القضية الفلسطينية وهي من أقدم القضايا المعاصرة، إذا ما أردت الحديث عنها ستقف عاجزاً أمامها ولن تجد باباً منفرداً للدخول إليها، فهي قضية إنسانية قانونية اجتماعية ثقافية، وبعبارة أخرى فهي من أبشع وأفظع أنواع الجرائم التي ترتكب يومياً بحق الإنسانية، من قتل واعتقالات وطمس هوية وتغيير ديموغرافي وتشويه للتاريخ وحصار وتجويع وغيرها من الفظائع التي لا يمكن أن نتخيل وجودها في عصرنا هذا، فإن هذا الكيان الذي يحتل فلسطين ويمارس كل أنواع الجرائم الإنسانية والعنصرية بحق الشعب الفلسطيني قد وقف القانون الدولي أمامه مكبلاً عاجزاً عن إلزامه بتنفيذ قرار واحد من قراراته.
ومما يثير السخرية بحق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هو الخيانة والخذلان الذي تعرض له من قِبل أشقائه العرب الذين عانى بعضهم من احتلال وظلم وإجرام هذا الكيان، واليوم نجد معظم حكومات الدول العربية تقف متفرجة أمام الاعتداءات التي تمارس بحق هذا الشعب الصامد المتمسك بأرضه، والمحزن أن نجد بعض الدول العربية قد وقعت اتفاقيات سلام مع الكيان متجاهلين معاناة أشقائهم الفلسطينيين.
ومما يعجز أي داعم للقضية الفلسطينية من أن يتقبله خبر إحدى صحف الاحتلال التي قالت إن طيران دولة عربية يلغي مشاركته باحتفالية تأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي احتجاجاً على ما يحصل بالقدس اليوم، المفاجأة هي أنه هل بالفعل كان العرب سيحتفلون بتأسيس دولة الاحتلال التي مارست على مر سنوات أبشع المجازر بحق الفلسطينيين؟! والسؤال الآخر هل المصالح الاقتصادية أصبحت سبباً للتجرد من قضيتنا الإنسانية وتسمح أن يضع العرب يده بيد من يمارس هذا الإرهاب بحق الفلسطينيين.
على صعيد آخر، قد رأينا العالم بأجمعه يقف خلف أوكرانيا بعد الهجوم الروسي عليها، الحرب التي لم يمضِ عليها أشهر، وهو ما يدعو للتعجب، هل تقع فلسطين في كوكب آخر؟ ألا يرى هذا العالم ما يجري بحق الشعب الفلسطيني والقدس؟ وهنا يجب إيضاح الفكرة التالية أن أي اعتداء على المدنيين وسيادة الدول وتهميش القانون الدولي هو أمر مدان، ولكن طريقة الكيل بمكيالين التي يمارسها العالم، وخاصةً الغرب حول القضايا الدولية يُسقط القناع عن الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تتغنى بها هذه الدول؛ حيث إنها تنظر إلى القضايا الدولية من خلال المصلحة والمنفعة.
فاستطاعت الدول الغربية سحب عضوية روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بسبب هجومها على أوكرانيا، بينما لم تستطِع إجبار الاحتلال الإسرائيلي على تنفيذ قرار واحد من قرارات الأمم المتحدة.
فمنذ العام 1947 وحتى الآن صدر ما يزيد على 131 قراراً حول فلسطين المحتلة من الأمم المتحدة، لا يذكر التاريخ استجابة "إسرائيل" لقرار واحد منها، ولعل من أبرزها قراران شهيران؛ الأول رقم 181 الصادر في العام 1947 والذي نادى بتقسيم فلسطين إلى 3 كيانات جديدة وهي دولة عربية تمثل 42.3 %، ودولة يهودية تمثل 57.7 % على التوالي من فلسطين، إضافة إلى وضع منطقة القدس تحت وصاية دولية، والقرار الثاني كان قرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967 الذي دعا الاحتلال للانسحاب من الأراضي العربية التي احتلها نتيجة لحرب 1967.
ولقد تزامن مع هذين القرارين وتلاهما عشرات القرارات الأممية المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين والمفاوضات حول القدس ومفاوضات السلام العربية- الإسرائيلية، وإدانة الهجمات العسكرية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على كل من الأردن وسوريا ولبنان وتونس، والتي لم تُنفذ أيضاً.
وهنا إذا أردنا أن نتحدث فقط عما يحدث اليوم داخل المسجد الأقصى والصمت الدولي حول الاعتداءات الصهيونية عليه وعلى الفلسطينيين المرابطين داخله، يؤكد هذا على هشاشة النظام الدولي وفقدان العدالة فيه وعدم قدرته على تنفيذ أي قرار لا يصب بمصلحة الدول الكبرى.
فقد استطاع هذا الاحتلال كسر هيبة النظام الدولي وعلى رأسه مجلس الأمن وعدم قدرة المؤسسات الدولية على تأمين الأمن والاستقرار عدا القضايا التي تضر بمصلحة الدول الكبرى المسيطرة على القرار الدولي، ومن جهة أخرى استطاع الاحتلال الإسرائيلي بأساليبه الدنيئة من الدخول بين العرب وإبعاد بعض الدول العربية عن قضيتهم الأم وهي القضية الفلسطينية، ولكن يعلم الجميع أن من ابتعد عن القضية هي بعض الحكومات ولكن الشعوب العربية ما زالت تعرف وجهتها جيداً.
ختاماً، واهمٌ من يعتقد أن قضية فلسطين والقدس هي قضية الشعب الفلسطيني فقط، بل هي قضية كل إنسان شريف متمسك بالإنسانية، إنها فكرة لا يتبناها إلا الشرفاء والفكرة لا تموت مع الأشخاص بل هي تحيا وتتوارث وستبقى هذه القضية مستمرة طالما أن هناك شعباً يقف صامداً للدفاع عن أرضه وطالما أن هناك شرفاء يعيشون في هذا العالم حتى عودة الحق إلى أصحابه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.