“الكفر يضحك من إسلامنا”.. ما الذي جنيناه من “وهم التدين”؟

عدد القراءات
947
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/12 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/12 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
بين "وهم التدين" وقمع التعددية.. لماذا يجب علينا قبول التفكير في المسائل الخلافية - صورة تعبيرية/ shutterstock

وأنا أقرأ في كتاب الأديب والمفكر اليمني مهيب نصر "الكفر يضحك من إسلامنا" قبل مدة من الآن، بتمعّن وإعجاب شديدين؛ تفاجأت أثناء وصولي لخاتمة الكتاب بجملة عميقة تقول: "قد أكفر بجل ما جاء في هذا الكتاب أو بكله يوماً ما، وقد أظل على إيماني، وذلك لأني إنسان حي"، جملة جعلتني أدرك الكثير وأستوعب أكثر، لأنها هزتني وذكّرتني بما كُنته قبل مدة، وما أصبحت عليه الآن، وكيف أن الإنسان تتغير نظرته وقناعاته مع الوقت، فيتراجع عن أفكار وآراء ثبت له تمام الثبوت أنها ما عادت تناسبه ولا تتماشى مع فكره وقناعاته.

هذا التحديث المستمر للمعارف الذي يمر به الإنسان غير المصاب بوهم امتلاك الحقيقة، وغير المطمئن للفتات المعرفي المُتحصِّل عليه، والذي لم يجعله يتوقف عن البحث والاطلاع، ويرتاح للخمول والوثوق البغيضين، هو ما يجعل المنقب عن الحق والساعي لمعرفة الآراء المتعددة والاطلاع على الأفكار المختلفة يتفوق على الآخر، المصاب بالجمود، إزاء اكتفائه من التحصيل، وركونه لما كان عليه وما يتمسك به ويقتنع، ما لن يُثبت له عكسه، كونه لا يفتح مجال الشك فيه، وهذا ما جعل دكتورنا المفكر علي الوردي يقول عن الأفكار "إنها كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام، والذي يبقى على آرائه العتيقة هو، كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد".

إن تغيير الآراء واستبدال فكرة بفكرة لا يتم بين ليلة وضحاها، وليس نتاج ترغيب أو ترهيب، لأن الترغيب غالباً يكون بشراء ذمة شخص المفكر واستغلاله والطعن في موضوعيته وصدقه، وخاصة عندما يكون المرغوب فيه من المنافع الشخصية والمحصورة على الأفراد، كذلك الترهيب الذي يمارس في أحيان كثيرة على من لا يفكر على غرارنا، فيوجس خيفة بعد الضغط عليه، ويتظاهر بالتوبة والتخلص مما تسبب له بزوبعة قضّت مضاجع من يحيطون به، فتضاعف الضغط للكفّ عن قناعاته وتأملاته، وهو ما يؤدي إلى إبطان عكس ما نظهر، والذي لا يكون من النفاق في بعض الحالات، بل هو نوع من الإيمان العميق، الذي يُرغمنا على التظاهر بالكفر واتباع الطاغوت، وفي هذه الحالة الخاسر الأول هو المجتمع، الذي رفض صوت الخلاص، لأنه مخالف لما ألفوا عليه الآباء، ويُخرج من منطقة الوهم المريحة.

غير أنه في حالات أخرى كثيرة يكون هذا الإكراه وبالاً على الأمة قبل الشخص، ويوجِد لنا طبقة منافقة ومُرائية، تنخر في عظم المجتمع، حتى تُحدث ثقباً عظيماً تمرر منه سمومها، وتلبّس على الناس ما يفضي بها عند أول سانحة إلى الطعن في الظهر، وغدر كل ما كانت تتظاهر بالالتزام والتمسك به، بيد أن بإمكاننا تجاوز كل ذلك إذا استوعبنا ضرورة تفعيل جرس مساءلة الضمير لكل واحد منا، مع خلق مساحة شاسعة في وعينا الجمعي، نستثمر فيها "التعددية"، ونؤسس فيها للحوار الجاد والخالي من الأحكام المسبقة على الأفراد أو الجماعات، مع مراعاة حرية الإنسان في المعتقد والتفكير والاستنتاج، والمكفولة له منذ بدء الخليقة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أم النصر مامين
كاتبة موريتانية
كاتبة مهتمة بالثقافة والفكر والمعرفة، حائزة على الجائزة الأولى في مسابقة تحدي القراءة العربي بدبي ممثلةً عن موريتانيا لعام 2019، وحاصلة على لقب المواطنة المثالية من منظمة "شكراً" غير الحكومية بالعام نفسه. صدر لي كتاب بالاشتراك مع كتاب وأدباء آخرين، وأكتب في العديد من الصحف والمواقع العربية.
تحميل المزيد