بعد تحذيرات من التفكك والزوال.. لماذا تجري إسرائيل أكبر مناورة عسكرية في تاريخها الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/24 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/24 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
الجيش الإسرائيلي ، أرشيفية/ رويترز

انطلقت أوائل شهر مايو/ أيار الجاري مناورة "مركبات النار" العسكرية في إسرائيل، والتي تستمر لـ4 أسابيع تقريباً، وتشمل محاكاة اندلاع الحرب على 5 جبهات في الدوائر الـ3 الفلسطينية والعربية والإقليمية، مع نصيب الأسد للجبهات الفلسطينية طبعاً. ولكن، قبل الحديث عن حيثيات وأهداف ورسائل المناورات لا بد من الإشارة، أو للدقة التذكير بمفاهيم وقواعد منهجية واستراتيجية لفهم صحيح وأعمق لها، ولأبعادها المتعددة الداخلية والخارجية.

إسرائيل دولة فريدة بالمعنى السلبي، تعيش على حد السيف، وتستعد للحرب القادمة بمجرد انتهاء السابقة، حسب التعبير الشهير لأحد مؤسسي الكيان الصهيوني، وزير الدفاع السابق الجنرال موشيه دايان، ودولة كهذه لا يمكن بالتأكيد أن تعيش بعيداً عن أجواء العسكرة والحرب المعروف مآلها ونهايتها الحتمية طبعاً، مع انكسار أو صدأ السيف الذي تتكئ وتعيش عليه.

المناورات تعبر كذلك عن العسكرة الشاملة في إسرائيل؛ كونها تشل الدولة الصغيرة أصلاً طوال شهر، وتمثل بالتالي تجسيداً فظّاً وفجّاً لهذه الحقيقة، علماً أن العسكرة المعبرة أساساً عن طبيعة وجوهر الدولة العبرية، والتي تهدف دائماً لشدّ العصب الداخلي، والزعم أن التهديدات والأخطار الخارجية مستمرة من أجل استعادة التكاتف والوحدة في ظل الاستقطاب والانقسام، بل التشظي الداخلي الذي ينذر بأخطار حرب أهلية والزوال الحتمي للدولة، كما كتب رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، وحذّر كذلك رئيس الوزراء الحالي نفتالي بينيت ووزير دفاعه الجنرال بينيت غانتس، علماً أن الحضور الطاغي للجنرالات يمثّل تجسيداً إضافياً للعسكرة، رغم تراجعهم أو فشلهم القيادي في العقدين الأخيرين، إلا أن وجودهم لا يزال كبيراً في ساحات السياسة والإعلام والبحث والاقتصاد بموازاة تحكّم المؤسسة العسكرية – الأمنية نفسها بكافة التوجهات الأساسية للدولة الفريدة بالمعنى السلبي كما ذكرنا سابقاً.

من هذه الزاوية، أي العسكرة، تسعى المناورات إلى تضخيم الأخطار الخارجية لحصد مزيد من الميزانيات والامتيازات للجيش والأجهزة الأمنية بشكل عام، وحجب الاهتمام، وللدقة كنس التهديدات والأخطار الداخلية عن جدول الأعمال، مع الانتباه إلى حقيقة جد مهمة مفادها أن تلك الأخطار والتهديدات لا يمكن مواجهتها بالعسكرة والجيش وضخّ مزيد من الميزانيات له ولأجهزته، خاصة أنها تأتي على حساب الميزانيات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية، ما يعمّق الأزمات الداخلية التي يراد الهرب منها.

في هذا السياق لا بد من التذكير أيضاً أن الاقتصاد الإسرائيلي نفسه قائم على العسكرة والمساعدات الغربية الضخمة للجيش، كما أن شركات تصنيع السلاح والمعدات والتجهيزات ذات الصلة، التي تستحوذ على نصيب الأسد من الصادرات الأمنية بالأساس (نموذج برنامج بيغاسوس سيئ الصيت)، وقاعدة التكنولوجيا المستخدمة؛ هي غربية أمريكية أساساً، حتى مع التحديثات والتحسينات الإسرائيلية عليها.

هذا منهجياً وتاريخياً، أما في التفاصيل والحيثيات؛ فالمناورات تم تأجيلها من العام الماضي بعدما انطلقت فعلاً، ولكن بات من المستحيل استمرارها في ظل هبّة القدس ومعركة سيفها، علماً أن المقاومة الفلسطينية الشعبية تفرض معركة استنزاف متواصلة ومرهقة تضع إسرائيل تحت الضغط وعلى كافة المستويات، ولا تترك لها مجالاً جدياً للاستعداد للحرب. وهنا لا بأس بالتذكير بتوصيات تقرير لجنة فينوغراد التي حققت في حرب لبنان عام 2006، وتضمنت الإشارة إلى استنزاف وإرهاق الجيش خلال الانتفاضة الثانية 2000 – 2005 وتحوّله عملياً إلى قوة شرطية أو بوليسية، لدرجة نسيانه دوره كجيش مستعد لخوض حروب تقليدية أو شبه تقليدية، خاصة بعد حالة التهدئة والسلام مع دول الطوق العربية.

ومن هنا تهدف مناورات "مركبات النار" إلى اختبار جهوزية الجيش والأجهزة الأمنية، بما فيها استعداد الجبهة الإسرائيلية الداخلية لحرب متعددة الساحات، وفي رواية أو ترجمة أخرى يمكن تسميتها تعقيدات النار، وهو اسم كاشف لتعقيدات وقيود استخدام القوة النارية العاجزة عن حلّ أزمات إسرائيل البنيوية، خاصة في مواجهة الشعب الفلسطيني.

إذاً تحاكي المناورات اندلاع حرب متزامنة أو تصعيد على الجبهات الـ5 مجتمعة في الدوائر الـ3 الفلسطينية والعربية والإقليمية، مع نصيب الأسد للجبهة المركزية وأبعادها الـ3 في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس طبعاً والأراضي المحتلة عام 1948، حيث عربها شوكة فى عين الاحتلال، بل خنجر في صدره.

بالنسبة لغزة أعلنت إسرائيل عن تحديث ما تصفه ببنك الأهداف، وهو مصطلح عنصري أساساً؛ حيث تضاعف 400% منذ الحرب الأخيرة، لكن كمياً فقط، ودون إضافة أهداف نوعية كما قيل في الصحافة العبرية الأسبوع الماضي، علماً أن إسرائيل تستهدف البنى التحتية والمؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، في تدمير منهجي ومتعمد وجرائم حرب موصوفة، كما رأينا خلال الحرب الماضية والحروب الـ3 التي سبقتها.

وتجاه الضفة الغربية ثمة خشية إسرائيلية من تصاعد موجة المقاومة الشعبية الحالية وتحوّلها، وللدقة تطورها، إلى انتفاضة ثالثة محورها القدس، خاصة مع خضوع الحكومة الحالية، الساقطة عملياً، لغلاة المتطرفين ومسايرتهم في مشاريع التهويد والاستيطان للأقصى ومحيط الحرم القدسي الشريف بشكل عام.

ثمة استعداد وتحضير وتأهب أيضاً لمرحلة ما بعد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وهنا نلحظ تعالياً وغطرسة وعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، والسعي للتأثير على ترتيبات انتقال القيادة في السلطة ومنظمة التحرير.

وفيما يخص عرب 48 يجري التعاطي معهم كخطر أمني، رغم أنهم مواطنون "أو يفترض أنهم كذلك"، ولكنهم يتعرضون لتمييز عنصري موصوف، وبالتالي يجري الاستعداد لقمعهم واستخدام القوة الغاشمة ضدهم، حتى عند خروجهم في تظاهرات تضامن سلمية مع إخوانهم في الأراضي المحتلة عام 67.

في السياق، رفع حزب الليكود المعارض، بزعامة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، وتيرة التحريض عليهم لمزيد من الابتزاز والإحراج للحكومة، والتعجيل بإسقاطها مع التحضير لحملة سياسية وإعلامية عنصرية ضدهم استعداداً للحملة الانتخابية القادمة، كما جرى قبل ذلك فعلاً في الاستحقاقات الانتخابية السابقة.

أما الجبهة الشمالية، حزب الله وسوريا، فتعتقد تل أبيب أن الغارات الإسرائيلية المستمرة ضد أهداف لإيران وميليشياتها في سوريا لن تؤدي إلى اندلاع الحرب، ورغم التضخيم والتهويل من حزب الله وقدراته للغايات نفسها سالفة الذكر، إلا أن وسائل الإعلام العبرية تنقل دائماً عن مصادر أمنية تقديرات مفادها أن حزب الله مرتدع ومستنزف في الأزمات الداخلية التي أوصل البلد إليها، وأنه لن يبادر إلى حرب واسعة إلا في حالة وقوع اصطدام إسرائيلي إيراني واسع وكبير. ومن هنا تحديداً ستختتم مركبات النار الأسبوع القادم باختبار الجهوزية لحرب محتملة مع إيران، عبر تدريب جوي يجري في قبرص الرومية "الجنوبية"، وبحضور أمريكي لافت من خلال مشاركة قائد المنطقة الأمريكية العسكرية المركزية "سنتكوم" الجنرال مايكل كوريلا.

بالعموم تسعى المناورات الجارية لتجسيد واختبار مركبات النار الإسرائيلية، لكنها تعبر من جهة أخرى عن تعقيداتها وقيود استخدامها حيث للقوة حدود، وبالحقيقة توغل في العسكرة فيما يشبه الهروب إلى الأمام من التحديات الحقيقية، خاصة الداخلية التي لا تحل بالقوة، كما من الجبهة المركزية في فلسطين حيث الفشل والسقوط الذريع بمواجهة صمود الشعب الفلسطيني وتشبثه بأرضه وتمسكه بخيار المقاومة بكافة أشكالها لانتزاع الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف أو النسيان والمساومة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ماجد عزام
كاتب وإعلامي فلسطيني
تحميل المزيد