منذ سنوات حدّثنى فرنسي بأنه انتهى زمن الزعماء الكبار في فرنسا، بعد ديغول وبونبيدو وديستان وميتران انتحرت الكاريزما على أسوار باريس.
الحرب تنجب الكاريزميّين (ديغول وتشرشل بعد الحرب العالميّة الثانية). والسّلم ينجب الكاريزميّات (تاتشر وميركل بعد الثورة الصناعية والسلم الاجتماعي).
ماكرون أصغر رئيس فرنسي يصل إلى أعلى هرم السّلطة بفضل زوجته المسنّة ذات النفوذ الكبير فى الدولة العميقة الحاكمة فعليّاً.
ماكرون وفيٌّ للمثل الفرنسي "المرق اللّذيذ يطبخ فى الأوانى القديمة"، لذلك يطمح مرّة ثانية لحكم فرنسا العجوز.
لوبان الطّموح أو الفرس الجامحة تصل للمرّة الثانية إلى الدور النّهائى لكأس السّلطة بخبرة تراكميّة مقارنة بما مضى.
فى السّنة الماضية وبعد أن تلقّى ماكرون ضربات موجعة في إفريقيا قلّصت فيها نفوذ فرنسا، يتلقّى منذ شهر قارب نجدة من بوتين، اتّصالات هاتفيّة عديدة بينهما أظهرت ماكرون أمام شعبه كرجل دولة قويّ أعاد لفرنسا هيبتها بتزعّمها المساعي الدوليّة لإنهاء الحرب على أوكرانيا.
لوبان تتزعّم رأياً عاماً مهمّاً يدعو إلى تفاضليّة العلاقات مع أوروبا وروسيا بعيداً عن نفوذ أمريكا البارعة في توظيف الدول لتحارب لأجل مصالح العم سام (الحروب بالوكالة).
العلاقة مع روسيا وأمريكا ستكون حاضرة بقوّة في المناظرة التّلفزيّة المنتظرة بين ماكرون ولوبان والتي سيكون تأثيرها كبيراً على النّاخب بعد تقارب نتائج التحالفات الجديدة التي أفرزتها الدّورة الأولى من الانتخابات.
بطاقة تعريف ماكرون
درس ماكرون الفلسفة ثمّ الشؤون العامّة في الدّراسات السياسيّة ومنها إلى المدرسة الوطنيّة للإدارة.. تحوّل إلى عالم الاستثمار المالي، حيث عمل مصرفيّاً مسؤولاً ببنك روتشيلد ذي الشّهرة العالمية الواسعة، بعدها تدرّج في مسؤوليات وزاريّة مهمّة، حيث عرف عنه الرّغبة فى المبادرة والإصلاح والتغيير.
في المناظرة التّلفزيّة قبل الانتخابات والتي أوصلته إلى الحكم انتصر على لوبان بما قدّمه من مشروع شامل وواضح، في حين ظهرت هي بسلبيّة الاكتفاء بمهاجمته دون تقديم بديل واقعيّ مقنع.
ماكرون ليبرالي اجتماعي بعين على رأس المال وعين أخرى على البروليتاريا.
يكره الظهور الإعلامى ويتعامل بحذر وجفاء مع الصّحافيين.
معروف بصيحته الشهيرة "أنا لست بابا نويل" عندما اندلعت أعمال عنف وشغب بضواحي باريس سنة 2017 بسبب الفقر والإهمال ونقص الرّعاية الصحيّة والاجتماعيّة.
في إحدى قمم الـ20 سأل صحافى إفريقي ماكرون عن إمكانيّة تبنّى فرنسا لمشروع اقتصادي بمستعمراتها القديمة شبيه بمشروع مارشال الأمريكي، ردّ ماكرون بأن السبب الرّئيسي للمشاكل الاجتماعية بالقارة السّمراء يعود إلى كثرة إنجاب المرأة الإفريقيّة (بين 7 و8 أطفال)، وهي إحصائيّة مشكوك في صحّتها، فأثار التعليق ردود فعل شاجبة في إفريقيا خاصّة على الصورة النمطيّة التقليديّة الاستعماريّة التي يحملها الرئيس الشاب عن القارّة.
سنة 2020 صرّح ماكرون تصريحات مسيئة للإسلام، ذاكراً أن هذا الدّين يمرّ بأزمة في كل أنحاء العالم، فأيّد الرسوم المسيئة للرّسول- صلّى اللّه عليه وسلّم- ممّا ألّب عليه المسلمين بمختلف الدّول بما فيها أوروبا، وصدرت حينها إدانات رسميّة من عدّة من دول عربيّة وتركيا وإيران.
ماكرون من دعاة إلزاميّة الخدمة العسكريّة لمدّة شهر فقط.
تزوّج من معلّمته التي تكبره بعقدين ونصف رغم معارضة والده، وهما الآن يعيشان استقراراً بروتوكوليّاً وسكوناً.
بطاقة تعريف ماري لوبان
ماري لوبان سياسيّة وبرلمانيّة ورئيسة حزب الجبهة الوطنيّة وهي ابنة زعيمه جان ماري لوبان الذي تمرّدت عليه وأزاحته من قيادة الحزب.
الحسناء "اللّوبانيّة" محامية (53 سنة) ستخوض آخر تجربة ترشّح لها للانتخابات الرئاسيّة سواءً نجحت فيها أو فشلت وذلك حسب تصريح استعطافيّ لها.
سنة 2017 صرّحت بأنّها من أصول مصريّة باعتبار أن أم جدّتها قبطيّة مصريّة من الصّعيد وقد نشرت هذه المعلومة فى حملتها الانتخابية لأنها تعلم ولع الفرنسيين بالحضارة والآثار في مصر.
تحبّ لقب طائر الفينيق.
متزوّجة من لويس آليوت وهو من عرق الأقدام السّوداء الفرنسيّة وإرث اليهود الجزائريين.
أبو ماري لوبان أصله من الرّوم الكاثوليك.
أنجبت لوبان ثلاثة "أحزاب" وهم: جيهان ولويس وماتيلد.
هذّبت ماري لوبان حزبها عما كان عليه زمن والدها ليصبح أكثر ديموقراطيّة وانفتاحاً حيث طردت منه العنصريين والنازيين و"أعداء الساميّة".
على غرار ماكرون تسمح لوبان بزواج المثليين والإجهاض وترفض حكم الإعدام.
اقتصاديّاً تتبنّى لوبان حماية التّجارة ومراقبتها بديلاً عن التّجارة الحرّة، تدعو إلى تنويع مصادر الطّاقة وتعارض خصخصة الصحّة والتكافل الاجتماعي والمضاربة والسياسة الزراعيّة الاستراتيجيّة.
تعارض لوبان العولمة وكذلك الاتّحاد الأوروبي وتطرح "أوروبا الأمم" بديلاً عنه، وترفض انضمام تركيا وأوكرانيا للاتحاد الأوروبي كما تعهّدت بإخراج فرنسا من عضويّة النّاتو ومن سيطرة أمريكا، كما تدعو إلى إلغاء صندوق النّقد الدّولي.
وعدت لوبان بمقاومة ما تسمّيه "أسلمة الفرنسيين" وتدعو إلى مقاومة الهجرة غير القانونيّة بتبنّي سياسة الضّغط الاجتماعي على المهاجرين غير الشرعيين.
خارجيّاً تدعو لوبان إلى علاقة تفاضليّة مع روسيا ومنذ سنة 2007 وهي تندّد بإخضاع أوكرانيا لأمريكا، وكذلك بالحملة الإعلاميّة فى أوروبا الشّرقيّة لإكراههم على نبذ روسيا وتهديدها دوماً بالعقوبات الاقتصاديّة.
جواز سفر فرنسا
منذ سنة نشرت مجلّة "فالور أكتويل" بياناً موقّعاً من عشرين جنرالاً ومئة ضابط رفيعي الرّتب أرسلوه إلى الرّئيس ماكرون وفيه إدانة بسياسة تفكيك الدّولة.
وورد في البيان أن تفكّك الدّولة يؤدّي مع الإسلامويّة وجحافل الضّواحي إلى فصل الأمّة وتحويلها إلى أراضٍ خاضعة لعقائد تتعارض مع دستورنا.
وأضافوا: نحن مستعدّون لدعم السّياسات التي تأخذ بعين الاعتبار حماية الأمّة.
البيان أثار ردود فعل متباينة من الأحزاب والمنظّمات أغلبها مندّد به.
الرئيس ماكرون سيواصل تسيير فرنسا بطريقة إداريّة باردة وبلا موهبة في القيادة.
الرّئيسة لوبان ستسيّر فرنسا بطريقة فوضويّة على أمل التغيير الجذري، مغامرة مجهولة العواقب.
أغلب الملاحظين يؤكّدون أن فرنسا تحوّلت إلى "سلّة مهملات أوروبا".
ومختصّون يذكرون أنّه لولا نفاذ القانون المحترم في فرنسا لانهارت الدّولة منذ أمد بعيد. لكن فرنسا يحكمها القضاة.
فهل الديمقراطيّة مهدّدة في مهدها؟
وأين فرنسا من مبادئ ثورتها؟
وبين هذين الخيارين.. من يبقى الأقرب للرئاسة؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.