بعد أن ترنَّح النظام الدولي أحادي القطب وتهدَّد موقع أمريكا على قمة الاقتصاد العالمي وتقلَّص نفوذها السياسي والعسكري في مناطق كثيرة من العالم، استشعرت واشنطن أخيراً خطراً وجودياً يهددها وأن عصرها ينحدر نحو الهاوية؛ لذلك أتخيلها كأنها قررت الاستغناء عن التقويم الميلادي، حيث يجب أن تجري الأحداث بشكل طبيعي يفاجئها.
كأنها تريد إصدار تقويم أمريكي خاص بها، تجري فيه أحداث العالم وفق هواها، بعد أن تجري عليها التعديلات المناسبة على روزنامة العم سام.
ومع ظهور الرئيس بايدن في البيت الأبيض بدا أن أمريكا تريد- مع كثرة المصائب- إلزام حلفائها باتباع هذا التقويم لتوجيه أحداث العالم وفق الروزنامة الأمريكية. من هنا بات منطقياً ترقب الأحداث العالمية الحالية والقادمة بنور هذه الحقيقة الساطعة! ومن لا يصدق أن البيت الأبيض هو من استجدى الغزو الروسي لأوكرانيا نحيله إلى ما يدور حول الصين من تحركات أمريكية قد تتعجل غزو الصين لتايوان.
ولنتذكر في عهد حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حين حذر قائد القوات الأمريكية في منطقة المحيطين الهندي والهادي الأدميرال فيليب ديفيدسون من أن الصين ستغزو تايوان سنة 2027 على أبعد تقدير، ومؤخراً أكد رئيس أركان الجيوش الأمريكية، مارك ميلي، أن بلاده تحافظ على سياسة استراتيجية الغموض بشأن موقفها من حماية تايوان، وأن قرار التدخل أو عدم التدخل في حال سعت الصين للسيطرة على تايوان، سيكون رئاسياً.
واليوم يترأس رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة السابق الجنرال مايك مولين الوفد الأمريكي في زيارة لتايوان، ويضم الوفد مستشاري الأمن القومي الأمريكي السابقين وبعض كبار مسؤولي وزارة الدفاع السابقين أيضاً؛ مما أثار حفيظة الصين من هذه الزيارة التي أعلن أن هدفها طمأنة تايوان بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
فهل هذه الحجة قابلة للتصديق عند الصينيين؟ بالتأكيد لا، خصوصاً إذا ما ربطناها بالسلوك الأمريكي الذي سبق الزيارة؛ حيث يبدو أن أمريكا بصدد التراجع عن سحب اعترافها بدولة تايوان، بعد أن أكدت على شرعية دولة الصين الشعبية وحدها "صين واحدة" سنة 1979، وهي تعمل جاهدة على الاعتراف بتايوان دولةً مستقلة.
وفي بيان بمناسبة مرور 50 عاماً على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على تقديم مقعد لبكين وإخراج تايوان، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنه يأسف لاستبعاد تايوان عن الساحة العالمية، ودعا كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى الانضمام إليه في دعم مشاركة قوية وهادفة لتايوان في نظام الأمم المتحدة برمته وفي المجتمع الدولي.
فهمت الصين مباشرة مقاصد هذا البيان وردت بأن "الأمم المتحدة منظمة حكومية دولية تتألف من دول تتمتع بسيادة"، وشددت على أن "تايوان جزء من الصين". وما تصريحات القنصل الصيني في لبنان "أبو وسيم" عنا ببعيدة؛ إذ حذر أمريكا بلهجة حادة "غير مسبوقة" من تحركاتها قبالة الصين.
مما تقدم يبدو أن أمريكا بدأت التجهيز لوجستياً، وإعداد التحضيرات اللازمة لما هو أبعد مما بين الروس والأوكران، في تايوان والصين. والعين على ثروات بحر الصين الجنوبي الذي صرح وزير خارجية أمريكا السابق بومبيو في عهد ترامب بأن أمريكا لن تسمح بأن يكون بحر الصين الجنوبي إمبراطورية بحرية للصين.
فها نحن ننتظر ما سيجري هناك، بينما ما زلنا في صدمة ما يحدث في أوكرانيا هذه الساعة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.