بين “الجهاد الأفغاني” و”التطوع الأوكراني”.. ما الذي اختلف هذه المرة؟

عدد القراءات
892
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/15 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/15 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
مقاتلون في أفغنستان على اليمين، وعلآ يسار الصورة متطوعون للقتال في أوكرانيا - عربي بوست

 في قرار لم يتفاجأ به الكثيرون آنذاك، أعلنت موسكو غزو إحدى الدول التي تقع في محيطها الجغرافي خوفاً من تقارب تلك الدولة مع الأعداء الغربيين؛ مما قد يهدد أمن موسكو مستقبلاً ولأنه وقبل فترة زمنية قصيرة قد أطيح بالحكومة الموالية لموسكو في ذلك البلد فبات لزاماً عليها التدخل لتحمي حدودها من أي خطر محتمل في المستقبل.

هذه الدولة ليست أوكرانيا مهما تشابهت الأحداث والروايات بين الحالتين، لكنها أفغانستان عزيزي القارئ التي تعرضت للغزو السوفييتي قبل قرابة 42 عاماً للأسباب نفسها التي تعرضت لها أوكرانيا، وفي تلكما الحالتين لسنا في حاجة لأن نوضح أن تلك الأسباب كلها لم تكن سوى ستار لاحتلال روسي أو سوفييتي، الهدف الرئيسي منه هو المصالح الاقتصادية ما بين النفط في أفغانستان والثورة المعدنية وبين القمح والموانئ وخطوط الملاحة في البحر الأسود في أوكرانيا.

ولأن التشابه بين الحالتين كبير للغاية فعلينا أيضاً إيضاح أن موقف القوى الغربية والولايات المتحدة تجاه هاتين الحربين قد تشابه كثيراً مع الواقع في البداية؛ فالغرب غض الطرف كلياً عن نداءات أوكرانيا بالتدخل لجمح الغزو الروسي تماماً، مثلما غض الطرف عن نداءات الشعب الأفغاني بل إن البعض يذهب بعيداً في رؤيته للأحداث، بالزعم أن الغرب في كلا الموقفين قد استدعى روسيا بكامل إرادته للدخول في موقف عسكري متأزم في كلا البلدين.

من هذه اللحظة يا صديقي دعنا نودع المتشابهات بين المعركتين فالموقف الغربي تجاه البلدين سيختلف تماماً بعد ذلك.

بعد أيام قليلة من الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية وتخاذل حلف الناتو مع كييف التي كانت بصدد الانضمام للحلف العسكري الأقوى عالمياً، اضطر الرئيس الأوكراني فيلاديمير زيلينسكي للاستعانة بالإنسانية للدفاع عن أراضيه ووجه نداءه المفاجئ للمقاتلين الأجانب للانضمام لساحات القتال في بلاده تحت راية الجيش الأوكراني.

إعلان قابلته الدول الغربية بترحاب كبير وصل حد أن أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس عبر شاشة BBC تأييدها الكامل لمشاركة مقاتلين أجانب من العسكريين والمدنيين في القتال ضد القوات الروسية، ومن بين هؤلاء مواطنون المملكة المتحدة نفسها.

بعدها بأيام، بدأ الكثير من الدول الأوروبية تباعاً الإعلان عن تطوع عدد من مواطنيها للقتال في أوكرانيا وسط احتفاء كبير من الصحافة الأوروبية بذلك وتداول للقصص البطولية عن عائلات ذهبت بالكامل للقتال ضد العدو الروسي أو مسن ارتدى البزة العسكرية التي احتفظ بها لعشرات السنوات مرة أخرى استعداداً للدفاع عن الأبرياء من مواطني أوكرانيا، وبالطبع هذه الحفاوة ما هي إلا بداية فقط لما سيحدث مستقبلاً من تكريم كبير سيحظى به هؤلاء الشجعان الذين استفزتهم مشاهد الهروب الكبير من المدن الأوكرانية للأطفال والسيدات ولم تستفزهم مشاهد مماثلة قادمة من العاصمة كابول.

حركة طالبان أفغانستان كندا
لاجئون أفغان يحاولون عبرو الحدود مع باكستان/ رويترز

ولأن بالطبع من حق أي إنسان أن يقرر الجهة التي سيقاتل تحت رايتها والمواطنين الذين سيضحي بروحه فداءً لهم فلا يمكننا أن نقيس الاختلاف بين المعركتين اللتين تتشابهان كثيراً هنا، ولكن الاختلاف يأتي من الموقف الذي اتخذته هذه الدول وتلك الصحف من الأجانب الآخرين الذين قرروا التضحية بروحهم فداء للشعب الأفغاني ضد المحتل الروسي، وهم أيضا أبطال وشجعان بكل تأكيد حتى تلك اللحظة على الأقل وحتى توقيت تنفيذهم لهذا القرار وعلى الرغم من عدم وصفهم بالأبطال أو اعتبارهم مناضلين ضد جرائم الاحتلال السوفييتي بحق المدنيين والأبرياء من الأفغان رغم بذلهم الكثير من الأرواح والدماء في سبيل الدفاع عن هؤلاء المدنيين.

لم تكتفِ القوى الغربية على مستوى الساسة أو الصحف بذلك، بل ذهبت بعيداً في وصمهم بالإرهاب والتطرف، وفي أفضل الأحوال إطلاق عليهم لقب "مجاهدين"، تلك الكلمة التي اختاروها هم لوصف أنفسهم والتي تعود كما هو معروف للفريضة الإسلامية والتي أيضاً تحولت بفعل فاعل لمرادف الإرهابيين في كل الصحف الغربية وشاشات التلفاز. ناهيك عما تعرض له هؤلاء المقاتلون فور عودتهم لبلدانهم من تنكيل إنساني وقانوني وسط صمت غربي وإعلامي واضح.

هذا التباين في التعامل مع المقاتلين الأجانب من الشرق الأوسط وأوروبا ظهر أيضاً في الخطاب الإعلامي للغرب كما كان واضحاً؛ حيث عبر الكثير من المراسلين والصحفيين المعايشين للأحداث عن أسفهم من تضرر مواطن ذي بشرة بيضاء وعيون زرقاء من الحرب والقصف وإجباره على مغادرة بلاده وسط حشود من الآلاف سيراً على الأقدام نحو حدود دولية لحسن حظه بأنه لن يصادف خلالها مراسلة صحفية تقوم بعرقلته كي لا يمر للبر الآخر.

الكيل بمكيالين إذاً وتعري الإنسانية الغربية، هذا أبرز ما أظهرته للعلن الحرب الروسية الأخيرة على أوكرانيا بين مواطن مباح عرضه في الشرق الأوسط يستحق أن يسير على الأقدام مئات الأميال قبل أن يتم إجباره على معاودة الطريق لبلاده مرة أخرى وبين آخر ليس أكثر من هذا الشرقأوسطي في شيء سوى أن هناك من اعتبر أن العين الزرقاء والبشرة البيضاء مدعاة للتمييز.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر عادل
صحفي مصري
حاصل على بكالريوس الإعلام
تحميل المزيد