ليلة من ليالي الزمن الجميل عاشتها جماهير ريال مدريد في ملعب سانتياغو برنابيو وعبر الشاشات في جميع أنحاء العالم، أداء أقل ما يقال عنه خرافي، وإصرار وقوة ذهنية، وتركيز كبير تمكن من خلاله فريق العاصمة الإسبانية من إقصاء فريق لديه كوكبة من النجوم يحلم بها أي مدرب ومشجع، ولكن كما يُقال، مع كثرة النجوم يقلُّ التوهج.
فماذا حدث في ملعب سانتياغو برنابيو ليلة الأربعاء؟ وكيف تمكن ريال مدريد من إقصاء فريق باريس سان جيرمان من بطولة دوري أبطال أوروبا؟
أنشيلوتي.. هكذا يجب أن تدير المباريات
لا يخفى على كثير من متابعي ريال مدريد التقليدية التي يدير بها المدرب كارلو أنشيلوتي كتيبة ريال مدريد من خلال تمسكه بتشكيلة واحدة لا يغيرها إلا مضطراً، ودخول وخروج للاعبين معروفين للكل بمجرد النظر إلى التشكيلة الأساسية وقائمة البدلاء.
وبالرجوع إلى المباراة كان الفريق لا بأس به في أجزاء من الشوط الأول بهجمات سريعة وتشكيل خطورة نسبية على مرمى الفريق الفرنسي، ولكن في الشوط الثاني تغير كل شيء خاصة مع تأخر الفريق بهدفين، وهنا يُحسب للمدرب تخليه عن (الخوف والجُبن) الذي تميز به في إضفاء الحيوية على وسط الملعب من خلال تبديلاته الموفقة.
حيث غيَّرت العناصر التي دخلت شكلَ الفريق تغيير جذرياً، خاصةً متوسط الميدان الفرنسي (إدواردو كامافينجا) والطرف اليمين (لوكاس فاسكيز) اللذين تمكَّنا من إضافة الحيوية إلى الفريق، حيث تمكن فاسكيز من الحد من خطورة انطلاقات نجم الفريق الفرنسي (مبابي)، بينما كان (كامافينجا) بمثابة المايسترو في وسط الملعب من خلال أسلوبه الرائع في تحكمه بالكرة وتوزيعها بدقة على زملائه.
وهذا يخبرنا بأن فريقاً مثل ريال مدريد لا ينفع معه الأسلوب التقليدي المحفوظ؛ بل الإبداع هو ما يجب أن يتميز به أي مدرب يقوم بتدريبه، حيث إن وفرة العناصر وجودتها تتيحان للمدرب تطبيق أي فكرة لديه، وهذا ما يجب أن يتذكره المدرب الإيطالي المخضرم دائماً.
باريس سان جيرمان.. كثرة النجوم هي المشكلة
بالنظر إلى تشكيلة فريق باريس سان جيرمان، نجد أن أي لاعب في مركزه هو نجم سوبر ستار وحده، وهذه هي مشكلة الفريق التي يجب أن يتخلص منها لتحقيق هدفه المنشود بالحصول على دوري أبطال أوروبا في المواسم القادمة.
فالفِرق الآن أصبحت تُبنى حول نجم واحد فريد من نوعه يتم (خدمته) من كل المنظومة لتحقيق الغاية الجماعية وهي الحصول على الألقاب، والأمثلة كثيرة في هذا الصدد مثل (كريستيانو ريال مدريد) و(ميسي برشلونة) سابقاً، و(دي بروين مانشستر سيتي) و(صلاح ليفربول) و(كين توتنهام) و(ليفاندوفسكي بايرن ميونيخ) و (بنزيمة ريال مدريد) حالياً.
وبالتالي لتطبيق قاعدة (الكُل من أجل الفرد)، يجب على الفريق الباريسي التركيز على نجم واحد تُبنى حوله الأفكار، وهذا لا يكسر قاعدة (كرة القدم جماعية) بالطبع؛ بل هي مشاريع رياضية آتت أُكلها سابقاً، وحالياً تمكنت بها عدة فرق من تحقيق معظم بطولاتها المحلية والأوروبية.
النفاثة البرازيلية فينسوس.. ألم يحِن الوقت بعد؟
أصبح الجناح البرازيلي فينسوس جونيور حالة فريدة بالفعل، كمشجع لا يمكنك انتقاده بشدة وفي الوقت نفسه لا يمكنك الإشادة به بشدة، فهو يمتلك الموهبة والسرعة والقتالية ولكن لا تزال عقليته وتصرُّفه مع الكُرات والمواقف الصعبة يبعثان على الاستغراب.
فهو يفعل كل شيء بالكرة ولكنه في لحظة يُدمر كل ما بناه بقرار طائش أو غير مناسب، ويضيّع مجهود الفريق معه، خاصة في منطقة جزاء الخصوم، فأحياناً يرى نفسه كأنه النجم (ميسي) في كيفية تخلُّصه من الخصوم ولكنه كثيراً ما يفشل.
وفي الوقت نفسه مجهوداته وتفاهمه الكبير مع (عرابه) المهاجم كريم بنزيمة لا يقدران بثمن، الكيمياء ودرجة الانسجام بينهما أمر رائع، ولكن يجب على النجم البرازيلي أن يعرف أنه حان الوقت لأن يكون هو النجم الذي يمكنه حمل الفريق على أكتافه وأن يصبح نجم المباريات وملك الحلول في المواقف الصعبة، وإلا فسيظل دائماً هو المساعد للنجم القادم.
باريس سان جيرمان.. هدف واحد لا يكفي
ما فعله فريق باريس سان جيرمان بملعبه (حديقة الأمراء) في مباراة الذهاب وضع هذه المباراة على صفيح ساخن، لأنه جعل فريق ريال مدريد يبدو سيئاً للغاية، وكان بإمكان الفريق حسم أمر التأهل منذ الشوط الأول في مباراة الإياب، ولكن ما بُني في 135 دقيقة (مجموع شوطي مباراة الذهاب وشوط مباراة الإياب) تم هدمه في 18 دقيقة.
أخطاء فادحة من خط الدفاع وتعامُل برعونة مع الكُرات وحارس يخطأ خطأ هواة كانت قاصمة الظهر في تحوُّل المباراة، ومدرب يمكن أن نقول عنه إنه يخشى إغضاب النجوم أكثر من التفكير في مصلحة الفريق الجماعية، كل ذلك جعل الفريق يعيش أسوأ ليلة لا يتخيلها حتى أكثر المتشائمين في البيت الباريسي.
لعب الفريق كأنه نسي أو تناسى أن قاعدة احتساب الهدفين قد تم إلغاؤها سابقاً، حيث وضح أن المدرب كان يعول كثيراً على الهدف الوحيد الذي تم تسجيله، إضافة إلى نتيجة مباراة الذهاب وبالتالي لم يمتلك الجرأة على تغيير أسلوب اللعب؛ على الأقل للمحافظة على هذين الهدفين.
وهذا كان يمكن أن يكون من خلال سحب أحد نجمَي الفريق (ميسي أو نيمار) والدفع بلاعب في وسط الملعب؛ لزيادة الكثافة العديدة واللعب على المرتدات القاتلة من خلال استغلال تقدُّم ريال مدريد لتعديل النتيجة.
كريم بنزيمة.. لأن الذهب لا يصدأ
سرعته وتمركزه وقتاليته وذكاؤه وقيادته للفريق هي ما ميَّز اللاعب كريم بنزيمة في ليلة إقصاء الباريسيين من دوري الأبطال، كريم بنزيمة كان- وما يزال- يصنع التاريخ في البيت الأبيض، أسطوريته في ريال مدريد أصبحت خالدة، وستمر السنوات وتظل هذه الثلاثية محفورة في ذاكرة المدريديين للأبد.
أرقام قياسية وعمل دؤوب ونجومية حفرها الفرنسي بكل صبر ونكران ذات في تاريخ ريال مدريد، فقد تم وصفه بمساعد كريستيانو رونالدو، ولم يصنع المشاكل، وتمَّت مقارنته بكثير من اللاعبين الذين أصبحوا في طي النسيان، والآن بعمر (34) مازال يصنع التاريخ وأثبت بالفعل أن (الذهب لا يصدأ).
كيليان مبابي.. حان الوقت أيها السوبر ستار
النجم الخارق واللاعب المعجزة والقطار السريع ولكن ماذا تفعل في نادي باريس سان جيرمان؟ فالموهبة وحدها لا تكفي؛ بل يجب أن تكون في فريق لديه عقلية الفوز بالبطولات القارية والعالمية، ونادٍ لديه إرث ثقافي وكروي ناصع البياض، وملعب يتمنى أي لاعب أن يلعب فيه ولو لمدة 10 دقائق ليُسجل في تاريخه الكروي أنه يوماً ما مر عبر نادي القرن.
والأهم جمهور عاشق ومتعطش للنجوم يدافع عنك عندما تكون في أسوأ أحوالك ويرفعك للسماء عندما تكون في أفضل أحوالك، وخزائن مفتوحة وشيك على بياض ينتظر فقط توقيعك، وبعد كل هذا ماذا تنتظر؟
فقد حان الوقت أن تكون بطلاً لأوروبا والعالم على مستوى الأندية بعد أن أصبحت بطلاً للعالم وأوروبا على مستوى المنتخبات، وأن تضيف الكرة الذهبية إلى خزانة ألقابك وتحقيق أحلامك مثلما حققها مِن قبلك مَثَلك الأعلى ومُلهمك وقدوتك البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي أصبح من أساطير النادي واسماً منقوشاً بالذهب في جدران النادي.
وأنت أيضاً يمكنك تحقيق ذلك وأكثر، فما زلت صغيراً يا عزيزي والمستقبل المشرق بانتظارك ولكن بشرط أن تكون في ملعب السانتياغو برنابيو وليس أي مكان آخر.