بالشعارات والتلاعب بالكلمات.. كيف تخدع أحزاب السلطة الشعب في لبنان بوعودها الانتخابية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/05 الساعة 10:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/05 الساعة 10:33 بتوقيت غرينتش
الدعاية الانتخابية قبل الانتخابات البرلمانية في لبنان/ رويترز

كنا قد عرضنا في مقال سابق بعض خصائص الجمهور التي تستغلها الأحزاب للسيطرة على الشعوب، كما بيّننا الحاجة الفطرية للقائد القادر على تلبية احتياجات الناس ضمن منظومة الدولة التي يعمل بها. وعند فقدان النظام وتحلّل مؤسسات الدولة وغيابها عن القيام بدورها، يستغل الزعيم الحزبي حاجات الناس لفرض المزيد من الهيمنة عليهم، كما هو الحال في لبنان؛ حيث تفرض أحزاب السلطة نفسها على الشعب عبر التحكم بحاضره ومستقبله.

نستكمل في الفقرات التالية محاولتنا في فهم وتحليل نفسية الشعب اللبناني، وخصوصاً جماهير الأحزاب؛ علّنا نساهم في تحسين الخيار الانتخابي عند اللبنانيين. 

تأثير الشعارات الغامضة في مزاج الناخب

مع اقترابنا من 15 أيار/مايو، موعد إجراء الانتخابات النيابية في لبنان، تنشط أحزاب السلطة في استنهاض همة جمهورها للتصويت لها بكثافة. فبالإضافة للتجييش الطائفي والمذهبي وتوزيع المال الانتخابي لفرض المزيد من السيطرة على الناس، تلجأ الأحزاب كما هي عادتها إلى إطلاق شعارات ووعود انتخابية توهم بها نفوس الناخبين. وكلما زاد غموض الوعود والكلمات يزداد تأثيرها في نفوس الناس.

لنفهم ذلك أكثر علينا التوقف لحظة عند قواعد علم النفس. فمن المعروف أن لكل كلمة أو عبارة صورة ترتبط بها في المخيلة، يتخيلها المستمع ليتمكن من فهم المعنى بشكل أوضح. فعندما يستمع الشخص لخطابٍ ترِدُ فيه عبارات مثل "بناء مدرسة" أو "شقّ طريق" أو "افتتاح سوق" فحينها يمكنه بكل سهولة رسم الصورة الصحيحة لما سمع، وإدراك المعنى بشكل سليم، وبالتالي محاسبة المرشح لاحقاً إن فشل في تحقيق ذلك.

ولكن بعض الكلمات يصعب تحديد معانيها بسرعة أو رسم صورة دقيقة لها. ومع ذلك، يعمد المرشحون إلى تكرار تلك الكلمات؛ لأن لها سحراً يترك أثراً كبيراً على الجمهور. فعند سماع الناس لعبارات مثل "محاربة الفساد" و"تحقيق العدالة الاجتماعية" و"حقوق المسيحيين" يصعب عليهم تخيّل صورة سريعة للمعنى المقصود. فهذه العبارات تحتاج إلى مجلّدات وشرح طويل لإيصال معانيها. كما أنها غامضة وعامة ولا تعرض موضوعاً خاصاً يستطيع الناخب العادي محاسبة المرشح عليه لاحقاً. ولكنها في ذات الوقت تولّد أثراً إيجابياً في مخيلة المستمع وتوهمه بعلم المرشح، كما تمنحه الأمل في أن المرشح المذكور قادر على قيادة المجتمع.

عدم قدرة الناس على متابعة وعود الأحزاب

تستغل أحزاب السلطة تأثير تلك الكلمات والشعارات على الجماهير لصالحها ولتمكين سيطرتها على الناس، فبقيت تلك الأحزاب لفترة طويلة تبيع اللبنانيين وعوداً وأوهاماً عبر التنقل من شعار لآخر حسب ما تقتضي المرحلة. ومما سهّل عليها ذلك، هو ذاكرة الناس التي تنسى الوعود السابقة ولا تتحقق إن كان المرشح قد حقّقها قبل أن يطلق وعوداً جديدة.

فالتيار الوطني الحر الذي أطلق وعود الكهرباء 24/24، هل نجح في ذلك قبل أن ينتقل لشعارات التدقيق الجنائي ومكافحة الفساد مثلاً؟ أو حزب الله الذي ما برح نوابه يعدون الناس بالإفصاح عن أدلة على فساد شخصيات وأحزاب لم يقدموا منها شيئاً حتى الآن. هل حقق وعده في شعاره "نبني ونحمي" من بناء وتمكين مؤسسات الدولة، أم أنه سكت عن استباحتها من قِبل حلفائه قَبل خصومه؟ وتيار المستقبل الذي يكرّر وعوده في كل مرة عن حل ملف الموقوفين الإسلاميين في السجون والمنطقة الاقتصادية في طرابلس والجامعة اللبنانية في عكار. كيف يمكن لمن فشل في تحقيق وعود سابقة أن يتجرأ على إعادة إطلاق وعود وشعارات جديدة لولا أن الناس عاجزة عن متابعة ومحاسبة المقصرين.

واللائحة تطول في الأمثلة عن الأحزاب التي لم تستطع تحقيق أيّ من شعاراتها السابقة قبل إطلاقها شعارات جديدة. ومع ذلك، لا تتوانى عن بيع المزيد من الوعود والأوهام. هي مجرد وعود من دون حلول ولا رؤية.

ضياع الناس بين الشعارات

وكلّما زادت قدرة الأحزاب على اكتشاف شعارات جديدة تفتقد للمعنى الدقيق فإنها أقرب لاستمالة أعداد أكبر من الناخبين. فبعض العبارات إمّا قد عفا عليها الزمن أو استُهلِكت كثيراً وضعف مفعولها في تجييش النفوس. فشعار محاربة الجماعات التكفيرية تراجع وظهرت شعارات التصدي للحصار الاقتصادي. ووعود الكهرباء تراجعت لصالح استعادة حقوق المسيحيين. وشعار الوقوف في وجه حلفاء الوصاية السورية لسنين غاب بعد التسوية الرئاسية ليحلّ مكانه وعد الـ900 ألف وظيفة. وهكذا يضيع الناس من وعد إلى آخر. وتسوقهم أحزاب السلطة من معركة إلى أخرى دون أن ينالهم منها نصيب.

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تتقصد الأحزاب إطلاق الشعارات والوعود الانتخابية الأكثر غموضاً؟ والجواب على هذا التساؤل سهل. فبالإضافة لإيهام الناس وتعجيزهم عن متابعة الوعود، يريد المرشحون الحزبيون ضمان الهروب من المسؤولية لاحقاً. فاستعمال المرشح لعبارات شاملة وغير دقيقة يضمن عدم ملاحقة خصومه له في المستقبل ومواجهته بها أمام الرأي العام، حيث بالإمكان عندها الالتفاف والتحايل في الدفاع.

فلا تنبهر أيها اللبناني بسيرة المرشح، وركّز على إنجازاته، فالانتخابات هي فرصة لك حتى تحاسب من باعك الوعود دون أن ينفذ شيئاً منها، وإلا "بعمرك ما رح تتعلم"..  (يُتبع). 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ميسرة عنتر
كاتب لبناني مهتم بالشؤون الاجتماعية والسياسية.
كاتب لبناني مهتم بالشؤون الاجتماعية والسياسية.
تحميل المزيد