بعد فترة وجيزة من غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير، قال الرئيس فلاديمير بوتين إنه سينقل أسلحته النووية إلى وضع الاستعداد للقتال. ومع استمرار الغرب في إمداداته من الأسلحة إلى أوكرانيا، صعّد بوتين خطابه عن الهجوم النووي بوتيرة مذهلة.
إذاً ما مدى خطورة هذه التهديدات مع تكرارها من حين لآخر منذ بدء الحرب؟ ويشير الخبراء إلى أن بوتين قد لا يصبح نووياً في الواقع، لكنهم لم يستبعدوا إمكانية استخدام روسيا سلاحاً تكتيكياً في الحرب الأوكرانية خصوصاً مع الحديث عن قرب حسمها. وأطلق بوتين حربه ظاهرياً لضمان حياد أوكرانيا فيما يتعلق بمعركته الاستراتيجية مع التحالف العسكري الصديق لكييف والذي تهيمن عليه الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وبشهره الثالث، أدى الغزو إلى تشريد الملايين وقتل الآلاف وتدمير مدن متعددة. لكن أوكرانيا لم تسقط رغم عدم امتلاكها قنبلة نووية. وقد أثار هذا مخاوف من أن بوتين المحبط قد يستخدم سلاحاً تكتيكياً (منخفض القوة ولكنه لا يزال مدمراً بشكل لا يمكن تصوره).
وللأسلحة النووية التكتيكية نطاقات قصيرة ولا تؤدي إلى حرب شاملة. ويمكن وضعها على الصواريخ أو إطلاقها كقذائف مدفعية على مسافات قصيرة نسبياً. كما تم تطوير أسلحة نووية تكتيكية للطائرات والسفن لاستهداف الغواصات.
ولكن ما مدى جدية بوتين؟ فلم تستخدم القنابل النووية إلا مرة واحدة في الحرب، وحدث هذا عندما قصفت الولايات المتحدة مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين مع انتهاء الحرب العالمية الثانية. فهل يمكن أن تكون روسيا ثاني دولة تكسر المحرمات؟
على الرغم من أن العقيدة النووية الروسية لا تتطلب من دولة معادية استخدام مثل هذه الأسلحة أولاً، فإن هناك العديد من الأسباب التي قد تجعل بوتين لا يقصف أوكرانيا بالسلاح النووي، على الأقل ليس بسلاح كامل. والسبب الأكثر وضوحاً هو أنه يمكن أن يؤدي ذلك إلى حرب نووية شاملة لن يكون لها سوى الدمار وليس بها رابحون. وحتى الآن، وقف حلف شمال الأطلسي المسلح نووياً إلى جانب أوكرانيا، ولكن ليس في قتال مباشر لأنه ليس جزءاً من التحالف العسكري الغربي.
ويريد الناتو بشكل أساسي تجنب المزيد من الأعمال العدائية مع روسيا والتي يمكن أن تؤدي إلى حرب عالمية مروعة ثالثة. ولكن استخدام القنبلة النووية -إن حدث- سيغير كل شيء بشكل جذري. وكل الرهانات ستنتهي.
وتمتلك الولايات المتحدة وروسيا أكبر عدد من الرؤوس النووية. وكانت الولايات المتحدة قد نشرت رؤوساً حربية نووية منخفضة القوة على أراضي حلفائها الأوروبيين، في جوار بوتين. وهنا يحضرنا أن نتذكر أن أحد الأسباب التي دفعت بوتين إلى غزو أوكرانيا -المنطقة العازلة الاستراتيجية بين روسيا والغرب- كان نيتها الانضمام إلى الناتو.
ويزعم بوتين أن أوكرانيا جزء من روسيا، إذاً لماذا سيقضي على أراضي بلاده بالسلاح النووي؟ فسيؤدي هذا إلى إرسال رسالة خاطئة وينسف كل نظرياته السابقة. ثم دعونا لا ننس أن روسيا تشترك في حدود طويلة مع أوكرانيا، وستكون عواقب استخدام القنبلة النووية، حتى لو كانت تكتيكية، تطال روسيا أيضاً. وسبب آخر هو أن روسيا حليف وثيق للصين التي لديها عقيدة "عدم الاستخدام الأول" النووية، وإن ضرب أوكرانيا نووياً قد يكلف روسيا دعم الصين، وبالتالي الصين لن تكون راضية عن الخطوة من البداية.
وما سيحدث في المستقبل -إن حدث- يمكن فهمه في كثير من الأحيان من الأحداث الماضية. فليست هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها روسيا مثل هذه التهديدات، ففي عام 2008، حذرت روسيا بولندا من هجوم نووي إذا انضمت إلى برنامج الدفاع الصاروخي الذي ترعاه الولايات المتحدة. وانضمت بولندا إلى البرنامج ولم تكن هناك ضربة نووية. وحتى في عام 2014، حذرت روسيا من أن أي محاولة لإخراجها من شبه جزيرة القرم (التي ضمتها) ستؤدي إلى رد نووي.
ولكن الخبراء يخشون من أن بوتين اليائس -على الرغم من تهديداته التي لم تنفذ سابقاً- يمكن أن يستخدم سلاحاً تكتيكياً هذه المرة، على الأقل بعيداً عن ساحة المعركة تلك، لتخويف أوكرانيا ودفعها إلى الاستسلام، ويقول بعض الخبراء إن هدف بوتين النووي قد يكون "في مكان ما في بحر الشمال"، ربما بين الدنمارك والمملكة المتحدة. ويمكن أن يكون الهدف غابة فارغة. ومع ذلك كله، لم تمنع تهديدات بوتين السابقة الغرب من إمداد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية.
ما قد يحفز بوتين الآن أكثر هو الجوع لإعادة ترسيخ نفسه قائداً يُخشى منه. فكيف سيكون رد فعل العالم على تحذير روسيا من أنه لا ينبغي الاستهانة بخطر الحرب النووية إذا تم تجاوز "الخطوط الحمراء"؟ والولايات المتحدة، مع بقية الغرب، لا تأخذ الأمور باستخفاف، وتعلم ما هي الخطوط الحمراء، وقال مدير وكالة المخابرات المركزية، بيل بيرنز، إن تهديدات بوتين لا ينبغي تجاهلها.
من زاوية مختلفة، يشعر البعض بأن خطاب بوتين النووي قد يكون جزءاً من العقيدة العسكرية لروسيا: التصعيد من أجل التهدئة. فقد يعني هذا: إصدار تهديد نووي ثم التفاوض الذي يفضي إلى رضا روسيا. ولكن لا أحد يستطيع قراءة أفكار بوتين. إنه قادر على أي شيء. ومن الواضح أن العالم، على حد تعبير بيرنز، قلق للغاية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.