جُن المستعمرون الإسبان بحثاً عنها وقتلوا السكان ليدلوهم عليها.. “إلدورادو” مدينة الذهب المفقودة!

عدد القراءات
644
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/22 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/22 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
iStock\حملة كريستوف كولومبوس

منذ وصول المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس للعالم الجديد، واكتشاف أوروبا للأمريكتين في 1492، تم العثور على كميات ضخمة من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وتحولت إسبانيا سريعاً إلى أغنى وأقوى دولة في العالم، بعد أن ضمت معظم تلك المناطق الجديدة لسيطرتها، وخرج الآلاف من الإسبان في رحلات استكشافية، بحثاً عن الثروة والغنى في المناطق الجديدة، على حساب الإبادة الجماعية واستعباد السكان الأصليين، وخلال ذلك البحث المضني عن المعدن الثمين خرجت أسطورة المدينة الذهبية "إلدورادو" El Dorado.

متحف الذهب في كولومبيا، قطعة ذهبية من البحيرة المقدسة/ Istock

أسطورة المدينة الذهبية

سمع المستكشفون الأوروبيون عند تعاملهم مع السكان الأصليين عن أرض غنية بالذهب، والحاكم الخاص بها يتم تنصيبه على العرش باحتفال كبير، يتم خلاله تغطية جسد الحاكم بمسحوق الذهب بالكامل، وإلقاء مصوغات وكنوز ذهبية في بحيرة مقدسة لإرضاء الآلهة، ما أثار شهية وطمع المحتل الأوروبي، وبدأ البحث عما سمّوه El Hombre Dorado أو الرجل الذهبي.

وفي 1537، قام مستكشف إسباني يدعى Gonzalo Jiménez de Quesada برحلة عبر كولومبيا، وعثر هناك على شعوب تسمى The Muisca، يقومون بالفعل بالاحتفال وتنصيب الحاكم بنفس الطريقة، حتى وجدوا بحيرة Guatavita، وحاولوا تفريغها من الذهب، لتكون الأسطورة قد تحققت، لكن كنوز البلدة لم تكن كافية لتشبع جشع الرجل الأبيض، الذي لم يكتفِ بسرقة الذهب، بل قاموا باحتلال واستعباد سكان المنطقة.

كان تفكير الأوروبيين المحدود بالطمع وقتها، أنه ما دام سكان المنطقة ألقوا بتلك الكميات الكبيرة من الذهب في البحيرة، كأنها لا شيء بشكل متكرر، وغياب أي محاولات لسرقة المعدن، فهذا يعني وجود كنوز أكبر ومخزون أضخم في مكان ما، لم يتم الإفصاح عنه واكتشافه.

كما أنه بعد أعوام من التغني بالأسطورة ورفع سقف توقعات الباحثين بالقصص الخيالية وأحلام العظمة، لا يمكن أن تكون تلك النهاية، ولا بد من وجود مكان آخر يحقق المطلوب، ومن هنا خرجت أسطورة أخرى عن "المدن الذهبية السبع"، ومن بينها إلدورادو، التي تحولت من وصف شخص إلى مدينة كاملة El Dorado.

لكن ما لم يتنبهوا إليه وأعماهم عنه الجشع والإجرام، أن الذهب في حد ذاته لا يمثل شيئاً للسكان الأصليين، فقط معدن براق صاحب مظهر مميز، ويمكنه تحمل عوامل الجو، بعكس أوروبا التي اعتمدت الذهب عملة ومصدر ثروة، لكن تلك الشعوب اعتمدت بشكل رئيسي على المقايضة، ولم يتعاملوا بعملات معدنية، لذلك استخدموا الذهب في الاحتفالات والمجوهرات فقط لا غير، وانتهى اهتمامهم به عند هذا الحد.

البحث عن إلدورادو

مع الوقت بدأت الأسطورة في التبلور وزاد انتشارها، ودلل على احتمال وجودها عودة العديد إلى موطنهم بثروة كبيرة، وقوافل من الذهب والفضة، وادعى البعض أنهم أبصروا تلك المدينة بأعينهم، أشهرهم بحار يدعى Juan Martinez، الذي زعم وقوعه في الأسر، ونقله داخل المدينة، وشهد على ثرواتها الضخمة، بلا أي دليل على صدق قصته.

لكن من أهم أسباب محاولات البحث العديدة رغبة الشعوب الأصلية في التخلص من اضطهاد واستعباد إسبانيا، فكانوا يحولون اهتمام القادة المحتلين، بأن يحكوا عن المدينة الذهبية ويرسخوا وجود إلدورادو، ويقدموا اتجاهات وأماكن وهمية في مناطق خطرة داخل الغابات، فيسرع المستكشفون للبحث عن الذهب، ويموت أغلبهم في الطريق، ويتركون السكان في سلام.

أهم من بحثوا عن إلدورادو في 1541، قائد يدعى Gonzalo Pizarro "جونزالو بيتزارو"، شقيق "فرنشيسكوا بيتزاروا" أشهر المستكشفين الإسبان الذي أسقط حضارة "الإنكا" العظيمة في أمريكا الجنوبية، ومن أوائل الأوروبيين في العالم الجديد ممن اكتشفوا أو عبروا المحيط الهادئ لأول مرة، قاد شقيقه جونزالو حملة كبيرة، للبحث عن مدينة الذهب، لكن بلا نتيجة.

ثم أرسل مساعده "Francisco de Orellanaوخلال الرحلة وصل البرازيل واكتشف نهر الأمازون، وقابل الشعوب التي عاشت هناك، وعند عودته حكى عن حضارة عظيمة ومدن كبيرة عاشت هناك، لكن لم يصدقه أحد، ولم يعثر على أي ذهب.

لم يكن الإسبان فقط هم من قادوا البحث، فخلال 1528-1546 قامت إحدى العائلات الألمانية الغنية "Klein-Venedig" بشراء أجزاء من دولة فنزويلا حالياً من التاج الإسباني، بغرض البحث عن المدينة الذهبية، وقاموا بأول محاولة في 1529، لكن مع التوغل في الغابات والأماكن غير المستكشفة، قابلوا مقاومة شديدة من القبائل التي عاشت هناك، مع انتشار الأمراض وصعوبة نقل الطعام، وفشلوا في النهاية، ثم حاولوا مرة ثانية في 1533، وصاحبهم الفشل أيضاً، ومات القائد بسهم مسموم من شعوب المنطقة، وعاد من الحملة 80 شخصاً فقط من العدد الأصلي (2000)، وبعدها تم إرسال بعثات أخرى لكن بلا نتيجة.

كما شاركت إنجلترا في السباق، بقيادة البحار الأسطوري "السير والتر رايلي Walter Rayleigh" في 1595، ووصل مدينة تدعى Manoa، وفي الطريق حارب الإسبان واختطف منهم من يوفر له معلومات عن الطريق، لكنه فشل أيضاً في الوصول لأي شيء، وحتى يُقال إنه كذب بخصوص تلك المدينة، ولا وجود لها بالأساس، لكنه عاود المحاولة مرة أخرى في 1616، وخرج بحملة من جديد مع ابنه، وهاجموا مواقع إسبانية، ومات ابنه في المعارك، واختتم إخفاقه بأن تم إعدامه في إنجلترا، لأنه كسر معاهدة سلام مع إسبانيا، بهجومه على المستعمرات، وانتهت رحلات بحثه بلا طائل هو الآخر.

ما بعد الأسطورة

استمرت الرحلات والمحاولات للبحث عن مدينة لم يرها أحد من قبل، ولا يملكون أي دليل حقيقي على وجودها من الأساس، راح ضحية تلك الحملات آلاف البشر من المستكشفين والسكان الأصليين، الذين وقعوا أحياناً تحت التعذيب في سبيل معلومات وهمية لا وجود لا، أو سقطوا في مواجهة محتل غريب يهدد حياتهم في الغابات، حتى قل ثم اختفى الاهتمام بالأسطورة بعد قرنين تقريباً من ظهورها.

أما بحيرة Guatavit المقدسة، في دولة كولومبيا حالياً، فأصبحت تركيز الباحثين عن الذهب، ومرات عديدة حاولوا تجفيف البحيرة واستخراج ذهب التضحية والاحتفال، وبالفعل أخرجوا كميات محدودة منها، وآخر المحاولات كانت قرب الـs1900، لكن البحيرة حالياً موقع تراث تحت الحماية منذ عام 1965، وما زالت تعاني من محاولات سرقة متعددة.

لكن الجانب الإيجابي من رحلات البحث أنها أسهمت في استكشاف مناطق واسعة من أمريكا الجنوبية، وعمل خرائط لها، وأصبحت معروفة للعالم، وفي الوقت نفسه أصبحت دليلاً يعيش مدى الحياة على جشع وجنون الاستعمار، والعمى الذي أصابهم مع ذكر الذهب، الذي بالمناسبة دمر اقتصاد إسبانيا بعد ذلك، بسبب الكميات الكبيرة الواردة، والتي تسببت في تضخم ومشاكل كبيرة في الإمبراطورية الأوروبية قصيرة الأمد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمرو عدوي
مدون مصري مهتم بالتاريخ
مدون مصري مهتم بالتاريخ الأوروبي والعصور الوسطى، والاساطير القديمة والميثولوجي
تحميل المزيد