في مشهد أعاد تعريف الدراما الأوسكارية، شهد العالم بشكل عام وجمهور الأوسكار بشكل خاص لحظة تركت الأفواه على وسعها، حين قام الكوميدي ومقدم حفل جوائز الأوسكار كريس روك بإلقاء مزحة حول فقدان جاين بينكيت، زوجة ويل سميث، شعرها بسبب المرض، فترك زوجها ويل سميث مقعده وصعد إلى المسرح في خطوات ثابتة، ثم لطم صفعة قوية على وجه كريس روك، بالطبع لم يفهم، بل لم يستوعب الأخير شيئاً مما حدث، ولكن الممثل ويل سميث عاد إلى مقعده وصرخ بأعلى صوته: "أبقِ اسم زوجتي بعيداً عن فمك".
والمثير للدهشة أن هذا المشهد الدرامي سبق فوز ويل سميث بالأوسكار بلقب أفضل ممثل على فيلمه King Richard، وهي الجائزة التي لطالما انتظرها بعد ترشحه لها مرتين، الأولى عام 2002 عن فيلم Ali، والثانية عام 2007 عن فيلم The Pursuit Of Happiness .
ويل سميث لم يكن الوحيد
بالطبع أثار المشهد السابق لويل سميث العديد من ردود الفعل المختلفة والمتباينة، وكذلك الآراء في كافة الاتجاهات، بل لم يترك حتى النقاشات العرقية والقومية والجندرية إلا وقنص لنفسه مكاناً بها، لذا ربما علينا أن نتساءل ونقول: هل هذه هي المرة الأولى التي نشهد حدثاً مثيراً للرأي العام العالمي في حفل جوائز الأوسكار؟
الإجابة ستكون: بالطبع لا، فمنذ نشأة جائزة الأوسكار عام 1929 والحفل دائماً ما يثير بمشاهده العديدة الرأي العام العالمي بمواقف محرجة أحياناً، وسياسية أحياناً أخرى، وهذه قائمة ببعض تلك المواقف والمشاهد الغريبة:
1- منذ بدايات الأوسكار وهي تعبّر عن نفسها بصفتها جائزة فنية لا تنعزل عن الواقع السياسي الحياتي للعالم، لذا حينما تم ترشيح أول ممثلة سمراء البشرة عام 1940 أثار ذلك الرأي العام، بعدما كانت الجائزة من نصيب الرجل الأبيض فقط منذ نشأتها.
ففي ذلك العام فازت الممثلة هاتي دانييل بجائزة الأوسكار كأفضل ممثلة مساعدة، عن دورها في فيلم Gone with the wind، ولكن فوزها ذاك لم يمنحها حق المساواة بالطبع مع حضور الحفل من العرق الأبيض الغربي، فتم الفصل بينها وبين بقية ممثلي الفيلم حتى لا يتساوون بالجلوس في المكان نفسه، وبالطبع لم يتم ترشيح امرأة من أصل إفريقي سوى بعد نصف قرن تقريباً، وكانت من نصيب الممثلة ووبي جولدبيرج عن دورها في فيلم Ghost.
2- خلال عام 1964 فاز الممثل أسمر البشرة سيدني بويتر بجائزة أوسكار أفضل ممثل، عن فيلمه Lilies of the field، وخلال خطابه بعد تسلم الجائزة قال إن تلك اللحظة كانت نتيجة لرحلة طويلة، مشيراً بذلك لحال ذوي البشرة السمراء خلال تلك الحقبة من التاريخ الأمريكي، ما أثار غضب وحفيظة كل المؤمنين بتفوق العرق الأبيض.
3- أما في عام 1973 فكانت جائزة أفضل ممثل من نصيب مارلون براندو، عن دوره في فيلم The Godfather، وكان متوقعاً في لحظات إعلان اسمه أن يصعد إلى المسرح ليتسلم جائزته ويلقي خطابه المنتظر، ولكن حين نهضت الممثلة الأمريكية المحلية والمدافعة عن حقوق الهنود الحمر، ساشين ليتلفيذر، لتتسلم الجائزة مكانه، كان ذلك مفاجأة غير متوقعة للكل، وما قالته بعد ذلك في خطابها كان مفاجأة أكبر، حيث قالت: "أنا أمثل مارلون براندو هذا المساء، وقد أخبرني بأن أقول لكم إنه لا يستطيع بكل أسف قبول هذه الجائزة، وسبب ذلك هو المعاملة العنصرية التي يتلقاها الأمريكيون المحليون أو الهنود الحمر من صناعة السينما الأمريكية"، وقد كانت ردود الأفعال في ذلك الوقت ساخطة عليها وعلى خطابها التاريخي.
4- ثم في عام 1994، حينما قرر كل من الممثلين سوزان ساراندون وتيم روبينز وريتشارد جير استخدام منصات تتويجهم بجوائزهم للتحدث عن آلام البشر من غير الأمريكيين، تقرر لجنة الجائزة حرمان الممثلين الثلاثة من عرض الأوسكار مدى الحياة.
فقد تحدث كل من سوزان وتيم عن تدهور نظام الرعاية الصحية للشعب الهايتي، بينما تحدث ريتشارد عن مأساة احتلال الصين للتيبيت.
ولكن بالطبع تم رفع قرار الحرمان حينما فازت سوزان بجائزة أفضل ممثلة مساعدة عام 1996 وفاز تيم بجائزة أفضل ممثل مساعد عام 2004، ولكن لا أحد حتى الآن يعلم مصير قرار حرمان ريتشارد جيرويبدو الذي لا يعيره اهتماماً.
5- أما خلال عام 2003 فقد فاز المخرج رومان بولانسكي بجائزة أفضل مخرج عن فيلم The Pianist، ولكن بالطبع لم يحضر رومان الحفل، لأنه كان هارباً إلى أوروبا بسبب محاكمته بتهمة اغتصاب الممثلة سامنثا جيمر، ذات الثلاثة عشر عاماً خلال عام 1977، حيث قالت إن رومان بولانسكي أقنعها بالذهاب معه إلى منزل الممثل جاك نيكلسون، لأنه أرادها كموديل لمجلة "Vogue"، وهناك كانا وحدهما تماماً، حيث استغل رومان ذلك لاغتصابها وهتك عرضها، وبالطبع لم ينتظر أن تتم محاكمته فقرر الهرب إلى أوروبا، الأمر الذي أثار سخرية وغضب الجمهور أنه رغم معرفة لجنة الجوائز بسابقته تلك، تم إعطاؤه الجائزة وكأن شيئاً لم يحدث.
وهو ما أثار التساؤلات حول مدى تعمق مثل هذه الجرائم داخل بنية صناعة السينما الأمريكية، فلم تكن هذه المرة الأولى التي يستغل فيها مخرج كبير اسمه كي ينال حظه من فتاة قاصر.
بالطبع لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، ففي عام 2010 أفصحت الممثلة شارلوت لويس عن حادثة محاولة استغلالها جنسياً حينما كانت في السادسة عشرة، حيث حاول رومان بولانسكي أن ينام معها مقابل منحها دوراً في فيلمه Pirates عام 1986.
6- والآن لن نبتعد كثيراً، فالمشهد الغريب التالي حدث في نفس الحفلة التي فاز بها فيلم The Pianist عام 2003، حيث فاز الممثل أدريان برودي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في الفيلم، ليقوم بفعلٍ صدم جميع الحضور والمشاهدين في منازلهم، حينما ضم الممثلة هال بيري التي منحته الجائزة إلى صدره، وقام بتقبيلها من فمها رغماً عنها أمام الجميع.
بالطبع هذا الفعل كان تحرشاً جنسياً على مرأى ومسمع من العالم، وعبّرت بالفعل الممثلة عن استيائها في أكثر من مقابلة مما حدث، وكيف أنها لم تبدِ أي علامة حول رغبتها وموافقتها على ما حدث، ولكنها قررت أن تتجاهل الأمر تماماً، وهذه كانت بعض المشاهد التي أثبتت ازدواجية معايير ذلك المجتمع الفني، حينما يتم التحرش بممثلة على الهواء مباشرة دون إبداء أية ردة فعل.
والآن وبعد كل ما سبق، والذي لا يزال سوى بعض من كل، يمكنك أن تدرك بكل بساطة أن مشهد صفعة ويل سميث لكريس روك ليس سوى قدر ضئيل من الدراما والغرابة، التي لطالما اتسمت بها حفلات جوائز الأوسكار، وذلك لكونها تمثل منصة عالمية يمكن للفرد أن يستغلها للتعبير عن أفكاره وقناعاته، وبالإضافة إلى ذلك تمثل مسرحاً ضخماً ممثلاً لتطورات الحضارة الغربية وصورتها التي يتم تصديرها إلى العالم عمداً، حيث يتم تمثيلها كل عام من مجتمعهم الفني ونخبتهم المثقفة، والتي ربما لا تختلف في شيء عن عوام شعوبهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.