في ربع نهائي الدوري الأوروبي غادر برشلونة بشكل مفاجئ البطولة بعد خسارته على أرضه الكامب نو، ولكن ربما لم يكن ألم الخسارة على قدر ألم مشجعي برشلونة حول العالم بما رأوه في ملعبهم الذي كانوا كالأجانب فيه، فدائماً ما اعتدنا على الألوان الحمراء والزرقاء تملأ الملعب، ولكن في هذه المرة كان اللون الأبيض يغطي مدرجات ستاد الكتلان.
كان الأمر بمثابة الصدمة للجميع، وبالتأكيد فإن تأثير الأمر وصل للاعبين، فمع دخول اللاعبين أرض الملعب في انتظار تحية جماهير الكامب نو فوجئوا بصافرات الاستهجان، فأصحاب التذاكر الموسمية وأصحاب المقاعد باعوا أماكنهم لأجل بعض اليوروهات التي حملها المشجعون الألمان في رحلتهم لمساندة فريقهم مهما كلف الأمر.
وبعد المباراة مباشرة لم تمتلئ "هاشتاجات" تويتر بمهاجمة لاعبين تخاذلوا في أدوارهم في الملعب، ولكن تلك المرة كان الانتقاد من الجمهور وإلى جمهور الكامب النو الذي "خان كتالونيا" على حد قولهم، وبمطالبات واسعة بعودة الـ"بويكسوس نويس" إلى مدرجات مسرح كتالونيا بدلاً من المشجعين المزيفين. فمن هم البويكسوس نويس الذين طالب بهم الجميع كأولى صفقات موسم الانتقالات قبل أي لاعب في العالم.
الأولاد المجانين
البويكسوس نويس أو الأولاد المجانين هي إحدى أشهر رابطات التشجيع لبرشلونة عبر التاريخ أو "الهوليجانز" وهي تضم بأفكارها القوميين الكتلان أصحاب الميول اليسارية، ولكن التنظيم الذي تأسس في عام 1981م يحمل في تاريخه وقائع سيئة السمعة بالنسبة للسلطات الإسبانية التي تواجهت مع الأولاد لمرات ومرات في مواجهات حملت طابع العدوانية حتى إن بعض أعضاء الرابطة واجه تهماً بالقتل وتعمد الإيذاء والتهديد.
وبدأت الرابطة في موسم 1981 الذي عانى قبله البرسا من عدم التتويج بالدوري الإسباني لمدة سبع سنوات متتالية، وكان للكثير من أعضائها دور كبير في القتال من أجل استقلال كتالونيا، وفي عام 1991 ظهرت أولى حوادث العنف الكروي في إسبانيا عندما قتل ثلاثة أعضاء من البوكسيوس أحد مشجعي الغريم الكتالوني إسبانيول.
لم تكن تلك الحالة الأولى من نوعها بين مشجعي برشلونة وصغير كتالونيا، فعدو الرابطة اللدود كان جماهير إسبانيول.
وليس جماهير الخصم فقط فحتى في عام 1997 وبعد وفاة أحد مؤسسيهم قرروا الوقوف دقيقة صمت قبل مباراة برشلونة مع أتلتيكو، ولكن كانت هنالك بعض صافرات الاستهجان من جماهير برشلونة نظراً لمواقفه القومية، ولكن تلك الصافرات قوبلت بعنف تم تصنيفه كواحد من أعنف المواجهات الجماهيرية من مشجعي فريق واحد في التاريخ.
وفي عام 2002 كانت اللقطة الأشهر وإحدى أيقونات كرة القدم عندما عاد لويس فيغو للكامب نو في أول كلاسيكو بعد مغادرته برشلونة، وقام بعض المشجعين بإلقاء رأس "خنزير" على لاعب برشلونة السابق أثناء تنفيذه لإحدى الركلات الركنية في المباراة مما أدى إلى إيقافها لمدة 12 دقيقة قبل استكمالها. واعترف فيغو بعدها بأن تلك كانت أكبر إهانة تعرض لها في حياته حيث عبر قائلاً: "كنت أحاول أن أكون في قمة تركيزي وأن ألعب باحتراف، ولكن جاء وقت لم أستطِع فيه لأن كمية المقذوفات على الأرض لا يمكن وصفها".
وفي عام 2003 وصل لابورتا لرئاسة برشلونة وعلى خلاف سابقيه كان مناهضاً لتلك الرابطة وكان من أول التصريحات التي أدلى بها: "أنا أعرف من هم مصدر العنف وسأقضي عليهم"، وبالفعل في نفس العام أصدر قراراً بمنعهم من دخول الكامب نو.
وكان هذا القرار لعنة على بارتوميو ورعباً له لمدة طالت، لازمه فيها حارس شخصي طوال الوقت مع الكثير والكثير من التهديدات بالقتل والوعيد واللافتات في جميع أنحاء كتالونيا، بل تعرض له ذات مرة اثنان من المشجعين أثناء خروجه من منزله، حيث اعتبروه خائناً لما وعدهم به قبل فوزه وأنه سيتعاون معهم في حالة دعمهم له، ولكن كان دعم الرابطة للرئيس جوزيب لويس نونيز الذي كان له علاقة قوية بهم.
وبعد انتهاء حقبته في 2010 عاد البوكسيوس للصورة مرة أخرى في عهد بارتوميو ولكن بلا تواجد حقيقي في الكامب نو.
وفي عام 2019 تم اعتبار البوكسيوس جماعة محظورة في قانون منع العنف الرياضي في إسبانيا وتم منع رفع كل أعلامهم أو ما يرمز إليهم في الملاعب الإسبانية.
وبعودة خوان لابورتا مجدداً لرئاسة برشلونة عاد البوكسيوس للصحف الأولى مجدداً بخبر اعتقال 13 من أعضاء الرابطة بعدة تهم منها تهريب المخدرات والدعارة والحيازة غير القانونية للسلاح وغسيل الأموال. وفي الإفادات التي جمعتها الدولة عبر أحد المحققين قائلاً "بأن واجهة الأمر هو كرة القدم، ولكن الوجه الآخر لهم هو الجريمة".
وعبر تلك الجرائم كانت الدعارة والاتجار في النساء هي مصدر الدخل الذي تستخدمه الرابطة في التمويل حسب تعبير الحكومة الإسبانية.
وعلى الرغم من هذا تحظى الرابطة بسمعة جيدة لكل مشجعي برشلونة حول العالم نظراً لشهرتهم بدعم الفريق بجنون وبدورهم القوي في المباريات الصعبة التي يخوضها الفريق في جميع المنافسات. وحتى بين اللاعبين، بل سيد اللاعبين ليو ميسي عندما رفع علم الرابطة في الاحتفالات في ملعب الأوليمبي في برلين بعد فوز برشلونة ببطولة دوري الأبطال 2015 حيث تتواجد الرابطة في المباريات الهامة لدعم برشلونة خارج الكامب نو.
صدمة بيع التذاكر
برشلونة في الوقت الحالي والكامب نو لديه سياسة في بيع التذاكر للجميع وليس فقط لمشجعي برشلونة خصوصاً أن الكثير من السائحين حول العالم يأتون خصوصاً لحضور مباريات في الكامب نو والذي يعد واحداً من أفضل الملاعب في العالم، حتى إن بعض أصحاب التذاكر الموسمية لم تعد لديهم العقلية القديمة في تشجيع الفريق ولكنه يمكنهم التفريط فيه إن كان الأمر يتعلق ببعض المال، وهذا ما كان ينادي به مشجعو كرة القدم طوال التاريخ وأن اللاعبين يبحثون عن المال والمشجعين عن المتعة والانتماء لناديهم، ولكن يبدو أن في عصرنا الحالي حيث أصبح المال كل شيء، فإن بعض مشجعي كرة القدم أيضاً قد يبيعون ولاءهم من أجله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.