن فقدان القوة الشرائية هو نوع من الأزمة الإنسانية. وكان الناتج المحلي الإجمالي لإيران في ارتفاع من عام 2010 إلى عام 2012 وتبعه انخفاض مطرد نتيجة للعقوبات الدولية على صادرات النفط الإيرانية. ثم في عام 2016، شهدنا ارتفاعاً طفيفاً نتيجة تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، فقط لنشهد انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير بمجرد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الصفقة بعد ذلك بعامين. وبحلول عام 2020، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ما يقرب من ثلث ما كان عليه في عام 2012.
من زاوية أخرى، فإن تأثير العقوبات على العملة الإيرانية ومعدلات التضخم المرتفعة التي شوهدت في إيران خلال فترة العقوبات جعلت كل أنواع السلع أكثر تكلفة، وأسعار المستهلكين أعلى بنحو 40% مقارنة بالعام الماضي. ولم تضاعف العقوبات الأمريكية أسعار السلع والخدمات الأساسية فحسب، بل أدت أيضاً إلى صعوبة العثور على أدوية معينة في السنوات القليلة الماضية.
وفي حين جادلت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة بأنها توفر استثناءات إنسانية تسمح بدخول الأدوية إلى البلاد، بينما قالت جماعات حقوق الإنسان إن فرض عقوبات ثانوية خلق مخاوف لبعض الشركات للعمل في إيران وبالتالي إعاقة الوصول إلى أنواع متخصصة من الأدوية.
وحتى في حالة توفر أنواع معينة من الأدوية، فإن التضخم في البلاد جعل بعضها باهظ التكلفة بالنسبة للإيراني العادي؛ لذلك حتى عندما تكون رفوف الصيدليات ممتلئة، تمنع العقوبات الإيرانيين من الحصول على الأدوية.
والتضخم هو واحد من أكثر الانعكاسات الكارثية للعقوبات المفروضة على إيران، وفي الولايات المتحدة، احتل التضخم عناوين الأخبار الرئيسية هذا العام حيث رأينا أنه يرتفع بنسبة 8.5% خلال الأشهر العديدة الماضية. وهذا يجبر شريحة كبيرة من الأمريكيين على العيش بنظام أكثر تقشفاً. ولكن بالنسبة للإيرانيين، كانت هذه الظاهرة تحدث منذ ما يقرب من عقد من الزمان، ومع عدم جدوى المحادثات الجارية، أوجد المواطن حلولاً لنفسه ونظام معيشته، لكن بالتأكيد يخشى الكثير من عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للتضخم المستمر.
ومع ذلك، حتى لو وافقت الولايات المتحدة على الاتفاق النووي، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، ورفعت العقوبات غداً، فإن الأمر سيستغرق ما لا يقل عن 6 إلى 8 أشهر حتى تتحسن الأمور ويتمكن الإيرانيون من استيراد السلع اللازمة أو أن تبيع الحكومة نفطها وتحصل على الإيرادات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.