طالب الجمهورُ برحيله ودرّب الفريق وهو لاعب.. هكذا يكتب تشافي تاريخ برشلونة منذ ربع قرن!

عدد القراءات
1,334
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/22 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/22 الساعة 10:44 بتوقيت غرينتش
تشافي مع برشلونة (رويترز)

حينما يُفكر تشافي.. فإنه يحصل على إجابات منطقية

"لا يمكنني ركوب سيارة فيراري أو سفينة بَحرية مرة واحدة، يجب أن أبدأ بقارب صغير، بسيارة صغيرة، وأختبر نفسي واكتسب الخبرة، الفكرة هي أن تبدأ مدرباً في قطر، حيث لا يوجد كثير من الضغط؛ لإثبات نفسي واكتساب الخبرة، والهدف هو العودة إلى أوروبا وبشكل أساسي إلى برشلونة".

بهذه الكلمات، تفوَّه تشافي في عام 2019، اللاعب الذي ظهر عام 1998، بتصنيع برشلوني كامل في الأكاديمية، وبدأ مع الفريق الأول في سن الثامنة عشرة، وتدرج حتى وصل لسنة 2003، ثم بدأت الجماهير تطالب برحيله؛ لأنه من وجهة نظرهم ليس اللاعبَ المنتِج الذي يعتقدونه.

"يورو 2008" كان ميلاد تشافي الحقيقي، وميلاد إسبانيا التي عرفها العالم، كلام لويس أراجونيس، مدرب المنتخب وقتها، لتشافي بأنه العنصر الأهم في المنتخب من بداية البطولة، وأنه المايسترو الذي سيحدد كل شيء فيها، وطلب منه أن يوجد في كل مكان بالملعب، ويتحكم في الكرة ويساهم في كل تمريرة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

كانت النتيجة، أن تشافي صنع هدف توريس في النهائي، وتكلل مجهوده بحصده جائزة أفضل لاعب في البطولة وقتها، رغم أن البطولة كانت مدججة بالنجوم، لكن اختياره نتج عن إشراف تسعة من خبراء الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم أندي روكسبيرج، الذي قال عن الاختيار: "لقد جسد (تشافي) أسلوب لعب إسبانيا، لقد كان مؤثراً بشدة في المنتخب، ولسنا متفاجئين إطلاقاً بما قدمه".

وخرج تشافي من البطولة، عائداً لبرشلونة، وهو يعلم تماماً نية النادي بيعه، نعم بيعه، كما حدث مع أغلب قامات الفريق في تلك السنة، وفي مقدمتهم بالتأكيد رونالدينهو وديكو، وبالفعل كان عرض البايرن جاهزاً على الطاولة، ووكيل تشافي أكد رغبة البايرن المُلحة في ضمه.

لقد انتهى هذا الأمر فوراً، انتهى بمجرد وصول غوارديولا، الذي رفض تماماً فكرة الخروج، وأقنع تشافي بأهميته ودوره بالنسبة له، ومع الوقت، تحوّل تشافي إلى مايسترو برشلونة.

والدور الذي قدمه تشافي في فريق غوارديولا، لم يكن فقط التحكم في الكرة، وليس أيضاً إرهاق المنافس في الركض لمسافات طويلة بدون الحصول عليها فحسب، بل أيضاً في صناعة اللعب، فنجد تشافي حينها: هو أفضل صانع ألعاب في الليغا بأول موسمين لغوارديولا، تشافي هو أفضل صانع ألعاب في دوري الأبطال سنة 2009، تشافي صنع هدف ميسي الثاني ضد اليونايتد في النهائي.

نجد تشافي حصد جائزة أفضل صانع ألعاب للاتحاد الدولي للتاريخ والإحصاء لأربع سنوات متتالية بدون منافس: 2008، 2009، 2010، 2011.

كان يوهان كرويف يصف تشافي بأنه حينما يعيش يوماً سيئاً؛ فهذا يعني أن فريق برشلونة نفسه سيئ، وهذا ما أوضحه السير أليكس فيرغسون بعد نهائي 2011، إن المشكلة لم تكن في ميسي فحسب، بقدر ما هي أكبر عند تشافي وإنييستا، وقدرتهما على التحكم في الرتم وتدوير الكرة، وصعوبة الحصول عليها منهما.

داني ألفيس قال ذات مرة، إن "تشافي يعيش في المستقبل ونحن نعيش في الحاضر"، ومن أجمل ما قيل عنه: "تشافي يرى كرة القدم مثلما يرى روني أوسوليفيان طاولة السنوكر، يفكر في خمس خطوات خلال الخطوة الواحدة، يرى الزوايا الضيقة التي لا يراها غيره، بينما يبدو هذا بسيطاً للغاية، يفعلها بمنتهى البساطة".

تشافي اللاعب المدرب

يوم 12 مارس/آذار سنة 2013، كان برشلونة يواجه الميلان في ثمن نهائي دوري الأبطال، مباراة الريمونتادا التي انتهت بنتيجة 4/0.

بعض التسريبات وقتها قالت إن تيتو فيلانوفا، الذي كان مدرباً للفريق، والذي كان يُعالج من السرطان؛ طلب من رورا، مساعده، أن يُدير تشافي هذا اللقاء، ويكون لاعباً ومدرباً في الوقت نفسه.

بعيداً عن الأداء العظيم الذي قدمه تشافي ليلتها، فإن الإندبندنت البريطانية كتبت مقالاً عنه وقتها بعنوان: "بهذه المباراة يكون CV تشافي قد اكتمل".

يومها صنع الهدف الأول لميسي، والثالث لديفيد فيا، غير توجيه زملائه وتحديد مراكزهم، وضمن ذلك هدف ميسي الثاني، كان تشافي بالفعل مع ماسكيرانو يحفزه بعد الخطأ الذي كاد يتسبب في هدف التعادل.

تشافي قبل المباراة كان مصاباً، وقال إن جيل برشلونة حينها، كان في أمسّ الحاجة لصنع ليلة تاريخية؛ لكي يكون قادراً على فعل كل السيناريوهات الممكنة في الكرة.

تشافي القائد بأدوار مختلفة

في موسم إنريكي الأول، كان تشافي قد أخبر النادي بنيته الرحيل؛ لأنه كان قد أتم اتفاقه مع نيويورك سيتي بالفعل.

ما حدث أن إنريكي طلب منه أن يستمر، على الأقل لموسم واحد فقط؛ لكي يساعده في فرض سيطرته على غرفة الملابس، وأيضاً لكي يساعده في التأقلم.

حدثت العديد من التخبطات، وظهرت أخبار رحيل ميسي وخلافه مع إنريكي، خصوصاً بعد مباراة الأنويتا، بل إن الأمر طال قامات الفريق كلهم، حين قرر إنريكي معاقبتهم، والهزيمة هناك؛ زادت الطين بلة.

وقتها تحدث الإعلام والصحافة عن مباراة أتلتيكو مدريد المصيرية، التي قد تعصف بإنريكي خارج برشلونة، أو تؤكد نبوءة رحيل ميسي، وكان لابد من طرف ثالث يتدخل لحل الأزمة الناشبة.

الطرف الثالث كان تشافي طبعاً، الذي تدخل ووفّق بين الثنائي، وعمل على تهدئة الأوضاع، وفاز برشلونة بمباراة أتلتيكو، ومن هنا بدأ موسم تاريخي للنادي، انتهى بالثلاثة التاريخية.

رغم أنه لم يكن أساسياً، وكان دوره في الغالبية العظمى من مباريات الموسم إما أن يحافظ على نسق الوسط أثناء الفوز، وإما أن يعدل الوضع في حالة التأخر؛ إلا إن تشافي قال إن ذلك الموسم يكاد يكون أهم موسم في مسيرته قائداً للفريق.

لماذا كان الجميع مُتخوفاً من تشافي؟

الصحفي مايكل كوكس قال إن الضغوطات على تشافي هي الأكبر منذ كرويف، وهي أنه اللاعب الوحيد، من بعد كرويف، الذي كانت التوقعات ضخمة عليه بأن يكون مدرباً ناجحاً، من الجماهير، واللاعبين، وحتى الصحافة.

بالنسبة لمقابلاته، وفهمه للعبة وشرحها، ودوره لاعباً في منظومة إسبانيا وبرشلونة، كل هذه الأمور تزيد من شغف انتظار رؤيته مدرباً، وبالتحديد لبرشلونة.

تشافي الذي كان يتناقش مع مدربيه، ويقترح عليهم حلولاً، وضمنهم ديل بوسكي وتغيير خطته المفضلة 4-2-3-1 لـ 4-3-3 كالتي كان يلعبها برشلونة في ذلك الوقت.

من قطر إلى برشلونة.. هنا تشافي

هيمير هالجيرميسون، المدرب الآيسلندي الذي تنافس مع تشافي سنتين في فترة تدريبه للعربي القطري، قال إن تشافي يتطور كل يوم، وهذا الأمر يبدو واضحاً حتى لخصومه.

ما قاله هيمير، هو أن السد ليس برشلونة، لكنه خطوة رائعة نحو رحلة برشلونة، فمثلاً في أغلب مبارياتهم، كانوا يستطيعون تحقيق نسبة استحواذ تتراوح بين 60 و70%، وأيضاً يستطيعون تحقيق انتصارات ضخمة بالسداسية والسباعيات.

في رأي هيمير، تشافي كان يُعاني في بدايات وصوله إلى قطر، وهو لاعب بالتأكيد، لكن منذ لحظة توليه مهمة تدريب السد، أصبح قادراً أكثر على التحكم في زملائه السابقين، وهذا بالتحديد ما سهّل مهمته تماماً؛ لأنهم يعرفون ما يريده دون أن يطلبه، لتشاركهم غرفة الملابس معه، وهذا أيضاً سر تجانس كيمياء تشافي مع بيب غوارديولا، الذي كان قائده ثم أصبح مدربه فيما بعد.

حسبما قال هيمير، فإن الضغط الذي يحدث لتشافي في قطر، هو ضغط نابع من برشلونة نفسه في الأساس.

بجاركي مار أولافسون، وهو رئيس قسم السكاوتينج، ومحلل الأداء في نادي العربي القطري، تحدث في السابق عن تشافي ورأيه فيه مدرباً.

قال أولافسون إن فريق السد كان فريقاً يعتمد على الفرديات أكثر من الجماعية قبل تشافي، وبمجرد توليه زمام الأمور، تحول الفريق إلى النهج الجماعي بشكل واضح.

أولافسون رأى أسلوباً مميزاً للسد، رأى أن السيطرة المطلقة لا تعني السيطرة على كل مراحل المباراة، بل أيضاً حينما تمتلك أسلوباً قوياً، لاعبو السد كانوا يريدون الكرة حينما يفقدونها، ولا يُفرطون فيها بسهولة حينما تكون بحوزتهم.

أولافسون لم يتوقف عن هذا السرد فحسب، بل قال إن أسلوب تشافي في اللعب يشبه نهراً سريع التدفق، الماء يتدفق خلاله بسهولة وانسيابية رهيبة، إذا حاولت وضع صخرة هناك لمنعه، فسيجد الماء طريقاً للإفلات من الفخ، وهذا بالضبط ما تدور حوله جماعية السد.

واختتم حديثه قائلاً: "أسلوبه مناسب تماماً لبرشلونة، فهو أكثر الناس درايةً بالنادي من الداخل والخارج ويمكنه إدارة العناصر الموجودة هناك ببراعة شديدة، لذا لا أستطيع الانتظار لأرى ما سيقدمه هناك".

تشافي هيرنانديز مدرب السد القطري الحالي ومدرب برشلونة المحتمل/ رويترز
تشافي هيرنانديز في تدريب السد القطري/ رويترز

ماذا يحدث في برشلونة؟

في برشلونة، حينما وصل تشافي، كانت المدينة على الأنقاض، بعد الهزيمة التاريخية أمام بايرن ميونيخ، والتخبطات الإدارية والفنية، بعد التعثرات المستمرة في إطار الليغا ودوري الأبطال.

التوقعات كانت عالية، في البداية تعثر هو أيضاً، وودّع "الأبطال" بعد أن وضع نفسه في مأزق حقيقي بقرار وصوله في مثل هذا التوقيت.

في يناير/كانون الثاني من العام 2022، وُلد برشلونة، رغم تعثر ولادته في السوبر أمام ريال مدريد، ودخل في حالة من الإعياء الشديد بعد توديعه كأس الملك على يد أتلتيك بلباو.

منذ ذلك الحين لعب برشلونة 12 مباراة، فاز في تسع منها وتعادل في ثلاث، ولم يتجرع طعم الهزيمة قط، كأن تشافي وجد الدواء الذي يشفي فريقه من الداء الذي يحدث له في كل عام، وفي التوقيت.

خلال هذه الرحلة، حقق برشلونة انتصارات عريضة، وفي شهر ونصف الشهر دك شباك أتلتيكو مدريد، فالنسيا، نابولي، ريال مدريد بالأربعة، كأنه يعزف سيمفونية خالدة.

الغريب في هزيمة البيرنابيو، أنها لم تأتِ في وقت يُعاني فيه الريال، أتت كصفعة مؤلمة جداً، الفريق متصدر الليغا، ويلعب على ملعبه، ومنتشٍ بصعوده التاريخي أمام باريس، وإن كان هذا الصعود يعود الفضل فيه إلى بنزيما، الغائب الذي كان من الممكن أن يُغير قليلاً من الأمور، لكنها حدثت.

تسيّدَ برشلونة المباراة بطولها وعرضها، وقدم أداءً سيُحفر في الذاكرة، واحدة من أعظم ليالي برشلونة في تاريخه الحديث والقديم، وأمام من؟ أمام غريمه التقليدي ريال مدريد وبين جمهوره.

وليس ذلك المهم، في أن اللاعبين قد حققوا انتصاراً كهذا، بل تراهم يُقدمون دافعاً أعظم بكثير من ذي قبل، يلعبون كأنهم يريدون إثبات شيء لأنفسهم، لمدربهم، لصحافتهم، وحتى لجمهورهم الذي سئم من خذلانهم على مدار كل السنوات الأخيرة.

هذا ما تحدث عنه تشافي بالتحديد بعد هزيمة البايرن في دوري الأبطال، حينما قال إن هناك العديد من اللاعبين الذين لا يعرفون معنى أن تلعب لبرشلونة، أن ترتدي قميص برشلونة، وأن تفهم ما يحتاجه النادي منك.

وكان صادقاً، وبالفعل نجح في تغيير كل شيء، والتغيير الذي حدث، حدث في فترة زمنية وجيزة تماماً، لقد دخل تشافي مدينة متهالكة، وحوّلها إلى تحفة معمارية في مدة زمنية وجيزة، وأقنع أهلها بأن مدينتهم أجمل بكثير مما يظنونها، وأفضل مما يتحدثون عن ماضيها، وأحق بأن تُبنى حينما يتعلق الأمر بالهجرة إلى غيرها.

تشافي هو من ترك ثيابه بمقاسها، وكل من ارتداها كان أنحف مما نتوقع، ترك فراغاً في الوسط لا يمكن ترقيعه، وترك المدينة جميلة؛ ثم عاد إليها على الأنقاض، كل شيء فيها لا يشبه ما تركه.

عاد فعاد كل شيء كما كان معه، الطريقة التي وُلدت معه، ودُفنت بعده؛ منحها قُبلة كانت كافية لعودتها إلى الحياة، وبأجمل صورة ممكنة؛ بلمسته، وأسلوبه، يتحكم في المنظومة بعقله، كما كان يتحكم بها بقدمه.

تشافي هو كل من يرحلون ويتركون أثراً لا يزول، لا يمكن تعويضهم، تقابل كل الناس فيهم، لكنك لن تقابلهم، هم تحديداً، مجدداً.

"تشافي أثر لا يزول".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد