كان من المعروف أن الفريق الإسباني سيجد صعوبة بالغة في تجاوز عقبة أنترخت فرانكفورت، والأخير رغم موقعه في الدوري الألماني فإنه يقدم أداءً محترماً خاصة أمام المباريات الكبيرة، فقد أحرج البايرن ودورتموند في الدوري، كما استطاع رسم مسار جيد للغاية في الدوري الأوروبي لهذا العام، فكل المؤشرات كانت توحي بمباراة صعبة لفريق برشلونة.
في ألمانيا وفي مباراة الذهاب ظهر الفريق الأبيض بصورة قوية وتمكّن من التفوق على لاعبي البرسا في كل شيء، وتبين صدق التوقعات التي تحدثت عن قوة الفريق الأبيض وصعوبة مهمة البلوغرانا، ورغم انتهاء المباراة بالتعادل الإيجابي بنتيحة هدف مقابل هدف، فإن شراسة الألمان كانت واضحة والتفوق البدني والتكتيكي لم يخفَ على أحد، فظهر فريق تشافي بصورة هزيلة وضعت علامات استفهام حول مصيره في البطولة.
قبل مباراة الذهاب واجه البرسا فريق ليفانتي الذي يصارع على البقاء، ورغم تقدم أبناء فالنسيا في النتيجة فإن لوك دي يونغ وفي الأنفاس الأخيرة للمباراة وبرأسية مخادعة أهدى البرسا النقاط الثلاث وأعاد البرسا إلى طريق المنافسة على الدوري الإسباني، رغم أن الغريم المدريدي متقدم بنقاط تسع إذا ما احتسبنا ثلاث نقاط للبرسا في مباراته المؤجلة مع الرايو؛ ليبقى كل شيء وارداً في عالم المستديرة.
إيماناً منها بهذه النقطة وبأهمية المباراة حجت جماهير فرانكفورت إلى مدينة برشلونة لتشجيع فريقها، فقد وصل أكثر من ثلاثين ألف مشجع ألماني، مع أن القوانين لا تسمح سوى بخمسة آلاف مشجع من الفريق الزائر فقط، إلا أن الجميع تفاجأ بمن فيهم لاعبو البرسا بعد دخولهم أرض الملعب.
اكتسى الكامب نو باللون الأبيض عوض الأحمر والأزرق وعلت صافرات الاستهجان على لاعبي الكتلان عوض تصفيقات التشجيع، لقد بدا الأمر هزلياً وغير منطقي، فلم يسبق في أي مباراة على ما أعرف أن حدث ما حدث ليلة الخميس الأسود وربما الأبيض!
ليلة بيضاء من ليالي برشلونة الحمراء، كأن الملعب لبس كفن تاريخه وقضى نحبه، هكذا بدت صورته التي رسمتها جماهير الألمان في مشهد نادر الحدوث.
خمسة وثلاثون ألف مناصر ألماني يملأون الملعب التاريخي للبرسا، إنه بلا شك احتلال ألماني للإقليم الكتالوني؛ وفتح لم يسبق له مثيل في تاريخ المستديرة، وأمام دهشتنا ودهشة اللاعبين خرجت الأخبار الموثوقة تفسر الواقعة الغريبة.
ثلة من مشجعي البرسا أصحاب الاشتراكات الموسمية باعوا تذاكرهم للألمان مقابل مبالغ ضخمة وصل بعضهم- حسب قنوات متخصصة في نقل أخبار البرسا- إلى خمسمائة يورو!
نعم، مع أن الواقعة شبه مستحيلة فإن التاريخ الرياضي سيكتب أن جماهير الفريق الإسباني العريق باعت ناديها وتاريخه مقابل حفنة من اليوروهات، وأن المشجع الذي يجب عليه أن يدعم النادي في ساعة الشدة تخلى عنه بل خانه وقدمه على طبق من ذهب للزوار الذين اغتنموا وجود أشخاص بهذه النوعية تشجع البرسا، فاشتروا ما استطاعوا حتى وقفنا على المشهد المخزي لملعب يعتبر أحد رموز الكرة في العالم.
ليس بالإمكان أن نتفهم- نحن مشجعي البرسا- ما حدث ليلة الخميس، فرغم أننا لسنا إسباناً ولا يجمعنا بالبرسا سوى شغف الكرة فإنه يستحيل أن نفعل ما فعله الكتلان، لقد أبان بعض المشجعين عن خسة وبراغماتية لا مثيل لهما سيكتبها التاريخ ولن تنساها الجماهير ولا اللاعبون، لقد ضحوا بقميص النادي ورقصوا فوق جثته، وشاهدوا بأم أعينهم جماهير فرانكفورت وهي تحتفل داخل الكامب نو بالتأهل التاريخي في مشهد أقل ما يقال عنه إنه مخزٍ.
لم تكن خيانة الجماهير العامل الوحيد في إقصاء الفريق، فالمدرب الشاب دخل بنقص عددي مع وجود "أوسكار منغويزا" كظهير أيمن، اللاعب الذي كلما شاهدته يلعب تحسرت على أيامي وبكيت على هذا العالم الذي من سوء حظه لم يفنَ قبل أن يشاهد منغويزا وهو يرتدي قميص البرسا.
مع النقص العددي في الدفاع بدا الوسط تائهاً، خاصة أن بيدري أصيب أثناء المباراة واللاعب الذي سيربط بين الخطوط جلس على الدكة، فمكان فرانكي دي يونغ وضع تشافي الفتى جافي الذي بدا شاحب اللون غارقاً في بحر أبيض وأسود، فلم أشاهده إلا وهو ينال البطاقة الصفراء.
كل شيء وقف في وجه البرسا في ليلة الخميس، إريك غارسيا يتسبب في ركلة جزاء بعد أربع دقائق من المباراة.
أراخوا ترك المهاجم يسدد، وشتيغن أصبح هدفاً سهلاً لمن يسدد من الخارج، فمنذ مدة لم أشاهده يصد تسديدة خارج منطقة الجزاء، أما ألبا فخارج النص، والغابوني أوبا الذي تعول عليه الجماهير في اقتناص أشباه الفرص يضيع كرة أمام مرمى فارغ كان بإمكان هدف في توقيت بداية الشوط الثاني أن يعيد الفريق إلى أجواء البطولة، إلا أن الجودة تفرق، وهذا ما ينقص الفريق، لاعبون بجودة عالية يصنعون من اللافرص فرصاً، فهكذا فعل لارسن في نهائي 2006، وهكذا فعل إنيستا ضد تشيلسي في نصف النهائي، وفعل صامويل إيتو في نهائي 2009.
في النهاية أتساءل: هل يمكن لمشجع المغرب التطواني أن يفعل ما فعله الإسبان؟ هل تتوقعون من مشجع لطنجة أو الرجاء والوداد أن يفعل ذلك؟ هل يستطيع الأهلاوي أو الزملكاوي أن يفعل ذلك؟
مستحيل، وأدرك ما أقوله؛ فحب الفريق قبل كل شيء، وكم هي الأموال التي صرفت على التنقل مع هذه الفرق، الحادثة تؤكد الفرق بيننا وبينهم.
مع أني أتحفظ على الطريقة التي يشجع بها البعض الفرق والتي تقترب من التقديس، والتي أعتبرها نتاج جهل وتخلف فقد حدث أكثر من مرة أن انقلبت الملاعب إلى حلبة مصارعة، وهذا مُنافٍ للأخلاق والقيم التي تربينا عليها.
كما لا يمكنني إلا أن أشير إلى أن متابعة الفريق لا تكون على حساب الصلاة أو العائلة أو العمل والدراسة، فهناك خطوط حمراء، لكن كل هذا ليس موضوعنا، إنما نحن نؤرخ لحدث هزلي أظهر معدِن من ينتسبون لفريق عريق كالبرسا.
فلننتظر ما سيقرره النادي في حق هؤلاء، مع أني أشك أن باستطاعته فعل شيء خاصة في ظل الأزمة التي يمر بها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.