كأن البعض كان ينتظر تدخل الأستاذ ياسين العمري ليطلق الأقلام المسمومة، وأقلام الاسترزاق -على حد رأيي- ومنها ما يصنف نفسه ضمن "الإسلام المعتدل"، ومنهم المؤثر التافه خاوي الوفاض، وكذلك الذين يبدون الآراء في جميع المواضيع بدون علم، ولنستعرض هنا ما حدث.
الحقيقة أننا كل سنة نعيش واقع "الحموضة" و"الميوعة" في نسبة كبيرة مما يُقدم من برامج ومسلسلات وكبسولات دون المستوى في رمضان على القنوات الوطنية المغربية، بل إننا نشاهد مواضيع لا تمت للواقع المغربي أو تاريخه أو ثقافته بصِلة، وهي للأسف عادة تعايشنا معها، وآخرها أبرز مسلسل لهذه السنة من أداء الممثلة "دنيا بوطازوت" مسلسل "المكتوب" الذي يدور حول شخصية "شيخة" (شيخة في المغرب تعني مغنية شعبية، وأحياناً راقصة)، ويتناول المسلسل حياتها ومسارها، وكذلك مجالها وعلاقاتها بالحياة بصفة عامة (مع الاحترام التام للشيخة كمهنةٍ قديمة وذات مفكرة).
هذا المسلسل الذي يدخل في خانة الفن والإبداع يمكن لأي شخص مهما كان أن يقدم في حقه نقداً، وهي حرية مكفولة للجميع، هذا ما تكلم عنه الأستاذ ياسين العمري بطريقة مباشرة وعادية، إذ إنه عبّر عن رأيه بخلفية إسلامية عادية ومعتدلة، لم يحرض على العنف أو يمسّ كرامة شخص ولم يوجه خطاباً معادياً للسامية، بل إنه ناقش "حموضة" موضوع مسلسل يعرض في قناة وطنية.
هل المواضيع انتهت في المغرب وأصبحنا نعيش وسط التسلق الطبقي وانتهاز الفرص والتدخين وإباحة الخيانة؟!
جميع القنوات الوطنية لديها الحق في تقديم أي نوع من الأفكار، وأي مسلسل وفق أجندتهم وتوجههم، لنا أيضاً الحق والحرية -كلٌّ من مكانه- في تقديم نقد وبسط الحديث عن أي عمل فني.
لكن عندما قدم الأستاذ ياسين العمري فكرته ومرجعيته أصبح محط تنمر وتنقيص، بل إن الموضوع انتقل من أفكار إلى مناقشة شخص الأستاذ ياسين العمري وحجمه ووجهه ولحيته. كفانا! من يريد أن يناقش وأن يحلل، فالملعب كبير، لكن بدون شخصنة النقاش، كن في المستوى وقدم رداً مقنعاً على ما قال، كن في المستوى ولا تكن ضمن الغوغائية، أم أنه ليس لديكم الجرأة في مناقشة المنطق؟!
بدون خلفية أو أجندة، لنتكلم بالمنطق هل ما يقدم من أعمال يمكن القول إنها في المستوى؟ الجواب ببساطة لا.
فلا داعي إذاً لتغطية الشمس بالغربال كما نقول بالعامية، لأننا أمام تفاهة ومال عام يهدر من أجل إنتاج فاشل وساقط!
ثم عندما يأتي شخص ويضع إصبعه على المرض ويبرز مكامن الخلل والتفاهة، نقوم بمهاجمته والتقليل من شأنه والتنمر عليه كما فعلوا مع الأستاذ ياسين العمري، أما التافهون وصناع المحتوى الرخيص فنقول لهم لا لاحتكار الرأي يا مغاربة، لنناقش الأفكار، ولنرتق.
المغرب لا يحتاج إلى مسلسل يتكلم على مسار "شيخة" مع كل الاحترام والتقدير لشخصها، وإنما مغرب اليوم يحتاج إلى فن يناقش المعيشة التي أصبحت صعبة، يحتاج إلى فن يتكلم عن أزمة السكن وصعوبة الزواج وتكوين أسرة بدون ديون البنوك، نحتاج إلى فن يتكلم عن معاش لا يكفي المتقاعد ولا يغني ولا يسمن من جوع، نحتاج إلى فن يتكلم عن القطاعات التي قتلت من صحة وتعليم، هذا هو الفن الحقيقي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.