ما زالت المعارك مستمرة في أوكرانيا باستعمال شتى أنواع الأسلحة الفتاكة والدقيقة، وهذه العملية لا ترحم كبيراً ولا صغيراً، ولا يوجد متعادل لغاية هذه اللحظات، فالجيش الروسي يستعمل القوة المفرطة لتحقيق هدف العملية الخاصة التي أعلن عنها، والجيش الأوكراني يقاوم بدعم غربي واضح وبأسلحة متطورة من الولايات المتحدة الأمريكية، والناتو لا يريد أن يكون طرفاً في هذه المواجهة.
هذا الوضع المعقد، الذي يبدو بلا حل نهائي قريباً، داخل أوكرانيا، جعل روسيا تعيد حساباتها من جديد على كل الأصعدة حسب رأي الخبراء، سواء من خلال الاقتصاد والطاقة أو تغيّر علاقاتها بالدول المساندة لأوكرانيا خصوصاً الغرب، فواضحٌ أن روسيا تشرع في استراتيجية جديدة في القتال، بالتلميح إلى تقسيم أوكرانيا؛ كي تتم السيطرة على الأرض، فالعملية العسكرية في أوكرانيا برغم قسوتها لم تحقق الهدف المرجو منها كما جاء في بعض وسائل الإعلام وعلى لسان الخبراء العسكريين، بعيداً حتى عن البروباغندا الغربية، فالكلام الذي يتحدث عن ذلك من أروقة النظام الروسي نفسه، أن القادة العسكريين أخطأوا تقدير العملية، وبوتين نفسه لم يكن يظن في أسوأ الأحوال، أن يلقى هذه المقاومة حتى اللحظة.
وحسب بعض الخبراء فإن تقسيم أوكرانيا من الممكن أن يكون سهلاً، بما أن جغرافية الأرض تسمح بذلك وبوجود نهر داخل أوكرانيا، فيقسم البلاد بطبعه إلى شرقي وغربي النهر، وهذا ما ترفضه أوكرانيا جملةً وتفصيلاً، وتحارب من أجل عدم تحقيقه، فهو هدف كبير من أهداف الهجوم الروسي منذ البداية، الذي بدأ بُعيد اعتراف موسكو بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين، واستمرار العملية العسكرية بهذا الشكل يمكن أن يطول إلى حد حرب الاستنزاف أو الأرض المحروقة.
هذا الخيار إن طُبِّق فسيخفف من عمليات النزوح والقتل اليومي من الجنود والمدنيين لكلا الطرفين، وهذا التقسيم إن حصل- حسب رأي البعض- فإنه يمكِّن روسيا مستقبلاً من السيطرة على أوكرانيا وإضعافها وعدم تسليحها بأسلحة استراتيجية، وهو من أسباب هذه العملية الخاصة في أوكرانيا.
والأحداث الدائرة الآن على الأرض الأوكرانية لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية في دول أوروبا، وأصبحت موسكو في وضع لا تحسد عليه أمام هذه المقاومة الشرسة من قِبل الجيش الأوكراني، فاستراتيجية روسيا في هذه العملية هي السيطرة على مواقع بعينها ثم الانتقال إلى مدن أخرى وهكذا، حتى تُحكم الطوق على كييف في نهاية المطاف.
هل العالم سيقبل بعملية التقسيم إن حصلت؟
هناك أصوات ترتفع بعدم التقسيم وتدعم أوكرانيا من أجله، والأمم المتحدة هل سيكون لها دور في هذا القرار الروسي إن تم تنفيذه على الأرض؟ هناك أسئلة كثيرة، الأيام القادمة فقط هي الكفيلة بالإجابة عنها.
التقسيم في العالم ليس بجديد، فألمانيا نفسها في زمن الحرب العالمية قُسمت إلى شرقية وغربية، وكوريا أيضاً كوريتان، واليمن إلى يمنيين، والسودان إلى سودانيين، وكثيراً ما كان التقسيم في يتم في نهاية الحربين العالميتين الأولى والثانية. فليس من المستبعد هنا هذه المرَّة.
ولا ننسى أن "التقسيم" بحد ذاته هو سيناريو محتمل حدوثه بقوة، وكان مما برز منذ بداية الهجوم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.