أتخيل أنه إذا استمر الحال بهذه الوتيرة فإن أوكرانيا ستكون فارغة تماماً من سكانها خلال 6 أشهر، وسيتوزع سكانها بسهولة على دول العالم، وخاصة أوروبا، على عكس السوريين الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحُبت، فلماذا فتحت الدول الأبواب للأوكرانيين وأوصدتها بالحديد والنار في وجه غيرهم؟
يبدو أن موجة الهجرة التي شهدها العالم على مدار السنوات الماضية، وبلغت ذروتها عام 2015 من قِبل السوريين الفارّين من الحرب التي شنّها عليهم بشار الأسد وجيشه -مدعوماً من إيران وروسيا وغيرهما- ستكون صغيرةً مقارنة نسبياً بما يحدث الآن على الحدود الأوكرانية الغربية مع سلوفاكيا وبولندا ورومانيا، حيث يتدفق مئات آلاف الأوكران يومياً.
فمع مرور اليوم الـ13 على بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، أعلنت الأمم المتحدة ارتفاع عدد اللاجئين إلى دول الجوار إلى أكثر من مليوني أوكراني، بمعدل أكثر من 150 ألف لاجئ يومياً، وهو رقم لم يُسجل سابقاً في أي من الحروب.
وعلى ما يبدو فإن التعاطي العالمي مع هؤلاء اللاجئين سيكون مختلفاً، فبولندا التي وضعت قبل عدّة أشهر سياجاً فاصلاً على حدودها مع بيلاروسيا، هلعاً من بضع عشرات من اللاجئين السوريين والعراقيين والأفغان المتوجهين إلى أوروبا مروراً بها، ها هي اليوم تستقبل مئات الآلاف من غيرهم دون قيد أو شرط!
ليس هذا فحسب، فبولندا نفسها التي استنجدت بالعالم قبل أسابيع معدودة من بداية الحرب، ووضع برلمانها آنذاك قانوناً يجيز طرد اللاجئين وترحيلهم رغم قسوة الظروف الجوية، خرجت اليوم وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر وقالت إن بولندا لم تقدم أي طلبات إليهم للمساعدة، في مواجهة تدفقات الهجرة، وإن ألمانيا تعمل على تزويدها فقط بالدعم اللوجستي.
عالَم متناقض!
إذن فلِمَ كل هذه الجَلَبة التي أُثيرت حول موجة هجرة السوريين وظروفها، التي فاقت صعوبة ما يواجهه الآن نظراؤهم الأوكران؟ فالسوريون الذين خرجوا من تحت البراميل المتفجرة التي يلقيها جيش بلادهم -وروسيا- عليهم، يبعدون عن أوروبا آلاف الكيلومترات، والمشقة التي كابدوها للوصول لا تقارن.
المهاجرون من الشرق الأوسط أيضاً اضطروا لركوب البحر ومواجهة الموت غرقاً، وغرق الآلاف منهم بالفعل، في حين أن الأوكران يعبرون الحدود المفتوحة مشياً على الأقدام.
مهاجرو الشرق الأوسط جرّبوا كافة أنواع الموت، غرقاً، واختناقاً في الشاحنات، وقصفاً، وبرداً، وجوعاً، في حين يستنفر العالم لمدّ يد العون للأوكران، حتى سوريا نفسها التي يعاني من بقي فيها حتى الآن للبقاء على قيد الحياة، أرسلت مساعداتٍ لأوكرانيا، تتمثل بـ50 طناً من المواد الغذائية، فلماذا هذا التناقض؟
أبيض وأسمر!
يرى مختصون أن الإعلام الغربي كان له الدور الأبرز في توجيه أزمة اللاجئين، ولا يغيب عن ذهننا كيف قامت مصوّرة صحفية مجَرية عام 2015 بركل أبٍ سوري وابنه، أثناء محاولتهما الوصول إلى أوروبا، حيث سقط فوق طفله على الأرض، وتم تسليط الضوء آنذاك على ما يمثله اللاجئون من خطر أمني، وإخلال بالتوزيع الديمغرافي للدول، بسبب عدم وجود معلومات عن خلفياتهم، رغم مرور سنوات على اندلاع الحرب السورية.
أما اليوم فأغلب الصحفيين لا يتوانون عن إظهار الدعم للاجئين الأوكران؛ فهُم بحسب ما يقولون "بيض البشرة، مسيحيون، ومتعلمون"، وعلى هذا الأساس يتم استقبالهم حتى دون معرفة خلفية أي منهم، فالحرب في بلادهم لم تكمل الأسبوعين حتى الآن.
أليس من بين السوريين والعراقيين والفلسطينيين والأفغان من هم بيض البشرة ومسيحيون ومتعلمون، حتى إذا سلمنا بهذا الافتراض الساذج.
وإذا ما تحدثنا عن حاجة أوروبا للاجئين كعمالة، ألم يكن سكان هذه الدول هم الأمهر في الصناعات الحرفية، وأثبت مَن وصل إلى أوروبا مهارته فيها؟
لن نتكلم عن أوروبا فقط حتى لا يعتبر ذلك إجحافاً، فدول عربية وإسلامية تذمرت ولا تزال من وجود اللاجئين على أراضيها، رغم المساعدات الدولية التي تتدفق إليها شهرياً ليتم صرفها عليهم، في حين أعلنت الدول ذاتها اليوم استعدادها لاستقبال الأوكرانيين دون قيد أو شرط، كالأردن مثلاً، الذي سمح بدخولهم دون تأشيرة، ومنحهم أيضاً إقامات مؤقتة!
هجرة كبرى
يرى مختصون أن الأيام القادمة ستحمل المزيد من اللاجئين الأوكرانيين، فأوكرانيا ذات الـ44 مليوناً قد فر منها خلال 12 يوماً مليونَا شخص، وإذا ما استمرت روسيا بحربها فإن من المتوقع أن يتضاعف هذا العدد مرات عدّة قبل دخول أبريل/نيسان القادم. فهل سيستمر الترحيب الدولي بهم كما هو الحال الآن، أم أن الوضع سيصبح مشابهاً لما حدث لمواطني الشرق الأوسط؟
وحدَها الأيام تبقى كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، في ظل المتغيرات الغريبة في هذا العالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.