من "أميرة" إلى "صالون هدى"
لا شك أن الذي يمتلك الوعي بأساليب النضال من أجل الحرية الثورية من أجل وطن حّر وإنسان حر، يؤمن جازماً بأن الفن بأشكاله المختلفة هو رسالة من رسائل التحرر وأسلوب فطري من أساليب الثورة ضد الاستعمار أو ضد تقييد الحريات، ولقاء ذلك كان الفن العربي الخادم للقضية الفلسطينية العادلة والهادف إلى خلق وعي ثوري وتحرري لدى الأجيال من أفضل الفنون التي كانت تلقى تفاعلاً عربياً وفلسطينياً على وجه الخصوص، فلا ننسى مسلسل التغريبة الفلسطينية مثلاً، نموذج الفن الواعي والذي يرقى ليتناول القضية الفلسطينية بما يخدم الفلسطينيين المقهورين، حيث استعاد فيه اللاجئ قهر السنوات الممتد على طول سنين اللجوء بعد النكبة والنكسة وألف حرب عاشها الفلسطيني.
ليس بعيداً عن فيلم "أميرة" الذي نُشر مؤخراً ويتناول قضية النطف المحررة، العملية التي عقدت جيش الاحتلال واستخباراته من نجاح الفلسطيني بانتزاع الحياة والأمل والإنجاب وهو قابع خلف القضبان محكوم عليه بالسجن مدى الحياة، فكان فيلم أميرة ضربة شديدة القسوة تتناول قضية النطف المحررة بما ليست عليه القضية واقعياً، بل تطعن فيها، فأثارت ضجة كبيرة ورفضاً فلسطينياً للفيلم ومطالبة بإيقافه عن العرض، كونه مسّ بالفلسطيني الأسير وبقضيته وبأسرته وبفكرته وإيمانه بضرورة الحياة رغم الاستعمار الذي يخدش أنيابه في أجسادنا ما استطاع لقتلنا سبيلاً.
فبات مخرج الفيلم هاني أبو أسعد من الشخوص المغضوب عليهم فلسطينياً، حيث شوَّهَ صورة الأسرى وذويهم وأطفالهم المحررين بالنطف، وجرّم الفلسطينيين بدلاً من الاحتلال، الأمر الذي نراه جميعاً بأن مَن يبرّئ الاحتلال فهو أكثر إجراماً من الاحتلال.
ليطل علينا من جديد أبو أسعد بفيلم "صالون هدى" والذي يتناول قضية الإسقاط في وحل العمالة بما لا يخدم قضيتنا أو حتى توجهات شعبنا الفلسطيني تاريخياً، فتدور أحداث الفيلم عن صالون للسيدات صاحبته فلسطينية تعيش ظروفاً اجتماعية صعبة ومعقدة، فلجأت إلى العمالة مع مخابرات الاحتلال في سبيل عدم فضحها، ويأتي دورها في إسقاط الفتيات اللواتي يترددن إلى صالونها الخاص من حيث دراسة حالتهنّ الاجتماعية، وإسقاط فتاة عبر تخديرها وتصويرها عارية تماماً مع شاب عارٍ أيضاً مقابل أجر مادي تتقاضاه من الاحتلال.
قصة فيلم صالون هدى
يحكي "صالون هدى"، قصّة أم شابة تدعى ريم متزوجة من رجل غيور يدعى يوسف، تنقلب حياتها رأساً على عقب بسبب زيارة إلى صالون تجميل في مدينة بيت لحم.
صاحبة الصالون التي تدعى هدى هي سيدة تعيش أزمات شخصية، مثل هجران أولادها لها، وزوجها، وشعورها بالوحشة، الأمر الذي دفعها للعمل ضد وطنها.
تبدأ الأحداث عندما تقوم هدى بتخدير ريم وتصويرها من دون ملابس رفقة رجل داخل الصالون، من أجل ابتزازها للعمل مخبرة سريّة لقوات الاحتلال، فيتعين على الأخيرة أن تختار بين شرفها وبين خيانة بلدها.
في حين تتصاعد الأحداث بخلافات ريم مع زوجها يوسف وعائلته التي لا تتفق معها أبداً، وتُصدَم عندما تصارح زوجها بحجم الكارثة، إذ يتخلى عنها، ويتركها تواجه مصيرها وحدها.
"صالون هدى" هل يعبر عنا؟
ما أثار حفيظة الفلسطينيين في "صالون هدى" حتى هاجموا الفيلم والممثلين والمخرج، أنه احتوى على مشهد إباحي، باعتقادي لم يرد إلا في أبشع الأفلام الإباحية عالمياً، حيث ظهر الممثلون بمشهد إباحي عُراة، الأمر الذي شكّل صدمة للمتلقي الفلسطيني الذي يعتقد بأن الفيلم يتناول قضيته، وشاهد التماهي والفجور في عكس الواقع الفلسطيني المحافظ والذي يتعامل مع القضايا الأمنية ضد الاحتلال بما يخدم الفلسطيني المقهور، حيث صوّر الفيلم أن المجتمع الفلسطيني يتواطأ على الضحية.
كما كان رفض الفيلم من منطلق شرعي وأخلاقي ووطني، وكذلك إنساني، حيث يرفض الفلسطيني بالتأكيد أن يتم استخدام مشاهد إباحية بحتة من شأنها أن تفتح المجال أمام السقوط الأخلاقي بشكل أوسع، مؤكداً أن مثل هذا الفن إنما يسيء للقضية الفلسطينية ولفلسطين وللفلسطيني عموماً الذي ما زال يناضل في وجه الاستعمار منذ 80 عاماً وكانت محطات نضاله حبلى بالمواقف البطولية الشريفة.
ولكن الأمر الذي يسمح للتمويل الخارجي بوضع شروطه كما في حالة أفلام أبو أسعد التي تنتظر القبول من "نتفليكس" فإنها بالتأكيد لن تراعي الفن "المحترم" الذي يبحث حالة الفلسطيني على حقيقتها، إنما تسعى إلى إرضاء الممول الغربي لدخول المسابقات العالمية للأفلام.
بالتأكيد هاني أبو أسعد لا يبحث عن رضا الفلسطيني صاحب الهمّ على أفلامه وفحواها، إنما كل جهده الحصول على الرضا الخارجي الذي يشيطن الفلسطيني دائماً.
إننا كفلسطينيين، نرفض فيلم "صالون هدى" رفضاً قاطعاً كما رفضنا فيلم "أميرة" ومن قبله عدة أفلام في الحقيقة هي أساءت لنا ولم تخدمنا كما يدعي مخرجوها، ونحن نبحث عن الفن كرسالة هادفة وعن رسالة الفن التي من شأنها أن تنصف الفلسطيني لا أن تشوّهه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.