أذاقت روسيا جحيم الغزو واليوم تحارب من أجلها! كيف وصلت الشيشان إلى هذه الحالة؟

عدد القراءات
5,094
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/15 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/17 الساعة 15:17 بتوقيت غرينتش
رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان مع بوتين/رويترز

"القتال إلى جانب روسيا في أوكرانيا جهاد"، هكذا أفتى صلاح مجيف، مفتي الشيشان! قد تبدو فتوى عادية في سياق صار أغلب الفتاوى في عالمنا الإسلامي رهين السلطة السياسية وإشاراتها، لكن لو ربطنا هذه الفتوى بتاريخ علاقات الشيشان وروسيا لوقَفْنا على تناقض سريالي، بين الشيشان "أرض الجهاد" ضد روسيا، والشيشان التي تفتي في واجب الجهاد معها.

فالشّيشان إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية، تقع شمال شرق جبال القوقاز عند الحدود الأوروبية الآسيوية، أغلب سكانها من المسلمين، وقد عرفت الإسلام منذ أكثر من ألف قرن بواسطة التجار العرب.

انطلقت معاناة الشّيشانيين مع الروس في الثالث والعشرين من شهر فبراير/شباط سنة 1944، خلال الحرب العالمية الثانية، حينما جمع جوزيف ستالين، رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي حينها، شعب الشيشان والأنجوش في عربات ونفاهم إلى سيبيريا المتجمدة بتهمة الخيانة والتعاون مع النازية، بعد أن قتل المئات وحرق القرى، في عملية قال عنها رئيس الشيشان الحالي رمضان قاديروف: "لا توجد أي حرب من الحروب التي عاشها الشيشانيون يمكن مقارنتها بقمع جوزيف ستالين (ليكن ملعوناً إلى أبد الآبدين)".

مشاهد مرعبة نقلت عن تلك "الإبادة العرقية"، حول جرائم الجيش الأحمر المرتكبة في حق شيوخ ونساء ومرضى وأطفال الشيشان.

قصص مخيفة دَوَّنَها التاريخ عن إجرام ستالين وجنوده في حق الشيشانيين، انطلاقاً من قتل مرضى داخل المشافي مروراً بإلقاء شيوخ من مبانٍ عالية وحرق أطفال ونساء في إسطبلات، وصولاً إلى ممارسة نظام العبودية على من تبقى من الشعب.

تواصل تهجير الشّيشانيين إلى سيبيريا ثلاث عشرة سنة قبل أن يأمر الحاكم السوفييتي نيكيتا خروتشوف سنة 1957 بإعادتهم في إطار مراجعة سياسات ستالين.

حرب الشيشان الأولى: معركة الاستقلال عن روسيا الاتحادية

حمل العائدون من سيبيريا جبالاً من الذكريات المؤلمة، أغلقوا عليها صدورهم حينها وضمدوا جراحهم بالصبر والكتمان، إلا أن أبناءهم ورثوا حقد الآباء والأجداد على الاتحاد السوفييتي، وانطلقوا بعد ديسمبر/كانون الأول 1991 تاريخ تفكك وانهيار الاتحاد السوفييتي، بقيادة الزعيم جوهر دوداييف، الذي نفي مع عائلته وهو رضيع إلى سيبيريا وعاش فيها السنوات الثلاث عشرة الأولى من حياته، في معركة انفصال واستقلال عن روسيا الاتحادية بعد أن كان قائد فرقة عسكرية في سلاح الجو السوفييتي.

سُمّيت تلك الحرب بحرب الشّيشان الأولى، قادها من الجانب الشّيشاني إلى جانب جوهر دوداييف قيادات شيشانية أخرى منها "سليم خان" و"أصلان مسخادوف" و"شامل باساييف" كما عاضدهم مجاهدون عرب قادمون من أفغانستان بعد طرد الروس منها، على رأسهم سامر السويلم المعروف باسم "القائد خطاب".

واعتمد الشّيشانيون في تلك الفترة على المفتي أحمد قاديروف، أحد القيادات الدينية، في دعوة الأهالي للجهاد ضد الروس وشحذ همم المقاتلين.

شهدت الحرب ضد القوات الروسية معارك ضارية على طريقة حرب الشوارع، أبرزها معركة غروزني التي كبدت الروس خسائر مادية وبشرية هائلة، جعلت بوريس يلتسن رئيس روسيا الاتحادية ينصاع سنة 1996 إلى إعلان وقف إطلاق النار وإمضاء معاهدة سلام المعروفة باسم "اتفاقية خاسافيورت" سنة 1997 مع الجمهورية الشّيشانية المستقلة بقيادة أصلان مسخادوف.

حرب الشيشان الثانية والعودة إلى روسيا الاتحادية

إثر انتهاء حرب الشّيشان الأولى، وبين سنتي 1997 و1999 كانت البلاد ساحة للاقتتال والتنازع الداخلي.

استغلت روسيا الاتحادية بقيادة فلاديمير بوتين حالة الفوضى والاختلافات التي شقت الفصائل المقاتلة والحكومة الشيشانية، مستندة إلى قرار رئيس حزب الأمة الإسلامية مولادي أودوغوف وجيش اللواء الإسلامي بقيادة خطاب وشامل باسييف سنة 1999 تحرير داغستان من الاحتلال الروسي، وأطلقت عملية عسكرية في الشيشان من أجل إعادتها إلى حظيرتها.

شنَ بوتين حرباً مدمرة على الشّيشان معتمداً خطة الأرض المحروقة، ونجح في ضم قيادات شيشانية إلى صفوف معاركه ضد جيش اللواء الإسلامي، أبرزهم مفتي الشيشان أحمد قاديروف الذي اختلف مع الرئيس الشيشاني حينها أصلان مسخادوف حول ضرورة وقف الحرب وطرد المجاهدين العرب ومحاكمة خطاب وشامل باسييف.

مَثَّلَ انضمام أحمد قاديروف ومن التحق به من القوات الشّيشانية إلى روسيا نقطة إضافية في ترجيح موازين القوى لصالح بوتين، وبعد نحو السنتين من الحرب وتحديداً في مايو سنة 2000 نجحت روسيا في دخول العاصمة الشيشانية غروزني والسيطرة على بعض المدن الأخرى وإعلان ضم الشيشان إلى روسيا الاتحادية من جديد وتنصيب أحمد قاديروف رئيساً للشيشان موالياً لروسيا.

استمرت المقاومة بقيادة أصلان مسخادوف وشامل باسييف وخطاب في محاولة إخراج روسيا من الشّيشان حتى سنة 2009، سنة إعلان نهاية الحرب الشيشانية الثانية وسيطرة روسيا على الشيشان بشكل كامل، بعد قتل خطاب ومسخادوف وموت باسييف وكذلك قتل أحمد قاديروف من قبل المقاومين. عيَّنَ بوتين رمضان قاديروف مكان والده رئيساً للشيشان سنة 2007 ليدشن مرحلة متطورة من الولاء والتبعية لروسيا.

رمضان قاديروف ورحلة التبعية لبوتين

على درب والده أحمد قاديروف تحول رمضان قاديروف من مقاتل من أجل استقلال الشّيشان عن روسيا الاتحادية إلى الفتى المدلل لفلاديمير بوتين وعصاه الغليظة لصالح تحقيق أهدافه العسكرية في جميع الحروب التي خاضها داخلياً وخارجياً، وقد راوح بين القوة وتوظيف الإرث الديني لوالده في تطويع شعب الشيشان المسلم لخدمة هذه الأهداف.

لا يخفي قاديروف ولاءه لبوتين والإعجاب بشخصيته وتبعية الشّيشان لسلطة الكرملين. في الحرب الأخيرة في أوكرانيا، أظهر قاديروف هذه التبعية بإرسال نحو 12 ألف مقاتل لدعم موسكو "بالجهاد في أوكرانيا" بعد أن وجَّه رسالة لبوتين طالبه فيها باستخدام المزيد من القوة في معارك أوكرانيا قائلاً: "إن القوميين الأوكرانيين لا يفهمون سوى لغة القوة، وقد حان الوقت للتوقف عن مهادنة العدو ويجب البدء بعملية عسكرية واسعة ومن كافة الجهات في أوكرانيا. يجب أن نغير التكتيك الذي نتبعه معهم. يجب أن يعطي بوتين الأوامر المناسبة لكي نقضي على هؤلاء النازيين".

ليست المرة الأولى التي يدعم فيها قاديروف الابن القوات الروسية، فقد سبق أن ساند الجيش الشيشاني معارك بوتين في جورجيا سنة 2008 وحرب ضم جزيرة القرم سنة 2014 وكذلك في دعم النظام السوري سنة 2016.

 يرجع هذا الولاء طبعاً إلى ما ورثه قاديروف الابن عن والده من طاعة لروسيا، ولكن أيضاً إلى العلاقة الشخصية التي بُنيت بينه وبين بوتين منذ سنة 2000 ، والتي وظَّف من خلالها رئيس روسيا الاتحادية، ميليشيات قاديروف الخاصة التي تسمى "قاديروف تسي" في تعذيب وخطف واغتيال عدد من المعارضين لسياساته.

ظل رمضان قاديروف على عهده مع بوتين نظراً لفضله عليه في توليته رئاسة الجمهورية الشيشانية والاستمرار في الحكم منذ 2007 إلى اليوم والدعم المالي والسياسي الذي يحظى به من قبل الكرملين.  

الأكيد أن هناك تغيراً حصل داخل الشيشان، في تحويله من بلد مقاوم لسياسات روسيا التوسعية إلى بندقية تُوجَّه إلى خصومها.

جنود من الشيشان في استعراض عسكري قبيل المشاركة مع الجيش الروسي في الحرب ضد أوكرانيا/ رويترز
جنود من الشيشان في استعراض عسكري قبيل المشاركة مع الجيش الروسي في الحرب ضد أوكرانيا/ رويترز

والظاهر أن التحول كان في مستوى قيادة البلاد، ولكن أيضاً من المهم التأكيد على أن قبولاً شعبياً رافق هذا التحول، مَردُّه الإنهاك والخسائر التي أصابت شعب الشيشان بفعل الحروب وكذلك الخطاب الديني الذي يعتمده قاديروف، والإرث الروحي الذي تركه له والده.

ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه القابلية الشعبية، خاصة في ظل مواجهتها بخطاب من نفس المرجعية من قبل مسلمي أوكرانيا وبقية العالم الإسلامي وفي ظل إقحام رمضان قاديروف الشيشان في معارك لا تعنيهم بشكل مباشر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

سليمان شعباني
كاتب ومحلل سياسي تونسي
خريج قانون من كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة (تونس)، متحصل على شهادة في العلوم السياسية من معهد تونس للسياسة ومتخرج من الأكاديمية الدولية للحوكمة الرشيدة بالمدرسة الوطنية للإدارة في تونس، كاتب صحفي في عديد من المواقع التونسية والعربية، وصدر له كتاب بعنوان القوانين المنظمة لاستغلال الأراضي الدولية في تونس
تحميل المزيد