مسلمو الجيش الروسي في مواجهة مسلمي المقاومة الأوكرانية.. ما هو الموقف الشرعي؟

عدد القراءات
1,332
عربي بوست
تم النشر: 2022/03/02 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/02 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
جنود من الشيشان في استعراض عسكري قبيل المشاركة مع الجيش الروسي في الحرب ضد أوكرانيا/ رويترز

أصبح دوي المدافع أعلى صوتاً من طبول الحرب بين الجارتين روسيا وأوكرانيا، حيث انتقلت مرحلة التهديدات والهجوم عبر وسائل الإعلام إلى مرحلة الصراع المسلح، وأصبح المتابع معرضاً لتلقي المئات من المواد الإخبارية التي تتابع الأحداث على مدار الساعة، وتصف الخطوات التي يتخذها كل معسكر في هذه الحرب، فما من ساعة إلا وتجد فيها خبراً حول دعم الغرب والولايات المتحدة لأوكرانيا عبر التصعيد السياسي والحرب الاقتصادية وصولاً إلى الدعم بالمال والسلاح والمعلومات، أو خبراً آخر حول الداعمين لروسيا من بعض الدول وفي مقدمتها دول الاتحاد الروسي وروسيا البيضاء.

والدولتان (روسيا وأوكرانيا) مترابطتان بروابط تاريخية وثيقة، فقديماً كانت هناك مملكة "كييف روس" حيث ظلت كييف عاصمة الدولة الروسية منذ القرن التاسع الميلادي وحتى القرن الثاني عشر! وكلتا الدولتين تنتمي أغلبية سكانهما إلى ذات المجموعة العرقية تقريباً، ويعتنقان ذات المذهب الأرثوذكسي، بل إنه من المفارقات أن الكنيسة الأوكرانية والروسية ظلت موحدة حتى عام 2019 عندما صارت هناك كنيسة أوكرانية مستقلة عن نظيرتها الروسية!

يشكل المسلمون في روسيا نسبة تقارب 10% من إجمالي عدد السكان، ويتركز أغلبهم في الجمهوريات ذات الأغلبية المسلمة مثل الشيشان وداغستان، وهي مناطق ليست على تماس جغرافي مع مناطق الصراع الحالي، بينما يشكل المسلمون في أوكرانيا نسبة تقارب 1% فقط من إجمالي السكان.

في ضوء هذه المعطيات البسيطة يمكننا أن نجزم بأن هذه الحرب لم تقُم إلا لاعتبارات سياسية لا دخل فيها للعرق ولا للدين، ولكن هذا لا ينفي توظيف رجال السياسة لهذه الأمور باعتبارها "أدوات" في المعركة وليست غاية يتم القتال من أجلها.

ورغم أن كلتا الدولتين (روسيا وأوكرانيا) تضمان أغلبية مسيحية أرثوذكسية وحضوراً متنوعاً من مختلف الديانات والمذاهب، فإن أغرب المواقف وأشدها مدعاة للحيرة كان من نصيب الأقلية المسلمة في كلتا الدولتين المتحاربتين!

فظهر الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف في مؤتمر إعلامي هاجم فيه الرئيس الأوكراني متوعداً بالمشاركة في العمليات العسكرية الروسية، وقد ظهر وسط زمرة من القوات الخاصة مع تركيز إعلامي على إشارات "إسلامية" مثل اللحية التي يطلقها عدد كبير من الجنود والمسبحة التي ركزت الكاميرات على من يحملونها في أيديهم أو في أعناقهم!

وخلال ساعات قليلة وردت أخبار مشاركة القوات الشيشانية في المعركة مع أوكرانيا، بقوات قوامها عشرة آلاف مقاتل وفق التقديرات المنشورة، والتقطت الكاميرات مقاطع لأداء العسكريين للصلاة قبل الانطلاق للحرب، وقد التحمت طلائع هذه القوات بالفعل في المعارك ووقع في صفوفها ضحايا، أطلق عليهم الإعلام الشيشاني لقب "شهداء"!

رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان/رويترز
رمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان مع بوتين/رويترز

على الصعيد الآخر دعا مفتي أوكرانيا (سعيد إسماعيلوف) العالم الإسلامي لدعم أوكرانيا، وحث مسلمي بلاده على دعم "دولتهم" و"جيشهم".

إشكاليات تحديد الهدف في المعركة

الأصل في الإسلام أن القتال يكون بين المسلمين وغيرهم، لا بين المسلمين بعضهم البعض؛ حيث تحرم النصوص قتال المسلم للمسلم، فالنبي ﷺ جعل أكبر الوعيد على تقاتل المسلمين فيما بينهم، ففي الحديث: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار) مسلم 2888.

وما من حالة يجوز فيها قتال المسلمين بعضهم البعض إلا في حالة البغي، حيث يرفع فريق من المسلمين السلاح ويبغون على جماعة أخرى من المسلمين، فإذا لم تنجح دعوات الإصلاح فإن قتال البغاة يصبح واجباً حتى يرتدع الباغي عن بغيه ويعود إلى رشده، فإذا استقرت الأمور فلا مبرر لاستمرار القتال، قال تعالى: ﴿وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا  فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ  فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ [الحجرات: 9].

ولكن هذه الحالات تفترض أن هناك "دولة مسلمة" و"جيشاً مؤمناً" ولكن الأمر في الحرب الأوكرانية الروسية مختلف تمام الاختلاف، فما ثمة جيش مسلم ولا دولة مسلمة!

وتعالوا لنعود إلى الخلف قليلاً حيث حرب الخليج الثانية التي اجتمع فيها عدد كبير من قوات الدول الإسلامية تحت إمرة أمريكية وهو ما جعل كثيراً من المسلمين يتحرجون من مسألة الاستعانة بدولة غير مسلمة وقوات غير مسلمة لتحل خلافاً بين المسلمين، وارتكزت الفتاوى الرسمية السعودية حينها على فكرة رفع الظلم ومقاومة الباغي بما هو متاح وممكن، وهي الفتاوى التي مهدت الطريق لوجود عسكري أمريكي مستقر في الجزيرة العربية لم ينتهِ حتى وقتنا الحالي!

إن تحديد الهدف من القتال يعتبر أهم ما ينبغي معرفته لتحديد مدى مشروعية القتال، فقد يكون الانخراط في القتال واجباً إذا كان دفاعاً عن المقدسات والأرواح والأعراض، ويكون إهداراً للأرواح إذا لم يكن له هدف مشروع وواضح ومحدد، والناظر في الحرب الحالية لا يستطيع أن يجد مسوغاً شرعياً لموقف الرئيس الشيشاني وانخراطه في القتال الذي لا يوجد فيه دفع لظلم ولا نصر لمسلم ولا أي مقصد شرعي معتبر!

إشكاليات الدولة والمواطنة، مَن الصديق ومن العدو؟!

يعتبر تحديد المعسكر الذي سيقاتل فيه المسلم أحد أكبر الإشكاليات المعاصرة، حيث ذوبت الدولة الحديثة فكرة الأخوَّة في الدين واستبدلتها بالقومية والوطنية، حيث قد يجد المسلم نفسه مقاتلاً في جيش غير مسلم ولكنه ينتمي إلى جنسيته!

وهنا يقوم الفرد المسلم بتحقيق أهداف غير المسلمين، وهي أهداف لا يمكن بحال من الأحوال أن تتوافق مع مقاصد الإسلام من القتال، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ  وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ  إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، ولقد نهى الله تعالى عن موالاة غير المسلمين في مسائل القتال تحديدًا لحساسيتها: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الحشر: 11].

وهذه الإشكالية ظهرت بجلاء عند غزو الولايات المتحدة للعراق 2003 حيث تضاربت الفتاوى حول حكم خدمة المسلمين في الجيش الأمريكي، وهو ما كشف وجود فجوات كبيرة بين التنظير والتطبيق في مجال السياسة الشرعية.

والحقيقة أن موقف مسلمي أوكرانيا طبيعي ومتوافق مع مقاصد الشرع التي توجب الدفاع عن النفس والعرض، فهم في موقع دفاع لحماية أنفسهم، ولكن الزج بمسلمي الشيشان في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بل ويقاتلون إلى جوار العدو الذي سحق بلادهم في حربين انتهت آخرهما عام 2009 يعتبر أمراً عجيباً والأعجب أن يتم الزج بهم في هذه الحرب تحت راية دينية وشعارات إسلامية وكأنهم منطلقون إلى تحرير المقدسات!

إن حرباً مثل التي تدور رحاها حالياً بين روسيا وأوكرانيا تضع على عاتق العلماء والباحثين المسلمين واجبات عاجلة تخص الغوص في مساحات طالما كان المسكوت عنه أكثر مما بحث فيه، وذلك لتوضيح المساحة التي يمكن أن تتدخل فيها السياسة وتعمل عملها وبين المساحة التي تعتبر من الخطوط الحمراء التي لا يمكن تعديها تحت أي ذريعة كانت، كما تضع هذه الأحداث مسؤولية شخصية في عنق كل مسلم ألا يلقي بنفسه في صراع لا يعلم أبعاده ولا تتضح له أهدافه ولا يستطيع أن يفرق فيه بوضوح بين الصديق والعدو، طالما أنه ليس مضطراً لذلك.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسلام هلال
باحث أكاديمي مهتم بالشريعة والقانون وعلم الاجتماع
باحث أكاديمي مهتم بالشريعة والقانون وعلم الاجتماع
تحميل المزيد