رسائل إلى كل من…
إلى كل من أخطأ في حق مصر والمصريين، وإلى كل من حرض على القتل وهدر الدماء، وإلى كل من ساعد وحرض وشارك في قتل المصريين وسفك دمائهم، وإلى كل من انتشى وصفق وفرح لرؤية دماء المصريين وهي تهدر وتراق بعيداً عن القانون والعدالة، (أقصد هنا العدالة الحقيقية غير المسيّسَة)، وبعيداً عن أروقة المحاكم.
أنا لا أشير هنا إلى من قُتلوا في رابعة والنهضة فقط، بل أشير لكل المصريين الذين قتلوا وسُفكت دماؤهم، مسلماً كان أو مسيحياً، ليبرالياً كان أو ثورياً أو إسلامياً، كل المصريين الذين قتلوا بدءاً من ثورة 25 يناير، سواء أكانوا مدنيين أم عسكريين أم شرطة، ماراً بمحمد محمود وماسبيرو واستاد بورسعيد والزمالك، وفي شوارع مصر وفي الجامعات، أم من قتلوا من جنودنا بقواتنا المسلحة المصرية في الدفاع عن الوطن أو غدراً في شبه جزيرة سيناء. إلى كل من قام يزرع الكُره وحب الانتقام في نفسه الأمارة بالسوء، وفي صدور المصريين.
هل نسينا من نحن؟ هل قست قلوبنا وأغمضت أعيننا وتركنا عقولنا وأرواحنا في أيدي من يريد أن يفرق بيننا ويدفعنا إلى التناحر والاقتتال؛ لنُهلك قوتنا، وندمر قدراتنا، ونكسر إرادتنا، ونحرق بلدنا بأيدينا؟ فلقد نجحوا في تحقيق ذلك في العراق وسوريا عن طريق عملائهم هناك، وهم في طريقهم لتحقيق ذلك في مصر عن طريق عملائهم المزروعين بيننا، بعد أن نجحوا في الخطوة الأهم والأكبر، بعد أن زرعوا الكره بيننا، وجعلونا يقتل بعضنا بعضاً، فلم يعد لهم إلا الخطوة الأخيرة، وهي أن ندمر بلدنا بأيدينا.
فهل لنا أن نستيقظ ونفيق لننقذ بلدنا؟! وهل لنا أن نستيقظ ونفيق لنعي مدى الكارثة التي نمر بها؟! ومدى الخطر الذي يحدق بنا؟! هل نمتلك القدرة على أن نكتشف أخطاءنا ونعي الوضع المرير الذي نحن فيه؟! وهل نمتلك الشجاعة على الاعتذار عما اقترفناه من أخطاء في حق أولادنا وأهلنا وفي حق بلدنا؟! وهل نمتلك الشجاعة على الاعتذار عن أخطائنا في حق أنفسنا وفي حق بعضنا؟! وهل لنا أن نتخلص من ثقافة التحريض والتخوين والإقصاء ورفض الرأي الآخر؟! وهل لنا أن نغرس شجرة الحب والوئام والفضائل والقيم والأخلاق لنستظل جميعاً بظلها؟! وهل لنا أن نسترد شهامتنا وعزتنا وكبرياءنا وإنسانيتنا وكرامتنا؟! أسئلتي هذه موجهة لي ولك.
أسئلتي هذه موجهة لنا جميعاً ودون استثناء، من أكبر مسؤول إلى كل رجل في الشارع، لكل أبناء وطني، فعلينا جميعاً أن نتلاحم أولاً، ليمكننا ذلك من تخليص مصر مِمَّن ينهبها ويجرفها ويقزّمها، تخليص مصر مِمَّن يريدنا مقسمين متنازعين متناحرين، تخليص مصر من الآفات والأمراض والأوبئة التي تملكت منا، والتي عششت في عقولنا أولاً، ثم في قيمنا وثقافتنا وعقيدتنا وهويتنا ومجتمعنا.
علينا جميعا مسؤولية تخليص مصر من ناهبي المال العام، ومن الفاسدين، ومن مراكز القوى، وبعض رجال الأعمال الذين يحرضون ويوجهون قوة الدولة، جيشاً وشرطة وقضاءً، ضد الشعب، حتى وإن سالت الدماء بركاً وبحوراً، وانهارت المبادئ والقيم والعقائد، وانتشر الفساد والفسق والفجور، فهم الذين يقفون حائلاً ضد التغيير، يقفون حائلاً ضد تطلعات وأماني وأحلام الشعب المصري.
علينا مسؤولية النهوض من أجل التغيير، تغيير نظام حكم الفرد الواحد الديكتاتوري إلى نظام حكم ديمقراطي مدني حقيقي تعددي مؤسسي. علينا أن نفعل ذلك من أجلك أنت ومن أجلي ومن أجل أولادنا وأحفادنا. علينا جميعا مسؤولية بناء دولة تليق بنا وبحضارتنا وقيمنا التي تربينا عليها.
علينا جميعا مسؤولية بناء دولة نفتخر بها، ولكي يفتخر بنا أولادنا وأحفادنا من بعدنا، بأننا تركنا لهم وطناً مرفوع الهامة بين الأمم. وإن لم نفعل ذلك، فسيلعننا التاريخ قبل أن يلعننا أولادنا وأحفادنا من بعدنا؛ لأننا لم نحافظ على وطن ضحى من أجله أجدادنا.
فاتقوا الله في أنفسكم وأولادكم ووالديكم وأهلكم، وأرضكم وأعراضكم ودينكم وبلادكم ووطنكم، وهبوا على قلب رجل واحد؛ من أجل تغيير نظام بالكامل جثم على صدور المصريين لعقود طويلة، ولم يخلّف غير الفقر والبؤس والخوف والتعاسة والشقاء، بعد تدمير اقتصاد وتجريف مقدرات البلاد وتبديد الثروات؛ ما يتطلب منا إجراء مصالحة وطنية كاملة، تعمل على توحيد جميع أطياف المجتمع بجميع طوائفهم ومعتقداتهم ودون استثناء. فمصر في أمس الحاجة لمصالحة وطنية، والتي لن تتم إلا عن طريق رجال جدد وطنيين شرفاء، لم تلوث أيديهم بدماء المصريين، ولم يشاركوا في نشر الفساد والتفريط في الأرض والحقوق، وتدمير اقتصاد البلاد.
مصالحة وطنية بالتأكيد دون رجال المرحلة الحالية والسابقة المنتمية لمدرسة 23 يوليو/تموز 1952.
غير ذلك فهو سراب ومهادنة ومداهنة؛ من أجل الهروب من المسؤولية، وضمان عدم المساءلة عن إغراق الدولة في الديون، وتبديد ثرواتها ومقومات تماسكها، وتدمير مستقبل البلاد، وتضييع حقوق العباد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.