يقول وزير خارجية ورئيس الوزراء السابق في دولة قطر حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني عن السياسة الإيرانية إنه أطلق عليها "سياسة الفستق"، وهي تجربة مر عليها غالبية من حاور الإيرانيين، حيث يقول إن من المعروف عن الإيرانيين كرمهم في الضيافة، ودائماً ما يضعون أمام الزوار مجموعة متنوعة وعلى رأسها الفستق، وبينما ينشغل الضيوف في تناول عدد كبير من حبات الفستق يكون الممثل الإيراني حريصاً على اختيار حبة من الفستق وكأنه يبحث عن معاير، ثم ينتقيها بعد بحث طويل، ليشرع في التدقيق بجميع تفاصيل خياره، ومن بعدها يهم في تحضيرها لتناولها وكأنه يحضر أحد أصعب الوصفات.
هكذا هي سياسة الجمهورية الإسلامية في إيران، سياسة قائمة على استراتيجيات متأنية في تثبيت قواعدها، فكيف رسمت إيران اليوم عبر الصواريخ التي استهدفت قاعدة للموساد في أربيل، مقدمة لعصر إيراني في المنطقة؟
الرسالة من حيث الشكل
اختار الإيرانيون أن يكون الرد من الأراضي الإيرانية وتحديداً من كرمنشاه رغم أنهم يستطيعون توجيه الضربة من داخل العراق عبر إحدى الميليشيات، لكنهم أرادوا إرسال رسالة واضحة عالية النبرة، رداً مباشراً على القصف الإسرائيلي الذي استهدف منذ فترة مصنعاً للمُسيّرات الإيرانية في دمشق، والأمر الآخر هو تأثير الصواريخ، فقد كان بإمكان الإيرانيين استخدام صواريخ أقل دقة وضرراً، إلا أنهم اتخذوا القرار بالاستهداف المباشر والدقيق وتدمير المقر بأكمله رداً على محاولات الإعلام العبري لفترة زمنية طويلة التقليل من قوة ودقة الصواريخ الإيرانية.
من حيث المضمون
حملت الضربة الإيرانية مجموعة كبيرة من الرسائل، أولها أنها جاءت بعد توقف مفاوضات فيينا وذلك بناءً على طلب روسيا الحصول على ضمانات أمريكية على ألا تضرّ العقوبات المفروضة عليها بسبب أوكرانيا التجارة مع طهران، وبعيداً عن فيينا وبالعودة إلى دمشق فإن استهداف إسرائيل لقواعد إيرانية يبدو أنه جاء برضا روسي، فروسيا هي التي غابت عن السماء يوم القصف في سبيل كسب إسرائيل إلى جانبها في كييف.
استطاع صناع القرار في إيران التعامل بطريقة سريعة وذكية مع الأحداث، فالدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية تبحثان عن الرضا الإيراني اليوم في المنطقة، وروسيا لا تريد خسارة إيران ودفعها نحو الغرب، وإسرائيل لا تستطيع الرد في هذا الوقت على أي عملية مباشرة، لذلك حاولت إسرائيل التهرب من موضوع القاعدة في أربيل واعتبار أن القصف لم يستهدفها إلا أن الرسالة وصلت للجميع واستطاعت إيران تدمير قاعدة متقدمة للموساد على حدودها، ولم يخلُ القصف الصاروخي من رسالة ضمنية أخرى، فالعملية بدأت عند الساعة ١:٢١ دقيقة ليلاً، وهو توقيت اغتيال أمريكا للقائد الإيراني قاسم سليماني.
عرفت مكانها فتدللت
واقعياً نحن على بعد أيام من الاتفاق النووي التاريخي لإيران مع الغرب، استطاع الرد الإيراني في أربيل والذي أعقبه اتصال بين لافروف وعبد اللهيان نتج عنه عودة كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني إلى طهران، ويأتي هذا الأمر بعد أسبوع فقط من عودته إلى فيينا بعد توقف دام 4 أيام لنفس السبب.
وبعد عودته، قال دبلوماسيون إن طهران عادت بمواقف متشددة إلى الطاولة، وهو الأمر المتوقع أن يحدث عند عودته بمواقف ومطالب أكثر، فعليّاً إيران اليوم قاب قوسين من الحصول على صفقة تاريخية، فالحرب الأوكرانية وتأثيراتها على الصعيد العالمي تدفع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لاستيعاب إيران التي يعلمون تأثيرها الجيوسياسي على المنطقة، والجميع يريد أن يضمن مصالحه التي تستطيع أيران تأمينها إلى حد كبير، وهنا ينطبق القول "عرف الحبيب مكانه فتدللا".
الاتفاق النووي وشكل المنطقة
مما لا شك فيه أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على تغييرات جذرية حادة، معطوف عليها تغير في التحالفات الإقليمية، وسيأتي ذلك على وقع الانتصار التاريخي للدبلوماسية الإيرانية، التي استطاعت أن تروض الولايات المتحدة الأمريكية وأن تصيبها بدوار الجولات والمفاوضات حتى صبت التغييرات العالمية والإقليمية لمصلحة إيران، والآن ستذهب لتوقيع اتفاق حصلت فيه على أكثر مما طمحت إليه حتى، ومع دخول الاتفاق حيز التنفيذ، نكون أمام حدث استثنائي، وسيظهر مع الأيام الاتفاق النووي بشكله الكلي وتأثيره على الكثير من الدول بداية من العراق ووصولاً للبحر الأحمر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.