ترك الهندسة وحصل على الدكتوراه في الفنون وأثناه الشعراوي عن اعتزال التمثيل! أحمد حلاوة الذي لا تعرفه

يُغيّب الموت عنا الكثيرين يومياً، وما أكثر الموت في هذه الأيام بسبب الحروب أو المرض. حينما يموت مَن لا نعرفهم ونعرف خبر وفاتهم مِن شخص آخر نحزن عليهم كما لو أن الحزن قد يُعيد الموتى للحياة. وحينما يموت من نعرفهم حتى ولو بصورة غير مباشرة فإن الحزن يكون أعمق، ويكون متجدداً في كل مرة تمر فيها صورة الراحل في خيالنا، أو على شاشة السينما التي قد لا تُغيب البعض عن الحياة لأنهم راهنوا على قيمة ما يقدمونه؛ ولأنهم عاشوا الحياة وكل ما في قلوبهم على وجوههم وألسنتهم.

في الجمعة 25 مارس/آذار رحل عن عالمنا فنان مصري يُدعى أحمد حلاوة بعد صراع طويل مع المرض عن عمر ناهز 73 عاماً. ربما لا تعرف اسمه، ولكنك تعرف صورته. هو واحد من الآلاف مروا على الشاشة العربية في عدة أعمال، في الأدوار الثانية أو الثالثة أو ضيف شرف خفيف يأتي ليقول جملة أو اثنتين لينشروا البهجة ثم يرحلون.

وكما يمكن لأدوار السينما أن تكون عن قصة حقيقية فإن حلاوة الذي لا نعرف عنه الكثير أتى وقال عدة جمل، وقام بالعديد من الأدوار، تعلم وعلم الآخرين ممن رأوا فيه أستاذاً ومُعلماً، وها هو يرحل ليستريح من عالمنا المليء بالصخب.

من هو أحمد حلاوة؟

كي نتعرف أكثر على الراحل يجب أن نبدأ من ميلاده. وُلد أحمد صلاح رجب رمضان حلاوة في 7 يناير/كانون الثاني عام 1949، ونشأ وترعرع في حي "باب الشعرية"، وكان صديقاً منذ طفولته للفنان هادي الجيار، أحد أبطال مسرحية "مدرسة المشاغبين"، الذي رحل أيضاً عن عالمنا متأثراً بإصابته بفيروس كورونا، وكان حلاوة قد حزن على وفاته بشدة، وكأن القدر الذي جمع الصديقين طوال حياتهما في نفس المحطات أرادهما أن يتشاركا نفس الألم.

لأحمد حلاوة سجل علمي طويل كسجله الفني، إذ إن الراحل حصل على العديد من الشهادات والمؤهلات العُليا التي كان أولها عام 1969، حينما حصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة "تخصص اتصالات"، ثم شهادة دبلوم معهد "ليوناردو دافينشي" بالقاهرة "تخصص ديكور"، وشهادة البكالوريوس من المعهد العالي للفنون المسرحية تخصص تمثيل وإخراج من أكاديمية الفنون بالقاهرة عام 1973.

وحصل علی دبلوم الدراسات العليا في المعهد العالي للفنون المسرحية قسم إخراج عام 1990.

كما حصل علی دكتوراه في فلسفة الفنون من جامعة الفن المسرحي والسينما ببوخارست في رومانيا عن موضوع "تقنيات إخراج الكوميديا في المسرح المصري المعاصر" عام 1994.

عمل أحمد حلاوة في العديد من المرتبات العلمية الهامة التي يُعد أبرزها أستاذ بقسم التمثيل في كلية الفنون. بالإضافة لقيامه بتدريس المسرح في كليات الآداب والتربية النوعية، كما أنه قام بالإخراج المسرحي وبرع فيه، بالإضافة لتصميم العرائس المسرحية والنحت، وقام بتأسيس "مجمع حلاوة للعلوم والفنون"، المتخصص في الفنون التطبيقية مثل الرسم على الزجاج، والتطريز، والموازييك، والديكوباج بمدينة السادس من أكتوبر، بالإضافة لمساهمته في تأسيس قسم المسرح بجامعة حلوان.

ولطبيعة حياته التي كانت عامرة بالناس والمعجبين وكل من يرون فيه قيمة كبيرة، فإن الجميع حزن علی رحيله، والجميع من داخل ومن خارج الأوساط الفنية قدموا التعازي الحارة وأعلنوا عن حزنهم الشديد لوفاة فنان شامل جمع بين الموهبة والإبداع والدراسات الأكاديمية الشاملة لكل أنواع الفنون، بالإضافة للشهادة العلمية التي رغم قيمتها فإنها لم تجذبه كما جذبته ندّاهة الفن التي ملأت حياة الأستاذ والفنان.

أسباب الوفاة

في شهر فبراير 2022 أصيب أحمد حلاوة بفيروس كورونا ونُقل علی إثره للمستشفى، وبالرغم من كثرة الإشاعات حول رحيله خلال الأيام التي تلت إصابته فإنه كان قد تعافی بشكل جزئي، وظهر في بث صوتي مع ابنته لكي يطمئن كل أصدقائه وأحبائه علی حالته الصحية التي كانت بدأت في التحسن.

تداول الشائعات حول حالة حلاوة الصحية دفع العديد من المصادر الرسمية أو المقربة لإعلان التطورات أولاً بأول، فنهال عنبر عضو مجلس نقابة المهن التمثيلية كانت هي من أعلنت عن تدهور الحالة الصحية وكان نقيب الممثلين أشرف زكي هو أول من أكد خبر الوفاة رسمياً بعدما كان من المتوقع أن تستقر الحالة الصحية بعد فترة حرجة وصعبة في حياة الراحل.

قرار الاعتزال

يوماً ما قرر أحمد حلاوة اعتزال الفن. يروي مع الإعلامي عمرو الليثي في برنامجه "واحد من الناس": أردت يوماً ما اعتزال الفن والابتعاد عنه بوصفه حراماً، فأخذني أحد أصدقائي إلی الشيخ الشعراوي وكنا نجلس معاً فسألته إذا كان الفن حراماً أم لا كي أريح نفسي.

فقال لي الشعراوي (متابعاً حديثه بالعامية المصرية) وكان معاه برتقالة وسكينة، "الفن مثل السكينة، إما تقشر بيه برتقالة وتاخد منه فيتامين سي، أو تقتل حد بالسكينة، المشكلة ليست في السكينة المشكلة فينا، إحنا اللي بنختار الطريق الذي نسير فيه وما نقدمه وهل ينفع الناس أم لا".

في نفس البرنامج فتح الأستاذ الجامعي والفنان والمُعلم قلبه، تحدث عن شهاداته العلمية وقال إنه من جيل لم يكن يعرف ما هي الشهادة التي يريد أن يحصل عليها، وإنه أراد تغذية مواهبه بالدراسات اللازمة لذلك وترك الهندسة حُباً في الفن.

مشوار طويل

للفنان الراحل مشوار طويل جداً ومسيرة طويلة حافلة بالأعمال الفنية المهمة، فعلی مدار عقود تنوعت أدوار أحمد حلاوة وتعددت، وانتقل للعمل في العديد من الحقول الفنية كالسينما والمسرح والتلفزيون، ولعل أبرز أدواره كانت مشاركاته في مسلسلات عادل إمام الرمضانية الأخيرة (العراف / عفاريت عدلي علام / صاحب السعادة)، وكانت آخر أعماله حكاية "90 يوم" ضمن حكايات مسلسل "باب ورا باب"، كما شارك في رمضان الماضي في 4 أعمال تلفزيونية، جاء أبرزها مسلسلات "الاختيار 2″ و"النمر".

في مديح الراحل

علق الفنانون علی رحيل حلاوة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بكلمات المديح والثناء علی جهده في شتی المجالات، مشيرين لدعمه لهم ومواقف جميلة جمعت بينهم وبينه علی مدار سنوات طويلة، فكتب الفنان نبيل الحلفاوي علی موقع تويتر:

"رحم الله الزميل الفنان أحمد حلاوة. كان له حضور مميز. أجاد مختلف الشخصيات التي جسدها. أسكنه الله فسيح جناته وخالص العزاء لأسرته ومحبيه".

بينما كتب الكاتب المصري إبراهيم عبد المجيد علی تويتر أيضاً: "ألف رحمة للفنان الجميل أحمد حلاوة".

وغرد الفنان صلاح عبدالله بـ‏"المبدعون الرائعون لا يرحلون، وأنت يا حبيبي لن ترحل وستبقى دوماً بيننا بسيرتك العِطرة بتاريخك الفني العظيم وطيبة قلبك وحلاوة روحك وخفة ظلك وحبك الصادق لكل من كان حولك…".

كل كلمات الرثاء تبدو غير كافية لتعزية محبي فنان اجتمع كل من عرفوه علی قيمته الفنية والإنسانية.

سنرحل جميعا وسيبقی الأثر، وسيشهد كل من عاصروا أحمد حلاوة لما قدمه. وسيفخر كل من تعلموا علی يده بالعمل مع هذا الإنسان الجميل الذي لم يبخل علی أحد ولم يتكبر علی أحد؛ لأنه فنان حقيقي، ولأن الفن يجعل الإنسان أخفّ وأفضل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]