بعد حرب روسيا على أوكرانيا والعنصرية الإعلامية.. هل فسدت بضاعة حقوق الإنسان الغربية للأبد؟

عدد القراءات
3,344
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/10 الساعة 14:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/10 الساعة 14:08 بتوقيت غرينتش

لم أكن أرغب في الكتابة عن اجتياح روسيا لأوكرانيا، لأني أكره الحرب وأمقت اندلاعها في أي بلد من بلدان العالم، وأستهجن التصفيق لأي هيمنة مهما كانت دوافعها.

وأحترم إرادة وصمود كل من يقف في وجه أي استعمار أو احتلال أو ظلم أو طغيان ، وأحاول قدر المستطاع تجنب المشاركة في أي مناقشة تحكمها الانفعالات، وتتخللها تصفية الحسابات، ويشغلها الإصرار على تحويل مصائب الغير إلى مواد إعلامية للإثارة أو التحريض..

رغم كل هذا وذاك وغيره كثير، وجدتني مجروراً هذه المرة للخوض في هذا الحدث الدامي "المضحك المبكي" الذي لم يحدث مثله منذ الحرب العالمية الثانية، والذي ذهب الكثيرون في تفسير أسبابه وحيثياته مذاهب شتى، أرجعته بعضها لتعطش الشطر الشرقي والغربي من أوروبا للهيمنة والسيطرة والتمدد الجيوسياسي، ونهمهما للتوسع وإظهار القوة والفكر الاستعماري الامبراطوري.

وأرجعته مذاهب أخرى لهوس الرئيس الروسي، ونواياه المتقاطعة مع الأدوار الوظيفية المتأثرة بالمشترك التاريخي الشرقي الروسي السلافي والقومي والديني بين "السُلافيات" روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا!  

وغيرها كثير من التحليلات التي نظرت لهذه الحرب وحولها والتي أصبحت واقعاً يراه العالم وتعيشه أوكرانيا، ويعيش كوارثه وارتداداته الاستراتيجية الهائلة الشعبان الأوكراني والروسي، المبنية على إيذاء المصلحة الاقتصادية العامة  لكلا الشعبين. وتلك أحد محركات الحروب عبر التاريخ، الحروب التي لا تشبع منها الطبقة الثرية والسياسية الحاكمة في العالم، والتي سأقف حيالها، في هذه العجالة موقف الصامت، ولن أتطرق إلا لحقوق الإنسان- البضاعة التي طالما تشدق الغرب وأمريكا بصيانتها- والتي أتلفتها هذه الحرب من خلال ما تعرض له بعض العرب والأفارقة الفارين من أوكرانيا من عنصرية وتمييز بسبب العرق والجنسية ولون البشرة والعيون والشعر، والتي باتت مشاهدها المخجلة متاحة للناظرين في كل بقاع العالم. 

مشاهد تفضح ما يضمره العقل الغربي الاستعماري من مشاعر العنصرية المتنامية  لكل مختلف عنه، ويضمرها كل من يدور في فلكه، وعلى رأسهم الإعلام المتحيز الذي يكيل بمكيالين في كل قضايا حقوق الإنسان- التي لا يستعملها الغرب وأمريكا إلا للضغط على دول الشرق الأوسط للرضوخ لهيمنتهما- الأمر الذي شجبته تقارير بعض المراسلين والصحفيين الموضوعيين والمحايدين، في مقابل تعليقات من الإعلاميين والسياسيين الأوروبيين المتحيزين للتوجهات السياسية والعقائدية والقومية، الذين لم يتورعوا عن المقارنة العنصرية بين المهاجرين الأوكرانيين ومهاجري إفريقيا والشرق الأوسط، والمقارنات التي لم تمرّ مرور الكرام عند المعلّقين المغاربيين والعرب والأفارقة على مواقع التواصل الاجتماعي، الذين رأوا فيها مقاربة "عنصرية" مقيتة ومسَّاً بحقوق الإنسان، والتي لم تتوقف عند نشر بعض وسائل الإعلام  اعتذارات علنية لتهدئة الغضب على مواقع التواصل، بل استمرت مع التصريحات المستفزة لعدد من المسؤولين السياسيين عبر القنوات الفرنسية والأمريكية والصحف البريطانية، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا تحصى. 

ومنها على سبيل المثال، التصريح الذي جاء على لسان "كيريل بيتكوف" رئيس وزراء بلغاريا الذي قال: إن اللاجئين الأوكرانيين ليسوا من اللاجئين الذين اعتادت عليهم أوروبا، لأنهم أناس أذكياء ومتعلمون وبعضهم متخصص في تكنولوجيا المعلومات وهم مؤهلون تأهيلاً عالياً. 

وتعليق "شارلي داغاتا" الموفد الخاص لقناة "سي بي إس نيوز" الأمريكية إلى أوكرانيا، الذي قال: "مع خالص احترامي، فإن هذا ليس مكاناً مثل العراق وأفغانستان اللذين عرفا عقوداً من الحروب، إنها مدينة متحضّرة نسبياً، أوروبية نسبياً … حيث لا ننتظر حصول أمر مماثل". 

ولم تسلم قناة الجزيرة الإنجليزية التي أرغمت هي الأخرى على الاعتذار عن تصريحات مذيعيها "الخالية من الحساسية" كتلك التي أدلى بها أحد المذيعين حول اللاجئين الأوكرانيين، في مقارنة غبية قال: "الثياب التي يلبسونها، تبين أنهم من طبقة وسطى ميسورة، هم حتماً ليسوا لاجئين فارين من مناطق تشهد حرباً في الشرق الأوسط." وأكمل: "يشبهون أي عائلة أوروبية، قد تكون تقطن في حيكم". 

وتعليق الصحفي "فيليب كوربيه" على قناة "بي أف أم تي في" الفرنسية بالقول: "لا نتحدث هنا عن سوريين هاربين من قصف النظام السوري المدعوم من فلاديمير بوتين، بل عن أوروبيين، يهربون بسياراتهم التي تشبه سياراتنا ويحاولون النجاة بحياتهم". 

وحتى إذا  كانت الاعتذارات عن التصريحات العنصرية تعبر عن صادق الندم المخلص، فإنها لن تمحو ما لحق بالأفارقة والعرب من أضرار الإقصاء والاغتيال الأدبي والسياسي، التي تذكرنا بما ألحقه الفكر الاستعماري التوسعي بالشعوب المستضعفة من اعتداءات وهجومات وقتل وتشريد عبر سنوات ما بعد الحرب الأوروبية المسماة العالمية الثانية والتي انتهت باقتلاع جناحي العالم العربي القويين (العراق وسوريا) وأهدرت ما كان لهما من نفوذ إقليمي وعالمي هائل، وذلك بمبررات زائفة وملفقة مزقتها إلى كيانات متصارعة، لم تنفع بعدها الاعتذارات المتأخرة، التي تشبه القبلة على جبين الميت والذي يشخصه المثل الدارج "لبكا مور الميت خسارة ما بقا يعطيك وما تقولو أرى".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حميد طولست
مدون مغربي
مدون مغربي
تحميل المزيد