كانت الحكومة الائتلافية مكونة من أحزاب ذات أيديولوجيات متضاربة، اتَّحدت في هدفها لعزل نتنياهو وتعزيز حياتهم السياسية. واتفق القادة على التركيز على القضايا الداخلية مثل الوباء والاقتصاد وتجنب القضايا المثيرة للجدل، وشكلوا تحالفاً بين اليمين ويسار الوسط وحتى حزب عربي إسلامي للحصول على الأغلبية المطلوبة من 61 مقعداً من أصل 120 مقعداً في الكنيست، وكانت أول حكومة منذ عقود لا تشمل أحزاب الحريديم.
للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، أقر الكنيست الميزانية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وعالج العديد من تداعيات تفشي فيروس كورونا دون إغلاق، كما أعاد العلاقات الدافئة مع الإدارة الأمريكية، وبالتالي حصل على زيادة في التمويل لمشاريعه. وسمحت حالة الاستقرار السياسي الواضحة، والثقة التي طورها بينيت ولابيد حول اتفاقهما على التناوب على رئاسة الوزراء بعد عامين، لكلا الزعيمين بالتركيز على المسائل الدبلوماسية.
وقد رأى العديد من اليهود الأمريكان والإسرائيليين العلمانيين أن الحكومة هي فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر، لتحرير القواعد الدينية نظراً لغياب الأحزاب الحريدية، التي قامت لسنوات بالسيطرة الكاملة على الكشروت والزواج والتحويل، وغيرها من الأمور مقابل أصواتهم.
بداية الشرخ
قال منتقدون إن بينيت غضَّ الطرف عما يحدث في فنائه الخلفي، بينما كان يسعى إلى ترسيخ نفسه كزعيم عالمي بشأن أوكرانيا. والواقع أن استخدامه لعبارة "الضفة الغربية" في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن -بدلاً من الاسم التوراتي "يهودا والسامرة" الذي يفضله المستوطنون- أثار غضب أعضاء حزبه "يمينا" وغيرهم في المعسكر القومي كخطوة بعيدة جداً عن مسارهم.
ثم جاءت القشة التي قصمت ظهر البعير مفاجئة الأسبوع الماضي، عندما أعلنت عضوة غير معروفة في الكنيست تُدعى إيديت سيلمان أنها ستنسحب من الائتلاف بسبب قرار وزير الصحة بالسماح للزوار بإحضار طعام غير موافق للشريعة اليهودية إلى المستشفيات خلال عيد الفصح، تاركةً بينيت ولابيد بصوت واحد أقل من الأغلبية.
وسيلمان (41 عاماً) عضوة في حزب "يمينا"، الذي يتزعمه بينيت، والذي أنشأه في عام 2019 بعد انسحابه من حزب "البيت اليهودي" الديني القومي. وتم انتخابها لأول مرة في الكنيست في عام 2019، ومنذ تشكيل الحكومة الجديدة كانت بمثابة صوت الأغلبية، وهي وظيفة بلا شك مسؤولة عن التأكد من بقاء الائتلاف موحداً في التصويت لصالح التشريعات التي يدعمها قادته.
ويقال إنها تجري مفاوضات مع نتنياهو ورفاقه حول ما ستحصل عليه مقابل انشقاقها. وذكرت وسائل إعلام عبرية أنها تلقت وعوداً بمنصب وزير إذا تمكن الليكود من تشكيل الحكومة المقبلة.
وسيلمان هي ثاني عضو في حزب بينيت ينضم إلى المعارضة بعد عميشاي شيكلي ضد تشكيل الائتلاف، في يونيو/حزيران الماضي، بحجة أنه يريد أن يظل مخلصاً لمبادئ الحزب. ومنذ ذلك الحين، انضم إلى المعارضة في الأصوات الرئيسية ليصبح كاسر التعادل.
ويبلغ دعم الحكومة الآن 60 مقعداً من أصل 120 مقعداً. ولكن وسائل إعلام عبرية ذكرت أن عضواً آخر في حزب بينيت أصدر إنذاراً نهائياً، واعداً بالانسحاب من الائتلاف إذا لم يغير سياسته على الفور لدعم مستوطنات الضفة الغربية.
ما قبل الانهيار.. وما بعده
ونظراً لأن الكنيست في عطلة حتى مايو/أيار، فإن الزلزال السياسي في حالة من عدم اليقين. ومن المحتمل أن يظل بينيت ولابيد قائدين لحكومة أقلية -تفتقر إلى الأغلبية لتمرير التشريعات- لكنهما يظلان في السلطة لأن المعارضة أيضاً لا تستطيع حشد الأغلبية.
وزعم بينيت الأسبوع الماضي أنه حصل على دعم الأعضاء الخمسة المتبقين في يمينا. ولكن اثنين منهم على الأقل، وهما عبير كارا ونير أورباخ، ينظر إليهما على أنهما منشقان وشيكان.
وقد تظهر شخصية جديدة مفاجئة في أحمد الطيبي، العضو المعتدل نسبياً في القائمة العربية الموحدة، وقد يحذو الطيبي حذو منصور عباس، رئيس حزب "راعم" الإسلامي، الذي مكن من تشكيل الحكومة الحالية من خلال منح بينيت ولابيد الأصوات الأربعة التي يسيطر عليها، مقابل أموال إضافية ووصول أفضل إلى الخدمات الحكومية للمناطق العربية.
والطيبي -وربما عضو الكنيست الآخر من حزبه "تعال"- يمكن أن يمنح حكومة بينيت لابيد شريان الحياة للأشهر المقبلة، ولكن هذا يمكن أن يضاعف من صعوبات إدارة حكومة من هذه الفصائل المتباينة، ومن المرجح أن يؤدي إلى انتخابات عاجلاً أم آجلاً.
والسيناريو غير المحتمل، وإن كان ممكناً، هو أن تقنع المعارضة بعض أعضاء الكنيست ذوي الميول اليمينية الآن في الائتلاف بإسقاط الحكومة، من خلال اقتراح سحب الثقة دون انتخابات جديدة. وهذا يتطلب تقديم رئيس وزراء ومجلس وزراء بديلين، والموافقة عليهما بأغلبية 61 على الأقل.
ويقول الخبراء إنه لا توجد فرصة لحدوث ذلك مع نتنياهو على رأس القيادة. وتعهد الأعضاء العرب الستة في القائمة الموحدة والأحزاب اليمينية برئاسة منافسيه المحافظين بعدم السماح لنتنياهو بعودة منصب رئيس الوزراء.
وغانتس، الرئيس السابق للجيش الإسرائيلي، هو الشخص الوحيد الذي تم ذكره في الماضي كمرشح توافقي محتمل ليحل محل بينيت، ولديه القدرة على الجمع بين فصائل من الحكومة الحالية والمعارضة. وكان من المقرر أن يصبح غانتس رئيساً للوزراء بموجب اتفاق تناوب مع نتنياهو، لكن نتنياهو تراجع عن ذلك، ودعا بدلاً من ذلك إلى انتخابات أخرى.
وفيما يتعلق بنتنياهو، سيحتاج إلى التخلي عن رغبته في العودة إلى مكتب رئيس الوزراء في المستقبل القريب، مع تقدم محاكمته في قضايا الفساد، وسيحتاج غانتس إلى وضع ثقته في شخص تبرأ منه باعتباره غير أمين حتى يحدث ذلك.
كما يمكن لنتنياهو أن ينأى بنفسه لصالح عضو آخر في الليكود مكلف بتشكيل حكومة جديدة، ولكن نتنياهو بدا مدعوماً فقط بخطوة سيلمان المفاجئة، وهو ينظر إلى هذا على أنه تبرير لتحذيراته قبل الانتخابات، وتُظهر استطلاعات الرأي أنه لا يزال الشخص الذي يراه الجمهور الأكثر تأهيلاً ليكون رئيساً للوزراء، رغم ذلك كله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.