تنكشف هذه الأيام تزامناً مع الحرب الروسية سوءة الحالة الغربية العلمانية المتصدرة على أنها النموذج العالمي للحضارة والقيم الإنسانية، وعلى الرغم من الملاحظة الظاهرة لذلك الآن، فإن العنصرية والازدواجية هما ما قامت عليهما تلك الدول في الأساس، وليستا جديدة عليها، ولا تستقيم نُظمها ودولها إلا بمجموعة من القيم المشوهة المحاربة للفطرة الإنسانية السوية، تلك الفطرة التي تميزنا نحن البشر عن المخلوقات الأخرى، فيجب أن تحكمنا قوانين والتزامات أو دليل استخدام، حتى تستقيم الحياة وقد اعترض الغرب على الشرائع الربانية وقرروا وضع نظامهم بأنفسهم.
الأعمدة الرئيسية للحضارة الغربية
على ذلك فهو نظام حرية وضعه بشر لبشر ليضمن فروقات اجتماعية معينة تحكمها أطر ظاهرية معينة كالعلم والحكمة والهيبة وسعة الأفق.
وعلى الرغم من ذلك، فإن تلك الأطر الظاهرية لا تساوى شيئاً أمام الأطر الباطنة التي وضعتها الحضارة الغربية الزائفة وقامت على أكتافها وجعلتها أعمدتها الرئيسية حتى وإن غيرت شكل تلك الأعمدة الخارجي كاللون والعرق والدين واللغة.
وبناء على ذلك أصبح الغرب نازياً بدراجات متفاوتة، فهتلر كان يرى تفوق العرق الآري ويرى أنهم هم الأفضل والأحق بالحياة والتناسل عن باقي البشر. وإذا ما سألت أي قائد سياسي غربي سيقول لك إن هتلر ومنهجيته المتعفنة ذهبوا إلى الجحيم ولا يوجد لتلك العقليات مكان بيننا ولكن فعلياً ما يتم تطبيقه على الأرض غير ذلك.
فما يؤمن به كثرة من هؤلاء أنهم أكثر تفوقاً وذكاءً من الشرقيين والأفارقة وباقي البشر وإن أظهروا وتشدقوا بعكس ذلك، فوقت الأزمات يتضح ما في الباطن ويطفو على السطح. ففي أزمة أوكرانيا الأخيرة ظهرت تصريحات صريحة تنادى بفتح البلاد بمنتهى الترحاب لاستقبال لاجئين ذوي لون بشرة وعيون متطابق أو متشابه مع الغربيين وتم تدويل القضية ووضعها بؤرة اهتمام عالمي وأخذ القادة الغربيون ولأول مرة الأمر على محمل الجد لرفع الظلم عن أوكرانيا ودعم شعبها واستضافته.
الغرب والعنصرية وازدواجية المعايير
ولكن مهلاً؛ هل يعنى ذلك أن الغرب متفقون فيما بينهم، متحابون، ومشاعرهم بالتفوق تكون مع أجزاء أخرى من العالم فقط؟
لا بالطبع، فالغرب فيما بينهم ترى كل عرقية أو إثنية منهم تنظر لنفسها بالتفوق وتمارس العنصرية ضد غيرها، ولنا في بريكست فهم لعقلية المواطن الغربي ونظرته لمجتمعه والمجتمعات المحيطة، فنجد أن الأوروبيين الغربيين يرون في المجمل أنهم أرقى وأكثر تطوراً من أوروبا الشرقية. وليست أزمة كورونا منا ببعيد عندما تخلت الدول الأوروبية عن بعضها وخرج علينا سياسيون ينددون بتلك النذالة!
ولنأخذ مثالاً على ذلك حتى تتضح الصورة، فالمواطن البريطاني -البعض منهم- يرى نفسه أرقى من مثيله الذي يتحدث نفس لغته ويحمل حتى نفس حروف اسمه ولكن يختلف معه في العرق واللون! والدراسات تثبت أن الأعراق غير البيضاء تأخذ فرص وظيفية أقل ورواتب أدنى وقبولات جامعية أدنى، وهكذا.
وهذا ليس مجرد ادعاء أو رأي، بل هو حقيقة أثبتتها دراسات عديدة على أغلب المجتمعات الغربية نفسها، فقد كشف استطلاع للرأي مولته "إندبندنت" أن "شريحة كبيرة من البريطانيين تعتقد بوجوب أن تشرع المملكة المتحدة في التصدي لمشكلتها المستفحلة المتمثلة في العنصرية؛ إذ كشف الاستطلاع أن واحداً من كل ثلاثة بريطانيين (33٪) يرى أن قوى الشرطة عنصرية، فيما ترتفع نسبة أصحاب هذا الرأي إلى 42٪، بين المستطلعين المنحدرين من أقليات إثنية. كذلك كشف الاستطلاع أن ما يناهز ثلث البريطانيين المنحدرين من أقليات إثنية (33٪) يعتقدون أن الصحف الشعبية في بريطانيا عنصرية، فيما شاركهم هذا الرأي أكثر من ربع البريطانيين من مختلف الأعراق (28٪)".
ثم في مستوى أعلى فهناك إحساس بتفوق البريطانيين عموماً عن الفرنسيين والألمان، وكل منهم يبادل الآخر شعوراً مشابهاً، وهكذا حتى نصل لمستوى أن ينظر أهل أوروبا الغربية لأنفسهم على أنهم أرقى وأكثر تحضراً من أوروبا الشرقية مثل بولندا وكرواتيا والمجر وما شابه.
وهكذا فكل منهم يؤمن بتفوق نفسه عن الآخر وكلما زاد التمايز والاختلاف زادت العنصرية وقل مستوى التعاطف والعكس بالعكس.
النازيون الجدد
ولا أحتاج لسوق أمثلة لعنصرية الغرب الوقحة في فرق التعامل مع اللاجئين السوريين واللاجئين الأوكران، أو مستوى التعاطف مع كل من البلدين على حدة، على الرغم من أن الطرف المعتدى في الحالتين واحد هو روسيا.
أعلم أن القياس غير متطابق، وأن للأمر أوجهاً أخرى لا يتسع المجال لذكرها، ولكن ما أركز عليه الآن هو وجه واحد، هو العنصرية الغربية وازدواجية المعايير.
فتاريخ الدول الغربية في مستعمراتها السابقة في شتى الأنحاء شاهد عليها وإن حاولت تجاهل ماضيها الأسود فحاضرها أكثر سواداً وسيظهر أكثر مع المرور بالمعتركات والأزمات القادمة
وسيظهر مع الوقت أنهم "نازيون جدد"! بمعنى أكثر اتساعاً مما يتذرع به بوتين لغزو أوكرانيا.
ومثل المنبهر بالحضارة الغربية الزائفة كالدجاجة المنبهرة بالطاووس فلونت ريشها وزينته حتى تصبح طاووساً، فصارت مسخاً قبيحاً مشوهاً، فلا هي عادت دجاجة ولا هي صارت طاووساً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.