فوضى عارمة وليس نظاماً عالمياً جديداً.. هذا ما قد تخلّفه الحرب الروسية بعد انتهائها

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/23 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/23 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
بوتين وزلينسكي في باريس، 2019/ Getty

من سينتصر في حرب أوكرانيا؟ هذا ليس هو السؤال، بل السؤال الحقيقي هو: هل ستعترف القيادة الأوكرانية بالهزيمة إن حدث ذلك؟ أجاب عن هذا السؤال فنان كوميدي أمريكي تنبّأ بأن الرئيس الأوكراني زيلينسكي سيربح الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2024.

وهذا جواب حقيقي يؤكد أن القيادة الأوكرانية الخاضعة كليّاً للإملاءات الأمريكية لن تعترف بالهزيمة، لأن القرار الاستراتيجي الأمريكي هو خلق أفغانستان أوروبية لروسيا، عبر إغراقها في وحول أوكرانيا. وما يقال عن تعثر العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أو ما يشاع عن أن القوات الأوكرانية تبدو قادرة على الإتيان بهجمات معاكسة، حتى إنها استعادت بعض القرى، هدفه بناء وهم مختلق بأن الحرب الخاطفة الروسية فشلت.

والحقيقة أن الروس لم يتحدثوا أبداً عن حرب خاطفة، ولم يعطوا أية مواعيد زمنية لنهاية الحملة العسكرية، بل تحدثوا فقط عن أهدافها دون ربطها بروزمانة زمنية محددة. والسبب في ذلك أنهم وقبل بدء حملتهم العسكرية، أي خلال التخطيط لها، أخذوا بعين الاعتبار التركيبة السكانية الأوكرانية، حيث إنهم يخوضون الآن المعارك في فناء الدار، ولذا يوفر الروس ممرات إنسانية في هذه المناطق، أما عندما تخرج المعارك من فناء الدار إلى الحديقة الخلفية، أي إلى غرب أوكرانيا، فهناك بالتأكيد ستصبح المعارك معارك حرب مفتوحة وليست حرب استنزاف، وسيكون عندها عداد الزمن سريعاً جداً.

وبمطلق الأحوال لا يمكن الحديث عن أوكرانيا في نهاية هذه الحرب؛ لأن دور الضحية في نهاية أية حرب يكون دائماً علاج الجراحات التي خلفتها تلك الحرب، لكن ما يمكن استنتاجه سلفاً هو أن الشعب الأوكراني سيُدرك أن القيادة الأوكرانية التي خاضت هذه الحرب، وهي على علم تام بأن الهزيمة تنتظرها، كانت تنفذ أجندة أمريكية وليست أجندة أوكرانية، وسيُدرك الشعب الأوكراني أيضاً أن الرئيس الروسي بوتين، الذي أراد أن يُثبت للغرب، وخصوصاً أمريكا، أن الحرب الباردة لم تنتهِ بمنتصر ومهزوم كما تظن أمريكا، فكان ثمن هذا الإثبات تدمير أوكرانيا.

وللأسف هناك من بدأ يتحدث عن نظام دولي جديد بعد هذه الحرب، لذلك وجب القول لهؤلاء إن هذه الحرب أتت في سياق سقوط أحادية القطب في النظام الدولي، ولن يتشكل نظام دولي جديد، وإن كان لا بد من توصيف جديد للنظام الدولي الموعود فهو أننا بتنا في عالم يشبه عالمَ مطرب راب يصقل مواهبه، حيث أغنيته هي عبارة عن جمل مشتتة، لها معنى أحياناً، وأكثر الأحيان لا معنى لها، ويتخلل هذه الجمل كلمات بذيئة هي الحروب في النظام الدولي الجديد الذي يتحدثون عنه.

وبشكل آخر النظام الدولي لم يعد مرتبطاً بأي تعديل على موازين القوى بين الدول، بل بات منذ زمن بعيد خاضعاً لمنظمات ومؤسسات وجمعيات، لها نفوذ كاسح، ومنها على سبيل التعداد لا الحصر: منظمة الصحة العالمية، البنك الدولي، الأمم المتحدة، مؤسسة سوروس، والمنتدى الاقتصادي العالمي.

وهنا نودّ لفت الانتباه لما نعنيه بالأمم المتحدة، وهو القسم المخوّل بالاهتمام باللاجئين، حيث يعتبر صالة انتظار تستخدمها الدول لتعويض أزمتها الديموغرافية، حيث باتت الحروب وتهجير الناس مفيدة لسد هذه الثغرة، وهذا يؤكد أن الليبرالية هي أيديولوجية شمولية تماماً كالشيوعية والنازية، بعد أن فقدت فاعليتها، حتى أصبحت نسخة معيبة أوصلت التنمية الاقتصادية لمن يتبعها إلى طريق مسدود، وباتت الآليات السحرية لفلسفة أن المنافسة تصنع العجائب خطراً على المنافسة نفسها، وما نراه من اصطفاف لا واعٍ للغرب خلف أمريكا، يؤكد أنه ليس الرئيس بايدن وحده من يتجنب كل منطق، وهو في حالة خلل فكري كما يصفه البعض في أمريكا، بل هم أيضاً يعانون مما يعانيه الرئيس بايدن وإن كانوا أصغر سناً.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ناصر الحسيني
كاتب صحفي لبناني مقيم في إفريقيا
مواليد 1958 بلبنان، حائز على ماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الصداقة في موسكو سنة 1983 ودبلوم دراسات عليا سنة 1990. مهندس استشاري لدى منظمة الأمم المتحدة للتنمية UNDP، عملت في جريدة الديار قبل عام 2000، وكذلك لي كتابات ومساهمات في جريدة النهار وجريدة البلد، مقيم في إفريقيا منذ 2010 بشكل شبه دائم في غينيا الاستوائية وغينيا بيساو.
تحميل المزيد