الاحتفاء الذي استقبل به الفلسطينيون أخبار العملية التي نفذها ابن مدينة جنين، ضياء الحمارشة، في قلب تل أبيب، هو الحقيقة الثابتة التي تحاول العديد من الجهات إخفاءها، بمعنى أن الاحتلال الإسرائيلي، من خلال ذلك الاحتفاء الكبير، لن يكون في مأمن من سلاح أي مقاوم فلسطيني ما دام محتلاً لأرض فلسطين، وعليهم العودة لبلادهم التي جاءوا منها لكي يعيشوا بأمان.
لم يقتل ضياء في ليلة يوم الأرض الفلسطيني مجرد خمسة من الإسرائيليين فحسب، بل رفع معنويات الفلسطينيين لأعلى مستوى، وكذلك فقد دبّ الرعب في قلوب المستوطنين، المستولين على الأراضي الفلسطينية، والتي مر على احتلالها من العصابات الصهيونية قرابة أربعة وسبعين عاماً، لم تستطع خلالها كل القوى الإمبريالية أن تجعل من هذا الكيان دولة حقيقية بقدر ما هو كيان أمني تعمل الصهيونية العالمية على إطالة عمره، من خلال نظام أمني لن يدوم.
أربعة وسبعون عاماً، تمضي السنوات والاحتلال يستمر بفشله في أن يجد نفسه في المنطقة خارج إطاره الأمني، وبقي كياناً منبوذاً بين شعوب المنطقة مهددَّاً بـ"زوال إسرائيل"، وتشاء الأقدار أن تتزامن عملية ضياء وزملائه مع ذكرى يوم الأرض الفلسطيني، التي تعود للثلاثين من مارس/آذار عام 1976، عندما حاول رئيس الاحتلال الإسرائيلي إسحاق رابين تهويد أرض الجليل ومصادرتها، من أجل إقامة مستوطنات لليهود القادمين من أوروبا، وخصوصاً الجزء الشرقي.
إسحاق رابين، المولود لأبٍ من أوكرانيا، وهي البلاد التي تشهد أراضيها هذه الأيام حرباً من الجيش الروسي، وقد صدّرت أوكرانيا رفقة روسيا ملايين المهاجرين اليهود، وقد سرقوا أرض فلسطين وأقاموا فيها مستعمراتهم، ومنهم من وصل لأعلى مراكز الحكم في الاحتلال الإسرائيلي، وارتكب المجازر بحق الأبرياء العزل من النساء والأطفال والشيوخ الفلسطينيين، بينما شهدت إحدى السيدات اليهوديات ليلة العملية أن الفلسطيني ضياء حمارشة قد طلب منها ومن سيدة أخرى تحمل في يدها طفلاً أن تبتعد عن طريقة، لأنه لا يقتل النساء والأطفال، فرق أخلاق!
بولندي الأصل بن غوريون، وروسي الأصل حاييم وايزمان، وأوكراني الأصل إسحاق بن تسفي، وروسي الأصل زلمان شازار، وأوكراني الأصل إفرايم كاتسير، وروسي الأصل مجدداً عايزر فايتسمان، وغيرهم، من رؤساء الاحتلال الإسرائيلي، ممن صدرتهم دول شرق أوروبا لاحتلال فلسطين.
نفس وسائل الإعلام التي تتعاطف مع أوكرانيا أو روسيا هي نفسها التي عملت بكل ما أوتيت من قوة على نزع الهوية الإسلامية والقضية العقائدية عن احتلال فلسطين، وفرض تسميتها في إطار الفلسطينيين، وهو ما يتنافى مع الحقيقة التي تؤكد أنها قضية المسلمين الأولى، فالقدس عاصمة فلسطين هي قبلة المسلمين الأولى، التي لا ترتبط حتماً فقط بالشعب الفلسطيني، وعليه فإن المسؤولية في جهود التحرير تقع على عاتق المسلمين جميعاً.
على نحو آخر من احتلال فلسطين الزائل حتماً، وما مر به الموضوع من حيثيات وتفاصيل، فإن مفهوم السلام يحدث بين بلدين نشب بينهما صراع، ويتم ذلك السلام وفق إرادة سياسية حقيقية مدعومة بقاعدة شعبية في البلدين، وتتم وفق تفاصيل تراعي حقوق الطرفين.
لكن السلام المزعوم فيما يخص فلسطين، والذي بدأ العمل عليه منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1978، ما هو إلا استسلام لصالح العدو الإسرائيلي، وفرض أمر واقع لن يتم، وكذلك هو استهلاك للوقت على أمل مفقود، وما فعله ضياء ينسف كل جهود السلام الفارغة التي ينفق عليها مليارات الدولارات وتسخر لها كل الإمكانات.
إن شباب فلسطين هم أول خط دفاع عنها، وما زالوا على العهد في الطريق الصحيح لتحرير فلسطين بدمائهم التي تنبت الأمل بالتحرير، وتزرع الرعب في قلوب الصهاينة، ومقاومتهم هي التي ستزيل الاحتلال عن فلسطين، وهي مركز القوة الدائم حتى الوصول لتحرير كامل التراب الوطني، وزوال إسرائيل، وهو ما لا توفره مكاتب المفاوضات التي أنشأها المحتل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.