عصفور الكناري الذي غزا إسطنبول.. كيف أصبح بيدري أهم موهبة كروية في العالم؟
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت جائزة "الفتى الذهبي" لعام 2021، ولأن الذهب للذهب كانت من نصيب فتى برشلونة بيدري الذي حصل على الجائزة بأعلى فارق للأصوات في تاريخها مبتعداً بمسافة كبيرة عن أقرب منافسيه، في موسم شارك خلاله في ما يقارب في 68 مباراة في برشلونة، بل في المنتخب الإسباني الأول والأوليمبي بعدد مباريات مهول للاعب في هذه السن، مما أظهر بسببه الكثيرون القلق على مستقبل اللاعب الشاب ،مما سموه الإنهاء المبكر لمسيرته ومجهوده البدني.
في ذلك الحين ظهرت بعض الأصوات التي نددت بما سمته "التفخيم الإعلامي- أو المبالغة-" وأنه ما زال لم يقدم ما يستحق عليه هذه البروباغاندا وأنه سيفقد بريقه مع الوقت خصوصاً بعد إصابته التي أبعدته عن تشكيل برشلونة لعدة أشهر.
لكن عاد بيدري وبعودته انفجر وظهر من الشاب الموهبة وحش كاسح بنسخة "بيدري تشافي". يركض في كل مكان، يمرر بقياسات فوق الدقيقة، يصنع فرصاً محققة، وفوق كل هذا تطور آخر في شخصية "الجولدن بوي" الذي أصبح يفتح الدفاعات المحصنة بمراوغاته البسيطة ويكمل الهدف بمراوغة أمام 50 ألف مشجع مجنون في ملعب "لم يرَ مثله من قبل" على حد تعبيره، إلا أنه أكمل الجملة "كان الأمر ممتعاً".
الفتى الشاب يستمتع بالضغوط أمام كل هذا الحشد ويحولها إلى متعة تحاول أن تعيد مشاهدتها كلما مررت على مقطع للهدف في وسائل التواصل الاجتماعي. ذلك الفتى لا شيء فيه يلائم ما يفعله بالكرة، فكيف لهذا الجسد النحيل أن يصنع كل تلك الجودة. والفارق بين جودة بيدري وبين أي من المواهب أو اللاعبين الذين في فئته السنية أن بيدري لم يبدأ في اللاماسيا أو في إحدى الأكاديميات الكبرى في كرة القدم وإنما هي مجرد صفقة من الدرجة الثانية لتدعيم الفريق الرديف وصلت إلى برشلونة بمساحة من السخرية حول صفقات برشلونة المريبة، حتى انفجَرت تلك الصفقة بفوز بجوائز وترشح للكرة الذهبية في سن الثمانية عشرة!
والفارق الآخر بينه وبين منافسيه ظهر أيضاً في إحصائية أصدرها معهد Cies لدراسات كرة القدم بعنوان "لماذا فاز بيدري بالفتى الذهبي؟". في بحث عن 100 لاعب شاب اكتسبوا الخبرات والمشاركات رغم عدم تجاوز أعمارهم العشرين، يعتمد على عدد الدقائق التي لعبها كل لاعب مع الفرق المختلفة خلال الموسم بالمقارنة بحجم المنافسة، جاء على رأس تلك القائمة بالطبع بيدري، فذاك الولد استطاع حجز مركز أساسي في تشكيل المنتخب الأول الإسباني وبرشلونة بمعدل خبرة وصل 100% حسب الإحصائية.
نضج الفتى
كبر بيدري وزادت خبرته ومعها زاد برود أعصابه وتعمقه في اللعب، فمن منظور بيدري هو لا يرى الملعب ولا اللاعبين ولا الجمهور، تجده يميل برأسه إلى الكرة وكأنه ينافس الكرة لا الخصم، فيخرج بأشياء لا علاقة لها بمجرى المباراة؛ مراوغة من هنا أو هناك وهو يومئ برأسه للأسفل تجعل دفاع الخصم في مرحلة ما قبل صدمة الهدف، لا يحتاج إلى تعليمات من الخارج أو تكتيك، لا ترهقه بمثل تلك الأشياء، هو لا يربط حذاءه، ولا يرفع حتى جواربه! مثل العاشق يركض وراء عشيقته طوال التسعين دقيقة.
"فلاش باك".. بداية الموهبة
مع ولادة نجومية إنييستا عام 2002 ولدت فعلياً موهبة جديدة تسمى بيدري، وفي عمر صغير بدأ في براعم نادي تيغيستي في إحدى جزر الكناري قصة العشق. ومع بدء القصة بدأ في لفت الانتباه، كان جميع الآباء والمدربين يفاجئهم كثيراً ما يفعله هذا القصير بالكرة، ولكن المفاجأة أنه هو نفسه يتفاجأ! حيث يحكي عنه مدربه قائلاً: "استطاع إحراز هدف خرافي بعد أن راوغ عدة لاعبين، بعدها سألته كيف فعلت هذا قال لا أدري، كان هذا طبيعياً"، "بيدري كان دائماً يستطيع اتخاذ القرار الصحيح في سن صغيرة كان يمكن أن يعطي لك التمريرة الصحيحة في الوقت الصحيح ونادراً ما ترى هذا في لاعب بهذه السن".
بعدها ذهب بيدري لنادي لاغونا وهو ذو 14 عاماً وكالعادة كان في فريق ما تحت الـ18، ولكن لم يكتفِ بهذا، فبعد أول مباراة طلب المدرب تصعيده للفريق الأول في هذه السن ورغم الفارق الجسماني الضخم استطاع أن يجاري الصغير بقدمين نحيفتين الكبارَ بكل سهولة، حتى وصلت له عدة عروض، إلا أنه اختار عرض لاس بالماس ليغادر بقصة جديدة ويشارك في فريق الشباب.
ولكن لن يكون الأمر مفاجئاً، بيدري في سن الخامسة عشرة وبعد وقت قصير من وصوله تم تصعيده للفريق الأول للاس بالماس وكالعادة كان قراراً محفوفاً بالخوف والمخاطر من إصابته نظراً لضعف بنيانه وصعوبة التدخلات، إلا أنه وكعادته استطاع جذب الأنظار بالتأثير الضخم الذي قدمه مع الفريق الأول حتى إنه أبهر جميع فرق الدوري الإسباني وانهالت العروض على الطفل "المعجزة".
ولكن برشلونة كانت له الأولوية لأن هنالك شخصاً يدعى أوتيرو كان يعمل كشافاً للمواهب في كتالونيا لعامين قبل أن يغادر، ولكنه قرر أن يهدي مكافأة نهاية خدمة للبرسا تذكرهم به فقرر الاتصال بخوسيه ماريا مدير أكاديمية برشلونة وأكد له أنه أمام فرصة العمر للاعب يعد نموذجاً لبرشلونة، وقام بتهديده أنه إن لم تكن هناك سرعة في تلك الصفقة بسهولتها الآن لن تكون الأمور سهلة بعد عام.
لم يكذب خوسيه الخبر، ليأتي بعقد يملؤه باسم بيدري فور مشاهدته لمدة عشر دقائق، عقدٌ بخمسة ملايين يورو، في شهر سبتمبر/أيلول عام 2019، وقبل أن يتم بيدري أربع مباريات رسمية مع الفريق الأول للاس بالماس، كان الاتفاق أن يكمل مع الفريق الموسم على سبيل الإعارة وفور الانتهاء يرسلونه على أقرب طائرة إلى إقليم كتالونيا.
كومان قاتل المواهب والفرحة
جاء بيدري فرفضه كومان منذ البداية لصغر سنه، فلم يره لائقاً أن يلعب لاعب بمثل سنه في الفريق الأول لنادي الإقليم، وافق أن يشارك بالفترة التحضيرية، وهذا ما كان يراهن عليه المسؤولون، فهذا السحر ما يحدث للجميع، سترفضه، ولكن فقط أعطِه فرصة وسترى ماذا سيحدث، يمكنك التوقع عزيزي القارئ، بالفعل انتهى الأمر بـ46 مشاركة من أصل 47 مباراة مع كومان! فبعدما كان الفريق المهلهل لا يتحمل التجارب أصبح بيدري ركناً أساسياً لا يتحمل الفريق تغييره.
لماذا يحتاج الجميع لاعباً كـ"بيدري" في الفريق؟
بيدري ضعيف البنية نعم، لكنه يتصدر كل أرقام الضغط لبارسا الموسم الماضي بـ22 محاولة ضغط لكل مباراة، 7 محاولات للضغط المضاد، و4 استردادات للكرة حسب إحصائيات StatsBomb. كما أنه ثاني أكثر لاعبي الدوري الإسباني صناعة للفرص (12) بعد لوكا مودريتش، في الموسم الماضي، تجده في كل مكان، صديق الجميع لأنه دائماً ينقذك عندما توشك على فقدان الكرة.
والأهم من هذا هو ما يقدمه بيدري في عامه الثاني مع البرسا، وعلى الرغم من كل هذه الجوائز والضجة فإنه لم ينشئ علامة تجارية أو يصنع مشكلة مع مدرب أو يضغط على النادي في تجديد العقد.
يلعب الكرة فقط ولا تشغله كرة القدم الحديثة المليئة بالمال. لا يتحدث كثيراً بشخصيته الخجولة، ولكن فقط أنزله إلى المستطيل الأخضر سيتحول إلى ماكينة رسم إبداعية.
وخلاصة الأمر أنه إذا أردت أن ترى حالة برشلونة دائماً فانظر إلى بيدري، فهو يعكس لك مستقبل برشلونة تحت حقبة تشافي، سيحتاج الأمر وقتاً وجهداً ولكن التطور حتى ممتع.. فنحن لسنا في حاجة لانتظار النهاية السعيدة، ولكن السيناريو منذ بدايته يرسم لك النهاية التي تتوقعها، ورغم هذا ستستمتع بالفيلم وتقف في نهايته تصفق للمخرج ولبيدري ولجميع اللاعبين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.