صاروخ واحد أطلق من غزة نحو الأراضي المُحتلة، مساء الإثنين ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٢. الصاروخ الفلسطيني صغير الحجم، قريب المسافة، مرصود الهدف؛ ذلك الهدف المنقوش برسالة المقاومة للمُحتل: "احذروا، وكفاكم تغطرساً".
السلطة الفلسطينية كحالها الدائم صفر على الشمال في معادلات التصعيد؛ والاحتلال يُرتب للقاءات قريبة معها ليُعاتبها على تراجع تعاونها الفاعل والمُفيد في اعتقال المقاومين والتخلص منهم.
حركات المقاومة دورها فاعل ومحوري في حلقات التسوية المصرية للحيلولة دون الانجرار نحو التصعيد. الواقعية مطلوبة، فموقف المقاومة مُتردد؛ يفضل الهدوء، ورغبته تقوم على اشتعال المواجهات في شوارع الضفة وأزقة القدس وحارات المدن ذات الكثافة العربية داخل الكيان المُحتل، السبب بسيط: غزة لم تعد تحتمل.
صيحات "مشان الله يلا غزة" مؤثرة وفيها شجّن، لكن صداها في وادٍ بعيدٍ عن متاريس المقاومة وصواريخها في تلك الفترة. ومؤشرات ذلك؛ تصريحات قادة "حماس" بأنهم على تواصل مع الوسطاء لرأب تصعيد الاحتلال، واكتفاء المقاومة بإطلاق صواريخ تحذيرية نحو البحر وصاروخ متواضع نحو مستوطنات غلاف غزة، فضلاً على جولات مكوكية للقاهرة ترمي لوضع العصا في عجلة الاتجاه نحو التصعيد.
٤ عمليات في عمق الاحتلال أحدثت رهبةً لدى شعب الاحتلال ودولته. دوافع هذه العمليات انطلقت من محاولاتٍ فلسطينية بريئة لوقف انتهاكات الاحتلال بحق القدس وسكان النقب ومدن الضفةِ الغربية.
المُصاب بالقلق الأكبر داخل دولة الاحتلال كان رئيس وزراء الاحتلال، نفتالي بنيت، فالأمر بالنسبة له اختبار في ظل حكومته الائتلافية التي تضم اليسار وبعض النواب العرب، وتُتهم بأنها جبانة.
عنف الاحتلال المُفرط لمواجهة العمليات الفلسطينية واحتمال حدوثها؛ رسالةٌ أراد بنيت لها أن تتم بمستوياتٍ تفوقت على مستويات العنف في عهد حكومة نتنياهو على مدار سنوات، ليؤكّد أنه مُخلص لدولته حتى وإن تحالف مع العرب واليسار مضطراً، للجلوس على كرسي رئاسة الوزراء.
الردع الحاسم أمرٌ اندفعت به حكومة بنيت لتأسيس سدٍّ منيع أمام سيناريو تكرار هذه العمليات الفدائية التي تُعدّ أسوأ سيناريو رُعب بالنسبةِ لدولة الاحتلال، باعتبارها الأكثر إيلاماً للاحتلال. بينيت لا يُبطن خشيته من سيناريو نقل المقاومة ميدان الحراب إلى الضفة الغربية والداخل المُحتل، لذلك أطلق العنان للمؤسسات الأمنية كي تُعكر صفو الفلسطينيين في رمضان بقتلهم واقتحام بيوتهم واعتقالهم التعسفي من شوارع الضفة الغربية وساحات المسجد الأقصى، وبالتالي يُحقق مُعادلة "كيّ الوعي" لردع المُقاومين في الضفة الغربية، ورفع أصوات الفلسطينيين المُعارضة للتصعيد المُتبادل طويل الأمد.
بينيت مُطمئن لإخلاص القائمة العربية المُوحدة برئاسة منصور عباس، هذه القائمة التي ترى أنها حازت على مُكتسبات إيجابية لصالح المناطق العربية؛ وفق رؤيتها، وبالتالي تسعى للبقاء ضمن القائمة، والتجميد فقط لدفع بينيت نحو "الاعتدال قليلاً في العنف". في المقابل، بينيت يخشى من خسارة أي صوت يميني داخل حكومته، بعد أن أضحت المُعادلة داخل الكنيست ٦٠ صوتاً حكومياً مقابل ٦٠ صوتاً مُعارضاً، أيّ خلل في هذه المُعادلة يعني سقوطاً لحكومة بينيت.
لقد بات من النادر أن يدخل المستوطنون إلى حائط البراق بأريحية كما في السنوات الماضية. هذه المُعادلة لم يرد بينيت لها الاستمرار، كي لا يسير الفلسطينيون نحو خطوةٍ لها ما بعدها، لذلك مضى في مسارٍ مُتوازٍ يُعيد للمستوطنين سطوّتهم المكانية والزمنية ضمن أسوار المسجد الأقصى، وفي ذات الوقت يحرص على عدم انفلات الأمور نحو تصعيدٍ شامل. دليل هذا المسار؛ منعه ذبح القرابين، وفي ذات الوقت تأمينه دخول المستوطنين لساحات المسجد الأقصى.
الانزلاق نحو التصعيد الشامل لقطاع غزة محفوف بالمخاطر، لكنه سيناريو لا ترغب به المقاومة والاحتلال وإن أظهر الأخير بعض الغرور. ذلك التصعيد يعني سقوط حكومة نفتالي بينيت؛ فمنصور عباس لن يستطيع إبقاء قائمته مُوحدة ضمن الائتلاف، كذلك نتنياهو لن يترك الفرصة تضيع لتجميع القوى السياسية اليمينية وبعض القوى المُعتدلة حوله لدحر حكومة بينيت في حال وقوع التصعيد، فضلاً على توجه المؤسسة الأمنية لدولة الاحتلال نحو ممارسة "العصا والجزرة" مع الفلسطينيين، العصا لكل من يقاوم ويحرض على المقاومة في الضفة الغربية والقدس، والجزرة لمن يرضخ ويدعم الهدوء سواء في الضفة الغربية أو غزة. واشنطن مشغولة بأوكرانيا وغير مُتفرغة أبداً لحروب الاحتلال، وهذا عامل آخر يُخمد رغبة التصعيد عند بينيت وغانتس تحديداً.
المقاومة ترى أن نتائج التصعيد ليس وقتها حالياً، وتُفضل السير مع الوسيط المصري علها تُبصر شعاع النور الذي وُعدت به أثناء جولة التصعيد التي حصلت في الوقت نفسه قبل عام في أيار/مايو ٢٠٢١.
محور التصعيد سيبقي قائماً في الضفة من خلال مستوياتٍ عاليةٍ من الردع الأمني بما يشمل إغلاق ثغرات الجدار الفاصل بين الضفة وأراضي الـ٤٨، كذلك شنّ حملات اعتقال شرسة داخل الضفة وأراضي الـ٤٨، ورفع مستوى التعاون مع السلطة الفلسطينية، كي تمر أعياد الفصح اليهودي بهدوء، ويتم تأسيس معادلة استراتيجية لحماية أمن الاحتلال في الداخل. بينيت يقوم بالتصعيد مُضطراً، وسيلتفت لمسار التهدئة بعد ضمان تحقيقه تفوق أمني على الفلسطينيين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.