هناك لعبة خطرة يلعبها بعض المراهقين وهي على النحو التالي: على طريق مستقيم يقف اللاعبان على طرفي الطريق في سيارتَيهما وعند إشارة البدء تتجه السيارتان نحو بعضهما بسرعة، وقبل الاصطدام بلحظات ينحرف أحدهما لتجنب الاصطدام. الذي انحرف لتفادي الصدام يعد جباناً كونه لم يجرؤ على الاستمرار. هذه اللعبة تسمى الجبان، وبالإنجليزية (تشيكن أو الدجاج في إشارة للجبن).
هذه اللعبة حظيت باهتمام كبير، خاصة في "نظرية الألعاب" التي تُعنى بتحليل استراتيجيات التصرف مع الخصم وتقنينها باستخدام الرياضيات، وهي جزء مهم في علم اتخاذ القرار.
"نظرية الألعاب".. وألعاب بوتين
في لعبة الجبان هناك أربعة احتمالات قد تنتج:
الأول: أن ينحرف اللاعب الأول قبل فوات الأوان، وفي هذه الحالة يرى اللاعب الثاني نفسه أنه هو الأشجع ويحصل على نوع من التقدير في حالة المراهقين.
وكذلك في حالة بوتين والغرب مثلاً، فإن بوتين يغزو أوكرانيا دون أن يتحداه الغرب، وفي هذه الحالة، فإن اللاعب الثاني يفترض أن اللاعب الأول سيتصرف بشكل منطقي وعقلاني وينحرف ولن يدخل في مغامرة قد تكون نتائجها كارثية.
أما الاحتمال الثاني: فهو أن ينحرف اللاعب الثاني قبل فوات الأوان، وهي مشابهة للحالة الأولى، ولكن من الطرف الآخر.
الاحتمال الثالث: فهو أن ينحرف السائقان قبل فوات الأوان، وهي حالة لا غالب ولا مغلوب للطرفين.
وأما الاحتمال الرابع فهو أن يصر كل منهما على الثبات وعندها تحصل الكارثة ويتدمر الطرفان.
من خلال فهم "نظرية الألعاب"، في حالة المواجهة بين بوتين والغرب، فإن بوتين يفترض بأن الغرب لن يخاطر بمواجهة نووية معه؛ لذلك لن يتصدى له في ابتلاعه بعض اللقم (مثل أوكرانيا)، التي قد يشعر أن الغرب يمكن أن يتحملها ولو على مضض، وهذا النوع من التصرف يسمى المناورة على شفا الهاوية.
المشكلة هنا -حسب نظرية الألعاب– تأتي من وقوع خطأ في التقدير من أي من الأطراف أو وقوع شيء غير متوقع لم يكن في الحسبان، فمثلاً السائق الذي أراد الانحراف قبل فوات الأوان لم يقدّر المسافة الكافية بشكل صحيح أو أنه لسبب أو لآخر لم يستطِع الانحراف في الوقت المناسب بسبب مشكل تقني أو غيره وتزداد إمكانية حصول مثل هذه الأخطاء بشكل كبير عندما يكون هناك احتكاك مباشر بين القوى الكبرى في هذه الحالة، والتصادم هنا يعني تدمير الحضارة إن لم يكن تدمير الكوكب بشكل كامل!
شخص مثل بوتين فشل في بناء دولته التي تفيض بالإمكانات البشرية والثروات الطبيعية ستكون المخاطرة العسكرية الطريقة المفضلة له والتي يثبت فيها قوته وعجز الغرب والعالم عن التصدي له مما يرضي غروره ويرفع مستوى تكبره، وعلى الأرجح سيصبح أكثر جرأة واستهتاراً بالمخاطر التي يقدم عليها مما يقود في النهاية لكارثة قد تطال الجميع نظراً للإمكانيات التدميرية المتوفرة تحت يديه.
التعامل مع مثل هذه الشخصيات يكون باكتشافها مبكراً واتخاذ الإجراءات اللازمة لردعها ومنعها من التطور لشخصية يسكنها غرور كبير مشفوعاً بلا أخلاقية عالية وإذا أضفنا لذلك اعتقاده بأنه حامي المسيحية الأرثوذوكسية، عندها يتكون خليط خطر جداً وغير مستقر لا يمكن التنبؤ بمآلاته، أما احتواؤه الآن فيتطلب حكمة كبيرة ورؤية ثاقبة وصبراً كبيراً.
ومن البدهي هنا أن نشير أن كلامنا عن الرجل لا يعني أن الطرف الآخر من الملائكة، ولكن الأمر هو كما تقول القاعدة "الحكمة ليست معرفة الخير من الشر، فذلك واضح لا يحتاج للكثير، ولكن الحكمة هي في معرفة خير الخيرين وشر الشرين".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.