الانتخابات بلبنان.. هل تنجح في استعادة الدور المسيحي والسني من هيمنة إيران والأسد؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/07 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/07 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش
الدعاية الانتخابية في لبنان/ رويترز

انتهت المرحلة الأولى من انتخابات الخارج في لبنان، على أن تُستكمل بالمرحلة الثانية الأحد 8 مايو/أيار 2022. وقد شملت انتخابات الجمعة 10 دول: 9 دول عربية وإيران، فيما ستشمل غداً الأحد 48 دولة، فيها أغلب ناخبي الخارج، الذين وصل عددهم إلى 194,348 ناخباً، ووصلت نسبة الاقتراع إلى 59%، بعدما صوّت نحو 18 ألف ناخب من أصل نحو 31 ألفاً، بينما كانت النسبة في العام 2018، في الدول العربية، نحو 65%. وهذه النسبة من شأنها أن تحدد مثيلتها يوم الأحد، في 8 مايو/أيار، في الدول الغربية، إضافة إلى دولة الإمارات، ثم في لبنان لاحقاً، إذ بدا لافتاً انخفاض نسبة الاقتراع في السعودية، حيث الثقل الأساسي للناخبين السنّة.

في الانتخابات التي بدأت اليوم تعول مجموعات تشرين على الزخم الإعلامي والصوت العقابي للمغتربين لرفع حظوظ التصويت لها. وظهر تفاوت استعداد لوائح المعارضة على المستوى التقني، حيث تميزت لائحتا شمالنا، ولائحة توحدنا للتغيير في الشوف-عالية، بعمل ماكيناتها الانتخابية، أسوة بالماكينات الحزبية التقليدية في رصد الناخبين وتسجيل الذين صوتوا لها.

علماً أن شبكات المغتربين الداعمة للوائح قوى التغيير خصصت مندوبين لجميع اللوائح (أكثر من 400 مندوب في مختلف الدول). وأكدت مصادرها أن حماسة المغتربين كانت لافتة للتصويت لها، بخلاف الدعاية الحزبية، التي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي، التي بثتها بعض الماكينات الحزبية. فقد تميزت الانتخابات بحضور لافت لمجموعات التغيير بعدد الشبان والشابات المتطوعين، تحت شعار "صوّت للتغيير"، الذي طبع على قمصان المناصرين، وذلك رغم الإمكانات المادية المتواضعة.

في المقابل، بدا لافتاً الحضور الكثيف للقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، خصوصاً في السعودية وقطر، لناحية عدد مندوبيهما أو لناحية التجمعات الانتخابية أمام مراكز الاقتراع. علماً أن حضور مندوبي قوى التغيير كان كبيراً، وأتى في المرتبة الثانية بعد القوات. أما التيار الوطني الحر فكان حضور مندوبيه خجولاً، وأقل حتى من مندوبي حزب الكتائب، بل يوازي حضور مندوبي تيار المردة وبعض قوى الممانعة، مثل المرشح جهاد الصمد، الذي مثّل لوائح الثنائي الشيعي، لعدم تواجد مندوبين لهم. وهذا يؤشر إلى حجم الأصوات التي سينالها كل فريق بعد فرز الأصوات يوم الأحد، في 15 مايو/أيار.

وهذا الاندفاع المتوسط لدى المغتربين يؤكد نظرية أن الانتخابات حاصلة رغم العراقيل المتعددة التي حاول بعض الأطراف الداخلية افتعالها، بهدف منع حصول هذا الاستحقاق، وتحديداً التيار الوطني الحر، الذي سيكون الخاسر الأوضح والأبرز والرئيسي في هذه المعركة، رغم مساعي الحزب لتجميله في المعادلة وتسهيل كل الظروف له. إلّا أنّه بدا واضحاً أنّ قراراً دولياً كبيراً وحازماً فرض على منظومة الحكم إجراءها، وإلا العقوبات المؤلمة والموجعة، ما يعني أنّ مواعيد الاستحقاقات القادمة والمنتظرة لن تعود إلى شماعة التأجيل مستقبلاً، بعد حقبة طويلة دامت عقوداً عدة، وكانت تهدف فعلياً إلى نسف روح الديمقراطية واحترام آليتها، وسط بلدان كثيرة لم تعرف ولا تريد أن تتعرف على مبدأ تداول السلطة، وتحديداً في سوريا.

رغم ذلك، ثمة استثناء آخر وأخير سيظهر مع الانتخابات الرئاسية القادمة، والتي من المرجح أن تشهد فراغاً رئاسياً محدوداً دون مهرب منه قد يمتد لأشهر قليلة. وعليه فإن العديد من القوى الداخلية (المعارضة وقوى التغيير)، والخارجية، وتحديداً دول كفرنسا والولايات المتحدة ومعها مصر وقطر، تأمل في أن تشكّل الانتخابات النيابية بداية نهاية العهد الأخير من مرحلة الانهيار الموجعة والمرعبة التي عاشها لبنان، على أن يكون موعد اختتام الفصل الأخير مع انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية اللبنانية، خلفاً لميشال عون، وطَيَّاً لصفحة التفكير بالإتيان بصهره جبران باسيل للرئاسة الأولى.

والأكيد أن الانتقال لما بين المرحلتين سيكون مرحلة صعبة ومؤلمة، ولن تقلّ صعوبة عمّا سبق، وربما أكثر ارتطاماً وانهياراً. والأكيد والواضح أن هناك تسوية سياسية كبرى برعاية أمريكية وبمباركة الفاتيكان، وتقود هذا الحراك باريس ومعها السعودية بغطاء مصري وقطري، بهدف ترتيب أسس المرحلة المقبلة أو مرحلة إعادة بناء مؤسسات الدولة المنهارة.

وعليه فإن هناك رؤية دولية تفرضها التبدلات الهائلة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وهو ما بات يُعرف بإعادة رسم الخريطة السياسية فيها، في ظل التقارب العربي- التركي، والابتعاد السعودي عن واشنطن. في ظل الحرب الكونية بالوكالة بين أوكرانيا وروسيا، والتي ضربت أسس وجوهر الاستقرار الأوروبي، لكن هذه الظروف العاجلة لم تؤدِّ بالشركاء الدوليين إلى الدفع نحو تأجيل معالجة الملف اللبناني عن كثب وفي العمق.

ومن هنا يجري التركيز على معركتين أساسيتين؛ الأولى متعلقة بدور لبنان وتاريخه وحضوره المعركة على تاريخ لبنان ومستقبله، وعلى إقناع المسيحيين بالعودة للعب دور محوري بعد أن تحولوا في عهد ميشال عون لقوى متصارعة، لذا فإن هناك معركة وجودية لتحويل الأمور على نحوٍ معاكس للظروف التي فرضها الرئيس ميشال عون وتحالفاته وصهره منذ 2005، واستفاد منها حزب الله، بكون عون قادماً من منفى كتسونامي مسيحي في وجه القوى التي تسعى لتغيير وجه لبنان.

لذا تبدو إيران ومن خلفها حزب الله أشد الحريصين على إنجاح حلفائهم المسيحيين باسيل-فرنجية، لاستعادة شرعية مسيحية مرتبطة بشرعية شيعية مع اختراقات سنية، في ظل الأداء الطفولي لتيار المستقبل بالمقاطعة والانسحاب من المشهد، ما يُعزز كتلة إيرانية صلبة تثبِّت قوة حزب الله، وتبيِّن أنه غير منبوذ لبنانياً وصاحب أكثرية نيابية، وهذا ما تسعى لمعاكسته قوى متصارعة كالقوات اللبنانية التي في مقابلها حضور لقوى المجتمع والثورة داخل الشارع المسيحي، وتعول على موجة معاكسة للتيار الوطني الحر والمردة ومسيحيي حزب الله؛ انطلاقاً مما تسببت به بعد الانهيارات الكبرى التي حصلت كلها في عهد عون، المتحالف مع حزب الله والنظام السوري.

فيما المعركة الأخرى تقودها دول عربية على رأسها السعودية وقطر ومصر، بغية تحفيز الناخب السني على النزول للمشاركة الكثيفة بالانتخابات، بعد قرار الحريري الانكفاء والممارسات التي يقودها المقربون منه، لدفع الناخبين السنة للمقاطعة، بهدف إظهار الحريري الأول سنياً، وأن ما يقوله يَسري على أغلبية السنة.

وهذه المعركة مردها الرئيسي عدم إخراج السنة من المعادلة الوطنية، وعدم إفساح المجال لحزب الله وحلفائه وبعض الطارئين بالتسيّد على المقاعد السنية، وهناك حركة كثيفة يقودها فؤاد السنيورة، مدعوماً من أطراف عربية وإقليمية، وهناك حراك معارض للثورة قد يفضي لتحقيق القوى الثورية خروقات سنية في طرابلس وعكار وبيروت لتحقيق توازن، ما دام الحريري لا يود وقف مسلسل الانسحاب المجهول.

لذلك يمكن اعتبار العودة السعودية إلى لبنان والاهتمام بالانتخابات جزءاً من تجميع الأوراق؛ استعداداً لمرحلة إقليمية مقبلة على التفاوض أو الاشتباك مع إيران، في ظل التلاقي السعودي والتركي في سوريا والعراق.

والخلاصة أن كل طرف أو قوة إقليمية باتت تحتفظ بأوراق قوتها انتخابياً في لبنان أو في سوريا، عبر الرغبة السعودية القطرية التركية بإعادة ترتيب المعارضة السورية، بعد مساعي الإمارات لإعادة تعويم الأسد، والوهم في سحبه من الحضن الإيراني، وعدم انتظار ما يمكن أن يقدّمه الأمريكيون أو الروس للقوى الإقليمية الفاعلة من بوابة فرض الفرص والتحولات، وليس انتظارها كهدية أو قربان سياسي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد