لم يعد مهماً التركيز على شخص الرئيس الروسي سواء قيل إنه القيصر أو إنه إنسان عادي، لأن ما يجري حول أوكرانيا حالياً بات يهدد السلم العالمي عامةً والأوروبي خاصة، وإذا ما استمر التصعيد الأمريكي على هذا المنوال لا شك أن الحرب ستتجاوز حدود أوكرانيا إلى دول أخرى. والتصعيد الأمريكي المقصود هو تحدي الخطوط الحمر التي رسمتها موسكو بمنع الناتو من الوصول إلى الحدود الروسية.
حيث إن أمريكا-بايدن تسعى مع بعض حلفائها لجر فنلندا والسويد إلى الانضمام لحلف الناتو في هذا التوقيت بالذات، وهذا ما سيثير حتماً ردة فعل روسية عسكرية بحيث تتسع رقعة الحرب لتشمل فنلندا والسويد.
وما يؤكد ذلك هو تعديل الخطة العسكرية الروسية في حربها مع أوكرانيا بالتحول من مبدأ الحسم السريع إلى خيار حرب الاستنزاف وسياسة القضم المريح بحيث تحاصر المدن وتفتح ممرات آمنة وبعدها تحدد ساعة الصفر لدخول تلك المدن المحاصرة.
هذا الاقتصاد في القوة يعني إمكانية تفعيل خطة الأرض المحروقة على جبهات أخرى، والتصعيد الآخر هو محاولة إنشاء منطقة حظر جوي فوق أوكرانيا، وهذا الأمر دونه صعوبات جمة حتى يتحقق، لكن مجرد التلويح بذلك أيضاً سيواجه بردة فعل روسية صارمة والمسألة الثالثة هي دعم وتشجيع إنشاء الفيلق الدولي للمشاركة في الحرب الأوكرانية وبالتالي إطلاق يد الحركات النازية الجديدة وأحزاب اليمين المتطرف الأوروبية في اكتساب مهارات قتالية حقيقية في الحرب الأوكرانية وهذا يبرهن بشكل ساطع على ازدواجية المعايير عند الأوروبيين والأمريكيين حول تحديدهم ماهية الحركات الإرهابية.
اليمين المتطرف
إضافة إلى ذلك فإن طابخ السم لا بد آكله، بحيث من يعود حياً إلى بلده من هؤلاء سيستمر في استخدام مهارته، خصوصاً أن النازية واليمين المتطرف باتا يحوزان على شرعية سياسية ملموسة بنجاحهما في دخول البرلمانات في دول أوروبية عديدة، حتى إنهما حصلا على مقاعد كثيرة في برلمان الاتحاد الأوروبي ولهم وجود لافت في الانتخابات المحلية.
لذلك نرى أنه من أخطر تداعيات الحرب المشتعلة في أوكرانيا هو ما نشهده من تقلص في المسافة بين اليمين الأوروبي التقليدي واليمين المتطرف وما يحمله هذا التحول من مخاطر فعلية، حيث إنه من المعروف أن الأزمة التي يعاني اليمين واليسار الأوروبي منها، باتت مستعصية مما يسهل عملية اندماج الأوروبيين في اليمين المتطرف ولا عكس في هذه المسألة. فهل سيكون ثمن فرض الانتحار الذاتي على الحضارة السلافية– الأرثوذوكسية عودة الفاشية إلى حكم أوروبا؟ المسار واضح، والاحتمال بات كبيراً.
ومن الملفت للنظر تجاهل فنلندا والسويد تحذيرات روسيا من أن انضمامهما المحتمل إلى حلف الناتو من شأنه أن يؤدي إلى عواقب عسكرية وسياسية خطيرة. فكان رد وزير الخارجية الفنلندي وبكل استخفاف: "لقد سمعنا هذا من قبل".
ولفنلندا حدود برية بطول 1340 كيلومتراً مع روسيا، وهي أطول حدود مشتركة بين أي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وروسيا. وما يزيد من احتمال انضمام فنلندا تصريح رئيسة الوزراء الفنلندية بأن غزو أوكرانيا قد يزيد الدعم للانضمام إلى الناتو في بلدها، وقالت في اجتماع برلماني إن "البلاد مستعدّة للتقدم بطلبٍ للحصول على عضوية الناتو إذا ما أثيرت مسألة أمنها القومي". وطلبت فنلندا مؤخراً شراء 64 مقاتلة من طراز "إف 35".
وفي السويد، علقت رئيسة الوزراء على تحذير موسكو بالقول: "أريد أن أكون واضحة للغاية. السويد هي التي تقرر بنفسها وبشكل مستقل خط سياستها الأمنية". ومؤخراً، أرسلَت السويد جنوداً ومعدات عسكرية ثقيلة إلى جزيرة غوتلاند التي تقع في بحر البلطيق، على بعد 330 كيلومتراً فقط من كالينينغراد، مقر أسطول بحر البلطيق الروسي، ناهيك عن البدء منذ 2019 بزيادة ميزانيتها العسكرية حوالي 40%.
وما يزيد الشكوك هو أن الأمين العام لحلف الناتو أعلن في وقت سابق، أنّه دعا فنلندا والسويد، وهما ليسَتَا عضوَيْن في المنظمة، للمشاركة في القمة الطارئة الافتراضية للحلف حول الوضع في أوكرانيا. إضافةً إلى لقاء الرئيس الأمريكي مع رئيس فنلندا مؤخراً في البيت الأبيض الذي أكد فيه على ضرورة تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة وفنلندا، وتم وضع بحث إمكانية انضمام فنلندا إلى حلف الناتو طي الكتمان، علماً بأن الرئيس الأمريكي لمّح إلى أن فنلندا شريك دفاعي قوي لا سيما فيما يتعلق بتعزيز أمن منطقة بحر البلطيق، وهذه فرصة أخرى لتعزيز هذه العلاقة بشكل أكبر. وبعد هذه الزيارة للرئيس الفنلندي بدأت فنلندا بتقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا مخالفة بذلك مبدأ الحياد الذي عاشته مدة طويلة.
وحول الفيلق الدولي فإذا ما نجحت أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية في إضفاء شرعية دولية على انتشاره في أوكرانيا وتجنيد أعداد كبيرة فيه، فلن يكون خطره على الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا ملحوظاً، بل على أوروبا نفسها، لأنه وقبل وجود جناح عسكري لليمين المتطرف كانت تعاني دول أوروبية كثيرة من عنف هذا اليمين المتطرف، وبالتالي مع وجود هيكلية عسكرية لهذا اليمين لا شك أن كراهية الأجانب واضهاد المهاجرين ستكون سمة المرحلة القادمة في أوروبا، حتى إن وحدة دول الاتحاد الأوروبي ستصبح على كف عفريت، لأن أوروبا بالفعل ستكرر حتماً حفلة شاي بوسطن وتعود دولا متفرقة ومستقلة بعد حرب أوكرانيا إذا بقيت تنفذ إملاءات أمريكا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.